استنساخ اللامنطق العسكري

11 يونيو 2014
+ الخط -
يحدث أن يعيد التاريخ نفسه، أو لعل الأحداث تتشابه، في مناطق مختلفة من عالمنا، في حال تكرّرت الأخطاء عينها. في العالمين، العربي والإسلامي، تقع سيطرة نخب لا تقرأ التجارب السابقة للغير، ولا تقرأ ما يحيط بها من تغيّرات. بصدور الحكم القاضي بإعدام أكثر من خمسمائة عضو من جماعة الإخوان المسلمين، في مقدمتهم المرشد العام للجماعة، محمد بديع، يوشك الحدث المصري أن يحتل الصدارة الدموية، تم تنفيذ الحكم، أو ألغي بتدخل من عقلاء، يشك في وجودهم، كما يبدو الحدث تكراراً لما اصطلح على تسميته "أحداث حماة" في سورية قبل ثلاثة عقود.

كارثيّة الحدث المصري ليست في منسوب العنف الذي يتضمّنه، ففي هذا الجانب ما زال بعيداً عن أن يطغى على المشهد الدموي السوري، بل في أنه يدفع باتجاه اللحاق بالتجربة السورية في ثمانينيات القرن المنصرم، بعد أن عاشت المنطقة تفاؤلاً بأن يحصل العكس على الأقل، أي أن تعيش سورية تسوية مصر الثمانينيات، حينما نجح النظام المصري في تجاوز الانفجار ببعض الإصلاحات السياسية، ليس أن تعيش مصر دموية سورية الثمانينيات.

كان مأمولاً أن يزدهر الأفق السياسي المصري بعد ثورة يناير، بني هذا الأمل، على الأقل، في الأشهر الأولى من الربيع العربي، حينما خُيل لكثيرين أن هناك أملاً بأن يؤدي التغيير المأمول في سورية إلى تقليص الفارق في التجربة السياسية بين البلدين، الناتج عن التجربة الحزبيّة في المجتمع المصري، عبر عقود كان خلالها المجتمع السوري مخدّراً، يعيش حالة أقرب إلى الموات السياسي العام.

إلا أنه، وبعد رفض النظام السوري السير على خطى نظيره المصري، بإطاحة رأسه وبطانته الفاسدة، وإجراء بعض الإصلاحات، وبعد أن استمر التصلب في مواجهة مطالب التغيير، ثلاث سنوات طوال، على جثث عشرات آلاف الضحايا السوريين، وبتدمير أكثر من ثلث سورية، يظهر أن العسكر المصري قرر السير على خطى العسكر الأسدي. في سورية، قام نظام الأسد، على أساس معالجة أزماته بطريقة وحيدة، تكاد تكون مكرّرة بصيغ متقاربة، في جميع الأزمات التي مرّ بها، سواء في الداخل السوري في الثمانينيات، أو الداخل اللبناني خلال سنوات الحرب الأهلية.

كان قانون (49) لعام 1980، والذي يقضي بإعدام كل منتسب إلى "الإخوان المسلمين" في سورية، نموذجاً لهذا اللامنطق السوري، الذي أنتجه نظام الأسد في وقت مبكّر. اليوم يتجلى تشابه اللامعقول السوري باللامعقول المصري. لأن حسابات الأسد كانت تنطلق دوماً من تحقيق تفاهمات خارجية، مقابل انعدام صيغة التسوية والحوار الداخليين، فلم يشعر يوماً بضرورة تحقيق تسوية مع خصومه من السوريين.

ضمن هذه الأجواء، صدر القانون المذكور، وجاءت بعده أحداث الثمانينيات، وما ترتّب عليها لاحقاً. لا يمكن لنا، في هذا السياق، أن نفصل بين هذه السياسة الإلغائية، التي أسسها الأسد الأب، وما آلت إليه الثورة السورية أخيراً، والتي أصبحت يوماً بعد آخر أكثر جذرية، في وجه تصاعد عنف النظام، الذي لم يفكّر، ولو مرّة واحدة، في الخروج من دائرة الحل الذي اختاره الأسد الأب لنظامه في مواجهة كافة الأزمات. بل على العكس، جاءت أدبيّات المؤيّدين للنظام مليئة بمفردات تعود إلى حقبة الأب، مؤكّدين على حكمته في التعامل مع مثل هذه الأزمات، ومشدّدين على نجاعة أسلوب السحق والإلغاء المطلق الذي اتبعه. لهذا؛ ندُرَ استغراب، أي من المراقبين الحياديين، إصرار الثورة على تحطيم رمزية الأب، عبر لعن روحه في التظاهرات، أو تحطيم تماثيله، بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على رحيله الجسدي عن المشهد السياسي السوري.

يخطئ نظام العسكر في مصر، إن كان قد حسم أمره، بالمضي في طريق الإلغاء حتى نهايته، فالظرف الزمني اليوم، لا يشبه ظرف الأسد بالأمس، وإن تحقق بعض غطاء إقليمي ودولي، شبيه بالغطاء الذي اتكأ عليه الأسد في السابق. التاريخ المعاصر، يضع بين أيدينا حقيقة أن التسويات الداخلية، هي وحدها القادرة على تجنيب المجتمعات ثورات جذرية كالتي نراها اليوم، وأن القهر، لا يفضي إلا إلى القهر، مهما زُيّن للسلطة كثرة أنصار ومؤيّدي سياسة الإقصاء، وإن كلّ سياسة جذرية، لا تنتهي إلا بردود فعل أكثر جذرية، كذلك الأمر بشأن دمويّة الثورات، فهي لا تخرج إلا من رحم تسلّط الأنظمة.
 
avata
avata
عماد العبار (سورية)
عماد العبار (سورية)