دخلت حملات جمع التوقيعات، التي تهدف إلى دفع الناخبين للتصويت للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وإظهار أنه لا يزال يتمتع بشعبية، مرحلة جديدة من مراحل تطورها. فبعد أن كانت استمارات الحملات تفرض على الموظفين والعاملين في الحكومة المصرية، أصبحت تُفرض جبرياً على فئات الشعب المختلفة والموظفين في القطاع الخاص، حتى أنها أصبحت تفرض على الصحافيين والإعلاميين والعاملين في الشركات والمصانع الخاصة.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر متعددة داخل صحف ذات صلة وثيقة بالأجهزة الأمنية، وهي أربع صحف، أن إدارتها عقدت اجتماعاً قبل أيام، إذ إنها تخضع جميعاً لرئيس واحد، وأنه أبلغهم في ذلك الاجتماع بضرورة جمع ألفي توقيع من صحافيي وموظفي تلك الإصدارات على استمارة "عشان تبنيها". وأكدت المصادر أنه طلب من المشرفين على تلك الإصدارات الاتصال بجميع الصحافيين، وإبلاغهم بضرورة إرسال بطاقة الرقم القومي (الهوية) من أجل تسجيل بياناتها على الاستمارة. وأضافت المصادر أنه أكد للمسؤولين عن تلك المؤسسات أن من سيرفض التوقيع على استمارة "عشان تبنيها" سيواجه إجراءات قاسية تصل إلى الطرد من العمل.
وأكدت المصادر، التي رفضت الكشف عن أسمائها لـ"العربي الجديد"، أن رئيسهم أبلغ الحاضرين في الاجتماع الموسع، بشكل واضح أن قوائم الموقعين وغير الموقعين على استمارة دعم السيسي سيتم إرسالها إلى الاستخبارات. وقال لهم حرفياً "لا تضعوني في موقف محرج مع الجهات السيادية، ولذا أرجو من الجميع التوقيع على الاستمارة دون تلكؤ". وأضاف "أنا شخصياً أحب السيسي، ولذلك قمت بالتوقيع علناً على الاستمارة، أنا وزوجتي. لكنكم لستم مطالبين بالضرورة أن تحبوا السيسي. اعتبروه رئيس الضرورة، ووقعوا الاستمارة أنتم وجميع زملائكم". الأمر ذاته تكرر في مؤسسات إعلامية أخرى تابعة للاستخبارات العامة، إذ أكدت مصادر من داخل قنوات عدة، أن إدارة تلك القنوات أبلغت العاملين فيها بضرورة توقيع الاستمارة، وحذرتهم من أن عدم التوقيع سيعرضهم للفصل. يذكر أن المؤسسات الإعلامية الأخرى التي تتبع الاستخبارات الحربية، مثل مجموعة قنوات "دي إم سي" و"راديو 90 90" وموقع "مبتدا" تروّج استمارة أخرى لدعم السيسي، بعنوان "كلنا معاك من أجل مصر". وعلمت "العربي الجديد" من مصادر داخل المؤسسات الصحافية القومية (حكومية)، وهي الأهرام، والأخبار، والجمهورية، والهلال، أن إدارة تلك المؤسسات تقوم أيضاً بجمع التوقيعات على استمارة "عشان تبنيها"، وأنها تُجبر الموظفين والعمال على توقيعها من دون الصحافيين، وذلك بخلاف ما يحدث في المؤسسات الخاصة.
حملة جمع التوقيعات لم تقتصر فقط على الهيئات الحكومية والمؤسسات الصحافية التابعة لأجهزة السيسي الأمنية فقط، لكنها امتدت لتشمل مصانع وشركات خاصة، إذ أكدت مصادر من داخل مصنع وشركة "توشيبا العربي"، إحدى أكبر شركات صناعة الأجهزة المنزلية، لـ"العربي الجديد"، أن إدارة الشركة قامت بتوزيع استمارات السيسي على الموظفين والعمال، وطالبتهم بتوقيعها وإحضار توقيعات أسرهم أيضاً عليها. كما أكد أكثر من مصدر في أكثر من شركة تأمين أنهم وقعوا أيضاً استمارات مشابهة. ومع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة في مصر، والمفترض أن تُجرى بعد نحو خمسة أشهر، تحشد الأجهزة الأمنية ومؤيدو السيسي أعداداً كبيرة من المواطنين للتوقيع على استمارة "عشان تبنيها"، من أجل إظهار أن السيسي مدفوع إلى خوض الانتخابات لكي يفوز بفترة ثانية بإرادة شعبية كاسحة. حالة التهديد والوعيد التي يمارسها المشرفون على المؤسسات الصحافية التابعة للسيسي فسّرها مقربون من حملة السيسي، التي يديرها مدير مكتبه اللواء عباس كامل، بأن السيسي يشعر بقلق شديد من تآكل شعبيته بفعل الفشل الذي حققه على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى التوسع في الإجراءات القمعية والاعتقالات، وهو الأمر الذي يجعله متوتراً باستمرار ويعامل المشرفين على الحملة بفظاظة، تجعلهم يتصرفون من جانبهم بتوتر أيضاً.
وقال مصدر وثيق الصلة بالحملة، إن السيسي أمر بجمع 40 مليون توقيع على الأقل من مواطنين للمطالبة بترشيحه، حتى يكرر ما حدث منذ أربع سنوات عندما حقق فوزاً كاسحاً من دون أي منافسة تذكر، في ما يشبه الاستفتاء، وذلك في الانتخابات الرئاسية التي جاءت بعد أن نفّذ الجيش، بقيادة السيسي، انقلاباً على الرئيس المنتخب محمد مرسي. ولم يعلن السيسي حتى الآن ما إذا كان سيخوض الانتخابات مجدداً أم لا، في انتظار أن يتحقق ذلك. وقال المشير عبد الفتاح السيسي، المرشح لرئاسة الجمهورية قبل الانتخابات التي جرت في 2014، "خلّي 40 مليون مصري ينزلوا الانتخابات الرئاسية، وأنا أقف قدام الدنيا، ويا رب الشعب ما يكسرش بخاطري، وينزل التصويت". وأضاف السيسي، في حوار مع 5 قنوات فضائية قبل الانتخابات، "الشعب استدعانا لإحساسه بالخطر، وده إحساس حقيقي. إحنا بنتكلم عن مرحلة تحدي حقيقية، وكلمة وطن تعني الحضن". ثم عبّر السيسي عن رغبته تلك في المؤتمر الشبابي الذي عُقد في مدينة الإسكندرية، في يوليو/تموز الماضي. وقال، حول حقيقة ترشحه في انتخابات الرئاسة المقبلة أو عدمه، مخاطباً المصريين، "أوعوا ما تنزلوش". وأضاف السيسي، خلال جلسة "اسأل الرئيس" في المؤتمر الوطني الرابع للشباب بالإسكندرية، "ده يوم يا مصريين، متستكتروش على مصر يوم... حتى لو هتقفوا 10 ساعات، يا مصريين إرادتنا بإيدينا، والناس بتشوف وتحسب كويس، وهناك رصد ومتابعة وتحليل". وتابع "أياً ما كان الانتخابات الجاية، ومين اللي نازل فيها، باقول لأهلي وناسي انزلوا وما تستكتروش على مصر. انزلوا عشان تقولوا إحنا جبنا ده... ده قراركم وإنتوا اللي هتتحملوا المسؤولية. انزلوا عشان ما ترجعوش تقولوا رحنا الساحل وما نزلناش. إنتوا اللي رحتوا الساحل وسِبتوا الانتخابات وحصل اللي حصل قبل كده". وأضاف "انزلوا وهاتوا اللي إنتوا عايزينه، اللي كاتبه ربنا هيكون. أنا لو مؤمن بالله صحيح هرضى بكل تواضع، ها قول شكراً، سلام عليكم. إحنا بنتكلم على دولة. عايزين نطّمّن عليها لأبنائنا وأحفادنا، اختاروا وما حدش أبداً يفرض عليكم حق الاختيار. 50 مليون ينزلوا يورّوا الدنيا كلها اختاروا مين، وربنا يولي من يصلح. حد يقود شعب غصب عنه؟ والله ما أقعد يوم ضد رغبتكم".
وينظم حملة "عشان تبنيها" رجال أعمال وأساتذة جامعات وأعضاء في مجلس النواب من مؤيدي الرئيس المصري، بهدف تحفيز الناخبين على التصويت له، وإظهار أنه لا يزال يتمتع بشعبية طاغية. لكن المصدر قال، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع"، خالد صلاح، هو صاحب الفكرة. وحتى الآن لم يعلن السيسي ترشحه رسمياً، كما لم يعلن أي من المرشحين الآخرين، سوى المحامي والحقوقي خالد علي، وهو الأمر الذي يؤشر إلى عدم وجود منافسة قوية في الانتخابات المقبلة. وقد يحرم علي (45 سنة) من الحق في الترشح للانتخابات الرئاسية إذا ما أيّدت محكمة استئناف حكماً أصدرته محكمة للجنح في سبتمبر/أيلول الماضي بحبسه لثلاثة أشهر، بتهمة ارتكاب فعل فاضح خادش للحياء العام. وينفي علي هذه التهمة ويقول إنه واثق من البراءة. وصعد نجم خالد علي في يناير/كانون الثاني الماضي بعد حصوله على الحكم النهائي ببطلان الاتفاقية التي تضمنت نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى السعودية. وأثارت الاتفاقية اعتراضات واحتجاجات كبيرة في مصر العام الماضي. وسبق لعلي خوض الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2012، وجاء في المركز السابع من بين 13 مرشحاً، بعد حصوله على أكثر من 100 ألف صوت. لكنه قال، في 2014، إنه لن يخوض انتخابات الرئاسة في هذا العام، ووصفها بأنها "مسرحية"، وأعلن رفضه لترشح السيسي.