-1-
باسمي الذي ربَّيْتُه في غابة الأسماء
سنطير يا روحي معا،
وسنكتب الدنيا كما شئنا، معا،
-2-
أمشي وراء اسمي،
أعلمه الكتابة والغناء،
وخلفه أمشي، يعلمني الحياة،
-3-
عرفت الدرب نحو اسمي
عرفت: الريح تحملني إليه
عرفت أشلاء المغني في دمي
وعرفت أني سوف أجمعها،
لأكتب سيرتي الأولى،
وأجمع من شظاياها..
حروف اسمي
عرفت الدرب نحو اسمي
قرأْت طريقه ومشيت،
كان القلب مصبـاحي
رأيت دما على الطرقات،
ظلي كان مشنوقا على الحيطان..
كان اسمي حروفا من غبار بعثرتها الريح،
في مدن الصفيحِ،
وفي الخيامِ،
وفي قطاراتِ الغروب،
وفي شتاءات بلا نار،
وشمس دونما مأوى..
-4-
أريد اسما يخبئني،
شتائيا ثقيلا كي يدفئني
ويحميني من النيرانِ والطّلقات
أريد اسما ربِيعيا خفيفا،
من زهور اللوزِ
واسما للنخيلِ..
-5-
أنا اسم جرحته
أصابع الأبناء والأحفاد
نبشت خزائن التاريخ والآباء والأجداد
وكان اسمي المهلهل بين أسلافي
كتبت اسمي على الألواحِ: موسى
ثم في الإنجيلِ: عيسى
ثم: أحمد
ثم من ثلج
ومن نور
ومن نار
-6-
كأنّ اسمي
قطيع ضاع
في الصحراء
لا ماء ولا شجر
كأنّ اسمي
هو الصحراء
لا غيم ولا مطر
أنا ابن اسمي
وجدّي بيت أسمائي
وجدّي بئر أخطائي وأسراري
يسمّيني الحطيئة والفرزدق
أو يسمّيني امرأَ القيسِ
المليك الضالّ والضلّيل
-7-
على صدري
تنام الشمس والقمر
ومنذ الفجر
تزحف كلّ أشجاري
وترقد في سرير القلب،
تدخل حوض أسراري،
أسمّيها المدى المفتوح للرؤيا
تسمّيني سيوف النارِ والّلهبِ
-8-
طويلا
بحثت عن اسم يلائمني
وعميقا حفـرت لأرسمه
ألف عام حفرت، رسمت،
وجُبت العواصم حتى اهتديت،
وأيقنت أنّي ابتعدت وتهت،
وأدركت "بالقلب" أنّي أنا اسمي
-9-
أنا الذي رأى،
ويا لهول ما رأى،
كأنّني ما زلت في المنامِ
كأنّني أغْفو على حلم،
وأصحو، حين أصحو، متخما،
مزدحم الأحلامِ بالأوهامِ
كأنّني،
في الدرب نحو اسمي،
شريد، باحث، موسوس، معذب،
بين النجوم تارة،
وتارة في المعشر الأدنى من السخام
-10-
في غابة الأسماء
كان الأنبياء والصعاليـك
وتاريخ من الدماء حارِق،
وكان ثمّة السيِّد والعبيد،
كان الماء من زمزم، والنبيذ،
كلّ واحد يقودني في غـابة،
وكل غابة تأخذني من أذنيّ نحو غابة،
تدور بي كأس هنا،
وموجة من البكاء في الكأس،
كأنّني هناك
وبين كأسين من الجنون
والصلاة في المعابِد
ما بين قلبي واقفا أو راكعا أو ساجدا
في واحة كأنها جزيرة الهلاك
كأنّني..
أنا الذي رأى المدى،
رأيت تائهين في توراتهم
مكسورة ظهورهم بِهيكلٍ من الخرافات، ومحرقة
"رأيت" نجما حاملا خمسين نجمة،
وكلّ نجمة تبدو بألف عام
رأيت رايات من الأبيض في الساحات،
أنهارا من الأحمرِ في الرايات،
أطفالا، وغابات من الزيتون،
في أغنية مهيضة اليدين،
في مجزرة تسكن في الأحلامِ
-11-
في الدرب، نحو اسمي،
قطعت الماء والصحراء،
يقذفني المحيط إلى الخليج،
أذوب في رملٍ وفي نفط و.. شام
في الدرب، نحو اسمي،
رأيت الله، والدنيا ضبـاب
ورأيت أنهارا من العسل،
اغتسلت، شربت، نمت،
حلمت في حقل فسيح،
كانت الأسماء تلْقى من شبابيك البيوت،
الخوف موسيقا جنود ينهبون جلود من فرّوا،
الشوارع من بكاء النّسوة الأبكار،
قالوا: هل تريد اسما؟
هناك الآن أسماء توزع في الخيامِ،
هناك أسماء توزَّع في الشوارع والخنادق والفنادق،
قلت: لا الأسماء ما أبغي،
فلي حقل من الأسماء يحميني،
أريد الآن رسما كي أطير،
أريد أجنحتي لألقي قامتي في الريح
-12-
في الدرب جدّي/ جدّتي
وكأنما الطوفان يقتلع البيوت،
كأنما الحيتان تبتلع اللآلئ والشواطئ
في الدرب كان أبي وأمّي،
كانت الغربان تنعب في الخرائب،
كانت الأوطان تمشي في اتّجاه الموت،
تأخذنا إلى أسماء من صاغوا قواميس البِلاد من الأساطير،
استفقنا في الطريقِ إلى الفراغ، كأنّنا أعداؤنا، نمشي إلينا،
ثمّ عدنا، عادت الروح العليّة، من سماوات الخواء إلى جحيمِ الأرض،
عدنا، كي نعيد إلى الطبيعة ما تشاء من العذوبة والطهارة والنقاء،
وظلّت الدنيا تدور بنا كما دارت بمن سبقوا، فدرنا في الهباء
-13-
في الدرب
نحو اسمي أنا،
في الدربِ كنتُ أنا،
وكانت زوجتي،
حوّاء أمّي/ أمّ هذا الكون،
كنت أصارِع الأمواج من حيفا إلى صيدا،
ومن بيروت حتى اللاذقيّة
كنت..
كان الدرب، كان البيت في "حَتّا"،
وزفّة جدّتي من قرية الذكرى
التي سكنت جوانبَها الجيوش،
وشرّدت أبناءَها
-14-
إنّه اسـمي
الذي كم تعبت عليه
وربّيته بحـروف دمـي
كلّ حرف له وزنه ومقاماته
عين قلبي
وميم المسامِ
وراءُ الرّدى
-15-
من أين جاء اسمي إليّ
أنا المشرّد في البراري والجبال
ولم أعمّر في البِلاد سوى خراب
ليس لي في الأرضِ أيّ عمـارة
آوي إليها عندما تجتاحني ريح الشّمال
أنا الذي من ألف عام دونما اسم يدلّ عليّ قلبي،
أو يدلّ دمي على روحٍ أسمّيها.. بِلادي