تشكل بريطانيا، دون غيرها من باقي دول القارة القديمة، حالة استثنائية تميّزها عن باقي الدول الأوروبية في كل ما يتعلق بتاريخها الحديث وعلاقاتها مع الحركة الصهيونية، منذ أطلق وزير خارجيتها آرثر جيمس بلفور وعده لرئيس الوكالة اليهودية، حاييم وايزمان، بالتزام حكومة صاحبة الجلالة بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
وعلى مدار الحربين العالميتين ظلت بريطانيا، عدا عن كونها راعية للحركة الصهيونية وأمانيها، "نقية" في سجلها التاريخي من أي مذابح أو اعتداءات سواء كانت منظمة أم فوضوية وعفوية ضد اليهود. وانطبق هذا الأمر بشكل خاص في تقسيمات السياسة الداخلية والحزبية البريطانية على حزب العمال البريطاني منذ تأسيسه في مطلع القرن الماضي.
على الرغم من ذلك، لم يشفع هذا السجل "النظيف"، مقارنة بأحزاب يسارية أخرى في أوروبا اتهمت، في فترات توتر علاقاتها مع إسرائيل، بأنها غضت الطرف عن الحركات الفاشية بل وتعاونت مع الحكم النازي في فترات معينة قبيل الحرب العالية الثانية وخلالها وبعدها، لحزب العمال البريطاني، صاحب العلاقات المميّزة مع إسرائيل، وتحديداً مع حركتها العمالية طيلة حكم هذه الحركة ممثلة بحزب العمل التاريخي لإسرائيل حتى الانقلاب السياسي فيها في العام 1976.
اقــرأ أيضاً
ومنذ أواخر الأسبوع الماضي، يتعرض حزب العمال البريطاني لحملة صحافية وسياسية في إسرائيل مع اتهامه باحتضانه لعناصر "معادية لليهود والسامية" لا تتورع عن إبداء مواقفها المناهضة للسامية واليهود، وترجمة ذلك إلى نشاطات حثيثة لصالح حركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل، بحسب الاتهامات.
وعلى الرغم من أنّ تصريحات رئيس بلدية لندن السابق، كين ليفنغستون، تصدّرت هذه الحملات، وشكّلت المبرر المعلن للحملة الإسرائيلية على حزب العمال البريطاني، إلا أن تفاصيل هذه الحملة، وما تبيّن خلال فصولها المختلفة، تشير إلى أن الحملة تحولت خلال وقت قصير وبسرعة من رفض التصريحات المنسوبة لليفنغستون إلى توسيع نطاق البحث والتنقيب عن تصريحات سابقة وقديمة لأعضاء بارزين في حزب العمال البريطاني، تضمنت انتقادات لسياسات إسرائيل. وأبرز ما في ذلك العودة إلى استحضار منشورات لأعضاء بارزين، وإن على الصعيد المحلي لحزب العمال البريطاني، تتعلق بمواقفهم من حكومة الاحتلال وتأييدهم لعقوبات عليها أو فرض المقاطعة.
وتشي الحملة الإسرائيلية ضد حزب العمال البريطاني بأنها ليست موجهة ضد هذا الحزب بالذات، بقدر ما هي تمثل في الواقع خطوة أولى في التحرك الإسرائيلي العملي لمواجهة أي انتقادات أو تحركات دولية للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه في الأراضي المحتلة، عبر اتهام موجهي هذه الانتقادات بأنهم لا يعارضون السياسة الإسرائيلية، بقدر ما يستترون خلف هذه المقولة لإخفاء عدائهم الحقيقي للسامية ولليهود.
وقد برز هذا التوجه بشكل خاص في المؤتمر الذي نظمته صحيفة يديعوت أحرونوت قبل شهر تحت شعار مناهضة حركة المقاطعة الدولية وسبل مواجهتها على الصعيد الإعلامي وأمام الرأي العام الدولي.
وتفرد الصحيفة زاوية خاصة في هذا المضمار للحقوقي والصحافي الإسرائيلي، بن درور يميني، الذي يكتب بشكل ثابت ومستمر ومثابر ضد حركة المقاطعة الدولية، مع تركيزه أيضاً بشكل دائم على معاقل هذه الحركة في بريطانيا والجامعات الأميركية.
وفي السياق، تشكل الحالة البريطانية حالة خاصة، ولا سيما مع الأخذ بعين الاعتبار رصد إسرائيل لعشرات ملايين الدولارات لمواجهة حملة المقاطعة الدولية، في شمال أميركا وأوروبا. أو يمكن القول إن الحالة البريطانية تشكل المعركة الأولى التي ينبغي كسبها، من وجهة النظر الإسرائيلية.
فإذا تمكنت الدعاية الإسرائيلية من كسر شوكة حزب العمال البريطاني، الموالي لإسرائيل، فإن ذلك سيكون درساً لباقي الأحزاب الأوروبية، التي خلافاً لحزب العمال البريطاني، لها ما تخفيه، في تاريخ مؤسسيها، من مواقف متذبذبة في مواجهة الحركات الفاشية والنازية.
ولعل اللافت في حالة الحزب البريطاني، كون هذه الحملة تركز بشكل خاص على الأعضاء من الأصول غير الإنجليزية أو الأوروبية، وبالتحديد تركيزها على ذوي الأصول الإسلامية والعربية التي تمكنت من الاندماج في المجتمع البريطاني وفي الحياة الحزبية البريطانية، بما يعكس حالة التعدد الثقافي في الحياة البريطانية، بعيداً عن تأثيرات التشنج القومي التي ترافق مثلاً النشاط السياسي لفئات المهاجرين والمواطنين الناشطين في بلدان أوروبية أخرى، كما في فرنسا وألمانيا.
ولعل من أوجه المفارقة في حالة الهجوم الإسرائيلي على حزب العمال البريطاني، هو انضمام زعيم حزب "المعسكر الصهيوني" (حزب العمل الإسرائيلي سابقاً)، يتسحاق هرتسوغ، للمنددين بحزب العمال البريطاني والمهددين بقطع العلاقات بين الحزبين على خلفية "مظاهر العنصرية واللاسامية في صفوف أعضاء حزب العمال البريطاني"، على حد قوله. هرتسوغ نفسه، كان قد تورط قبل أسبوعين فقط بتصريحات عنصرية ضد العرب بقوله إن مشكلة حزبه في الشارع الإسرائيلي من النظرة "إلينا بأننا محبون للعرب".
وتزيد من حدة المفارقة حقيقة كون هرتسوغ يتزعم الحزب الذي أرسى أسس التمييز العنصري في القوانين الإسرائيلية ضد فلسطينيي الداخل المحتل بعد النكبة. كما أنه ابتكر مسميات مضللة لسياسات التمييز، مثل تسمية "تطوير الجليل" للتستر على حقيقة كون المشروع مشروع لتهويد الجليل وسلب أراضي العرب. وهرتسوغ هو نجل الرئيس الإسرائيلي الأسبق، العقيد في سلاح الاستخبارات البريطانية خلال الحرب العالية الثانية، حاييم هرتسوغ، وأحد أبرز ناسجي العلاقات مع حزب العمال البريطاني، سوية مع وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، البريطاني الأصول أيضاً آبا إيبن.
وبالعودة إلى مسألة الاتهامات لحزب العمال البريطاني بمعاداة السامية، فمن الواضح أن الحملة تهدف على المدى القصير إلى تقليل فرص فوز مرشح حزب العمال لرئاسة بلدية لندن، الباكستاني الأصول، صدقي خان، لصالح المرشح اليهودي الأصول من حزب المحافظين زاك جولدسميث، في الانتخابات المحلية التي تجرى اليوم الخميس.
أما على المدى البعيد، فإن الحملة الإسرائيلية، التي تتضح دوافعها العنصرية باستهداف ناشطين من أصول غير أوروبية ولا سيما إذا كانوا من الديانة الإسلامية، تهدف إلى كسر حالة الوعي الجديدة التي تشكلت في أوروبا وفي القارتين الأميركيتين والقائلة بإمكانية انتقاد إسرائيل وسياساتها دون التعرض لتهمة معاداة السامية. وقد تسنى ذلك أيضاً بفعل انخراط شخصيات يهودية تقدمية في أوروبا وفي الولايات المتحدة في حراك المقاطعة الدولية، وهو ما جعل اتهام هذه الحركات بمعاداة السامية أمراً مستحيلاً. وسبق لكثر من المراقبين والمستشرقين ورجال السياسة في إسرائيل أن أبدوا، في أوج استقبال ألمانيا وأوروبا للاجئين السوريين، قلقهم من تداعيات ديمغرافية مستقبلية على التكوين والنسيج الاجتماعيين والسياسيين لهذه الدول، مع ما قد يحمله ذلك من إرهاصات في الموقف السياسي في المستقبل البعيد للقارة الأوروبية على إسرائيل.
ويشنّ اليمين الإسرائيلي في العامين الأخيرين هجوماً عنيفاً ليس فقط على جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات اليسار في إسرائيل باعتبارها "طابور خامس يخدم حركة المقاطعة الدولية"، بل تعدى ذلك إلى شنّ حملات تحرض ضد الناشطين اليهود في شتى أنحاء العالم الذين انخرطوا في نشاط حركة المقاطعة الدولية. وقد بلغ هذا الهجوم حداً جديداً أمس، عندما وصف الكاتب اليميني، إليكيم هعتسني، في مقالة له في يديعوت أحرونوت، حركة اللوبي اليهودي اليساري في الولايات المتحدة "جي ستريت"، بأنها تجمع في صفوفها اليهود الذين انخرطوا في خدمة المعادين للسامية، وتوفر لهم حماية من اتهامهم بمعاداة السامية لمجرد كونهم من اليهود، على حد قوله.
وعلى مدار الحربين العالميتين ظلت بريطانيا، عدا عن كونها راعية للحركة الصهيونية وأمانيها، "نقية" في سجلها التاريخي من أي مذابح أو اعتداءات سواء كانت منظمة أم فوضوية وعفوية ضد اليهود. وانطبق هذا الأمر بشكل خاص في تقسيمات السياسة الداخلية والحزبية البريطانية على حزب العمال البريطاني منذ تأسيسه في مطلع القرن الماضي.
على الرغم من ذلك، لم يشفع هذا السجل "النظيف"، مقارنة بأحزاب يسارية أخرى في أوروبا اتهمت، في فترات توتر علاقاتها مع إسرائيل، بأنها غضت الطرف عن الحركات الفاشية بل وتعاونت مع الحكم النازي في فترات معينة قبيل الحرب العالية الثانية وخلالها وبعدها، لحزب العمال البريطاني، صاحب العلاقات المميّزة مع إسرائيل، وتحديداً مع حركتها العمالية طيلة حكم هذه الحركة ممثلة بحزب العمل التاريخي لإسرائيل حتى الانقلاب السياسي فيها في العام 1976.
وعلى الرغم من أنّ تصريحات رئيس بلدية لندن السابق، كين ليفنغستون، تصدّرت هذه الحملات، وشكّلت المبرر المعلن للحملة الإسرائيلية على حزب العمال البريطاني، إلا أن تفاصيل هذه الحملة، وما تبيّن خلال فصولها المختلفة، تشير إلى أن الحملة تحولت خلال وقت قصير وبسرعة من رفض التصريحات المنسوبة لليفنغستون إلى توسيع نطاق البحث والتنقيب عن تصريحات سابقة وقديمة لأعضاء بارزين في حزب العمال البريطاني، تضمنت انتقادات لسياسات إسرائيل. وأبرز ما في ذلك العودة إلى استحضار منشورات لأعضاء بارزين، وإن على الصعيد المحلي لحزب العمال البريطاني، تتعلق بمواقفهم من حكومة الاحتلال وتأييدهم لعقوبات عليها أو فرض المقاطعة.
وتشي الحملة الإسرائيلية ضد حزب العمال البريطاني بأنها ليست موجهة ضد هذا الحزب بالذات، بقدر ما هي تمثل في الواقع خطوة أولى في التحرك الإسرائيلي العملي لمواجهة أي انتقادات أو تحركات دولية للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه في الأراضي المحتلة، عبر اتهام موجهي هذه الانتقادات بأنهم لا يعارضون السياسة الإسرائيلية، بقدر ما يستترون خلف هذه المقولة لإخفاء عدائهم الحقيقي للسامية ولليهود.
وقد برز هذا التوجه بشكل خاص في المؤتمر الذي نظمته صحيفة يديعوت أحرونوت قبل شهر تحت شعار مناهضة حركة المقاطعة الدولية وسبل مواجهتها على الصعيد الإعلامي وأمام الرأي العام الدولي.
وتفرد الصحيفة زاوية خاصة في هذا المضمار للحقوقي والصحافي الإسرائيلي، بن درور يميني، الذي يكتب بشكل ثابت ومستمر ومثابر ضد حركة المقاطعة الدولية، مع تركيزه أيضاً بشكل دائم على معاقل هذه الحركة في بريطانيا والجامعات الأميركية.
وفي السياق، تشكل الحالة البريطانية حالة خاصة، ولا سيما مع الأخذ بعين الاعتبار رصد إسرائيل لعشرات ملايين الدولارات لمواجهة حملة المقاطعة الدولية، في شمال أميركا وأوروبا. أو يمكن القول إن الحالة البريطانية تشكل المعركة الأولى التي ينبغي كسبها، من وجهة النظر الإسرائيلية.
ولعل اللافت في حالة الحزب البريطاني، كون هذه الحملة تركز بشكل خاص على الأعضاء من الأصول غير الإنجليزية أو الأوروبية، وبالتحديد تركيزها على ذوي الأصول الإسلامية والعربية التي تمكنت من الاندماج في المجتمع البريطاني وفي الحياة الحزبية البريطانية، بما يعكس حالة التعدد الثقافي في الحياة البريطانية، بعيداً عن تأثيرات التشنج القومي التي ترافق مثلاً النشاط السياسي لفئات المهاجرين والمواطنين الناشطين في بلدان أوروبية أخرى، كما في فرنسا وألمانيا.
ولعل من أوجه المفارقة في حالة الهجوم الإسرائيلي على حزب العمال البريطاني، هو انضمام زعيم حزب "المعسكر الصهيوني" (حزب العمل الإسرائيلي سابقاً)، يتسحاق هرتسوغ، للمنددين بحزب العمال البريطاني والمهددين بقطع العلاقات بين الحزبين على خلفية "مظاهر العنصرية واللاسامية في صفوف أعضاء حزب العمال البريطاني"، على حد قوله. هرتسوغ نفسه، كان قد تورط قبل أسبوعين فقط بتصريحات عنصرية ضد العرب بقوله إن مشكلة حزبه في الشارع الإسرائيلي من النظرة "إلينا بأننا محبون للعرب".
وتزيد من حدة المفارقة حقيقة كون هرتسوغ يتزعم الحزب الذي أرسى أسس التمييز العنصري في القوانين الإسرائيلية ضد فلسطينيي الداخل المحتل بعد النكبة. كما أنه ابتكر مسميات مضللة لسياسات التمييز، مثل تسمية "تطوير الجليل" للتستر على حقيقة كون المشروع مشروع لتهويد الجليل وسلب أراضي العرب. وهرتسوغ هو نجل الرئيس الإسرائيلي الأسبق، العقيد في سلاح الاستخبارات البريطانية خلال الحرب العالية الثانية، حاييم هرتسوغ، وأحد أبرز ناسجي العلاقات مع حزب العمال البريطاني، سوية مع وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، البريطاني الأصول أيضاً آبا إيبن.
وبالعودة إلى مسألة الاتهامات لحزب العمال البريطاني بمعاداة السامية، فمن الواضح أن الحملة تهدف على المدى القصير إلى تقليل فرص فوز مرشح حزب العمال لرئاسة بلدية لندن، الباكستاني الأصول، صدقي خان، لصالح المرشح اليهودي الأصول من حزب المحافظين زاك جولدسميث، في الانتخابات المحلية التي تجرى اليوم الخميس.
أما على المدى البعيد، فإن الحملة الإسرائيلية، التي تتضح دوافعها العنصرية باستهداف ناشطين من أصول غير أوروبية ولا سيما إذا كانوا من الديانة الإسلامية، تهدف إلى كسر حالة الوعي الجديدة التي تشكلت في أوروبا وفي القارتين الأميركيتين والقائلة بإمكانية انتقاد إسرائيل وسياساتها دون التعرض لتهمة معاداة السامية. وقد تسنى ذلك أيضاً بفعل انخراط شخصيات يهودية تقدمية في أوروبا وفي الولايات المتحدة في حراك المقاطعة الدولية، وهو ما جعل اتهام هذه الحركات بمعاداة السامية أمراً مستحيلاً. وسبق لكثر من المراقبين والمستشرقين ورجال السياسة في إسرائيل أن أبدوا، في أوج استقبال ألمانيا وأوروبا للاجئين السوريين، قلقهم من تداعيات ديمغرافية مستقبلية على التكوين والنسيج الاجتماعيين والسياسيين لهذه الدول، مع ما قد يحمله ذلك من إرهاصات في الموقف السياسي في المستقبل البعيد للقارة الأوروبية على إسرائيل.
ويشنّ اليمين الإسرائيلي في العامين الأخيرين هجوماً عنيفاً ليس فقط على جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات اليسار في إسرائيل باعتبارها "طابور خامس يخدم حركة المقاطعة الدولية"، بل تعدى ذلك إلى شنّ حملات تحرض ضد الناشطين اليهود في شتى أنحاء العالم الذين انخرطوا في نشاط حركة المقاطعة الدولية. وقد بلغ هذا الهجوم حداً جديداً أمس، عندما وصف الكاتب اليميني، إليكيم هعتسني، في مقالة له في يديعوت أحرونوت، حركة اللوبي اليهودي اليساري في الولايات المتحدة "جي ستريت"، بأنها تجمع في صفوفها اليهود الذين انخرطوا في خدمة المعادين للسامية، وتوفر لهم حماية من اتهامهم بمعاداة السامية لمجرد كونهم من اليهود، على حد قوله.