انتقل مركز الثقل في اليمن من العاصمة صنعاء، وبعد مرور ما يزيد عن شهر على بدء عمليات التحالف واجتياح الحوثيين مدينة عدن وما حولها، يرتسم يمنٌ مختلف. تبرز ملامح هذا الاختلاف في تراجع المركز التاريخي (صنعاء)، وصعود المراكز (المدن) الثانوية التي تشكّل كقوة عسكرية، ما يعرف بـ"المقاومة الشعبية". ويمكن أن تشهد الأحداث الدائرة في أحد أوجهها، ولادة قيصيرية لتقسيم الأقاليم الذي أقرّه مؤتمر الحوار الوطني بين مارس/آذار 2013 ويناير/كانون الثاني 2014.
تمثّل كل واحدة من هذه المدن (عدن، تعز، مأرب)، مركزاً لهويات مناطقية وجهوية بنسب متفاوفة. تختلط في عدن، مركز المحافظات الجنوبية، الدعوات الانفصالية بالأصوات المدافعة عن الشرعية، وينتمي معظم المقاومين فيها إلى محافظات عدن، أبين، لحج، والضالع (محافظات إقليم عدن بحسب تقسيم مؤتمر الحوار). وتواجه المقاومة، الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، (أغلب القوات النظامية المرابطة في هذه المحافظات)، وينتمي أغلب أفرادها إلى المحافظات الشمالية.
وباتت تعز، ثالث أهم المدن اليمنية، بعد صنعاء وعدن، من أهم نقاط التوتر، بعدما تحوّلت إلى ساحة حرب شوارع بين المقاومة التي تشكّلت بدرجة أساسية من أبناء المحافظة، وبين الحوثيين والقوات الموالية لهم. وتعدّ تعز، بحسب تقسيم الأقاليم، مركزاً لما سُمّي "إقليم الجند"، الذي يضم إلى جانبها، محافظة إب. وتمثّل المحافظتان الثقل السكاني في المحافظات الشمالية، وخصوصاً تعز التي تمثّل هوية سياسية مقابل صنعاء. ومع ذلك، فإنّها هوية تعبّر عن الماضي وبعض العادات البسيطة، ولا تستطيع أن تكون كتلة منفصلة عن صنعاء وبقية المدن، بسبب التداخل الاجتماعي والسكاني الذي أصبح أقوى من العواصف السياسية. فعلى سبيل المثال، يسكن في صنعاء ما يزيد عن مليون من المنتمين إلى هاتين المحافظتين، وهناك مصالح متداخلة لمئات الآلاف من المواطنين يصعب فصلها.
وفي الوسط، تأتي مأرب، التي تقع تحت سيطرة قبائل وقوات عسكرية مناوئة للحوثي، وهي أهم المحافظات النفطية الشمالية، وفيها العديد من المصالح الحيوية. وتمثّل إلى جانب الجوف والبيضاء هوية أكثر تعبيراً عن المجتمع القبلي. وقد جمع التقسيم الفيدرالي لمؤتمر الحوار هذه المحافظات، تحت اسم "إقليم سبأ"، ومركزها مأرب، العاصمة التاريخية لمملكة سبأ اليمنية.
اقرأ أيضاً: انشقاق رئيس جهاز الاستخبارات اليمني ووصوله إلى ألمانيا
شرقاً، لم تدخل حضرموت أكبر المحافظات مساحة، في خريطة الصراع المباشر مع الحوثيين و"عاصفة الحزم"، لكنّها اتخذت خصوصيتها وانحازت فيها القوى العسكرية لـ"الشرعية"، وسيطر على مركزها المكلا، تنظيم "القاعدة" قبل أن يسلّمها إلى "حلف قبائل حضرموت". وتمثّل المحافظة مركزاً لـ"إقليم حضرموت" الذي يضم إلى جانبها، ثلاث محافظات، هي شبوة والمهرة وسقطرى. ويمثّل الإقليم، أكثر من نصف مساحة اليمن المقسّمة إلى خمسة أقاليم أخرى.
صنعاء، المركز التاريخي، الذي ضمّ إليه تقسيم الأقاليم، محافظات عمران وصعدة وذمار، بمسمى "إقليم آزال"، تبدو بعيدة حتى الآن عن القتال الداخلي (مقاومة - قوات موالية لصالح، بعدما أخذت نصيبها في عام 2014، أثناء توسّع الحوثيين من صعدة إلى صنعاء. وفي هذه المحافظات، ترتفع أصوات مطالبة بانسحاب الحوثيين، ويُستبعد أن تصل هذه المطالبة إلى انسحاب القوات النظامية الخاضعة لنفوذ لصالح، لأنّها تمثّل القوة المركزية، وينتمي معظم منتسبيها إلى هذه المحافظات. والمرجّح، أنّه في حال حدوث تسوية، سيتم إعادة ترتيبها، وسيجري تغييرات في قادتها.
بناءً على ذلك، فإنّ الأزمة في اليمن، ومع استمرار الحرب التي تضعف المركز التقليدي، قد تنتهي إلى ترسيخ مراكز ثانوية، عدن على الأقل، ما لم تستعد الدولة المركزية سلطتها، ويتم احتواء المجموعات المسلحة في الجيش تحت تعريف وطني بعيداً عن الهويات المناطقية وبعيداً عن الإقصاء أو الهيمنة لجزء دون آخر.