إن كان ثمة من ينشد دليلاً على التأثير الطاغي للمستوطنين في الضفة الغربية، والتيار الديني بشقيه الصهيوني و"الحريدي" بشكل عام، على النظام السياسي في إسرائيل، فإن استنفار كبار الوزراء والمسؤولين وممثلي الأحزاب لضمان عدم تطبيق قرار قضائي بهدم البؤرة الاستيطانية، عمونا، الواقعة في محيط رام الله، التي دشنت بدون إذن حكومة تل أبيب، هو خير دليل على ذلك. وكانت المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت في ديسمبر/كانون الأول 2014، قراراً يقضي بهدم "عمونا" في غضون عامين، مع العلم أن المستوطنين دشنوا هذه البؤرة عام 1996 على أراضي فلسطينية خاصة تعود لأهالي بلدة سلواد. ونظراً لأن "الدولة" هي "خصم" المستوطنين أمام المحكمة العليا، فقد تجند المسؤولون الإسرائيليون من أجل التوصل لـ"تسوية" تقوم على مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية الخاصة لكي تُنْقل إليها بعض المنازل (المتنقلة)، التي تتكون منها "عمونا"، مع بقاء الجزء الآخر في مكانه.
وفي مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، مساء الثلاثاء، قال وزير "استيعاب المهاجرين وشؤون القدس"، القيادي في حزب الليكود، زئيف إلكين: "لقد كان واضحاً لنا أن أيّ تسوية يجب أن تحظى بقبول المواطنين في عمونا". أما وزيرة العدل الإسرائيلية، القيادية في حزب "البيت اليهودي" المتطرف، إياليت شاكيد، التي يفترض أن تدافع عن تطبيق قرار المحكمة العليا، فقد انبرت للدفاع عن مصادرة المزيد من أراضي الفلسطينيين لضمان بقاء "عمونا" وتحويلها إلى مستوطنة "قانونية". وفي مقابلة مع الإذاعة العبرية، يوم الإثنين، بررت شاكيد استنفارها وزملائها للدفاع عن بقاء المستوطنة، بالزعم أن الفلسطينيين يبنون أيضاً بشكل "غير شرعي".
ومن المفارقة، أن تصريحات شاكيد جاءت في الوقت الذي بات في حكم المؤكد أن قرية سوسيا الفلسطينية، التي تقع شرق مدينة يطا جنوب الضفة الغربية، لا تزال باقية ضمن الوقت المستقطع، بعد صدور قرار عسكري إسرائيلي يقضي بهدمها، من أجل السماح بتوسع مستوطنات يهودية في المحيط. وعلى الرغم من التحذيرات الأوروبية والأميركية، إلا أنه لا يوجد ما يشير إلى أن الجيش سيتراجع عن قرار الهدم، مع العلم أن أراضي القرية تعود للأهالي القاطنين عليها. وتحت ضغط "مجلس المستوطنات اليهودية"، الذي يمثل المستوطنين في الضفة، أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم الثلاثاء، أنه أنهى الإجراءات التي تضمن إحداث "طفرة" في كل ما يتعلق بالبنى التحتية التي تخدم المستوطنات اليهودية، جنوب الضفة الغربية.
وقد دفع هذا الواقع وزير القضاء الإسرائيلي السابق، دانييل فريدمان إلى حد القول: "إن القرارات التي يصدرها الائتلاف الحاكم تأتي نتاج "الإملاءات التي يفرضها المستوطنون والتيار الديني الحريدي". وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "جيروزاليم بوست"، ونشرتها في عددها الصادر، الثلاثاء، أوضح فريدمان أن المستوطنين والحريديم باتوا يحددون "الأجندة السياسية والاجتماعية للدولة بسبب ما يمتلكون من نفوذ هائل". لكن تعاظم نفوذ المستوطنين والمتدينين، ليس العامل الوحيد وراء شرعنة المشاريع الاستيطانية التي تقام بدون تصريح الحكومة الإسرائيلية. فخلال هجمة المقابلات المكثفة التي أجراها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مع وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الأسبوعين الماضيين، تبين أن إغراق الضفة الغربية بالمستوطنات ينسجم مع توجهات نتنياهو القائمة على استثناء حل الصراع مع الفلسطينيين من أجندته، وبالتالي تحرص الحكومة على "تبييض" المستوطنات "غير القانونية".