ورغم اتهام النظام كالعادة "الجماعات الإرهابية" بعمليات التفجير التي استهدفت البلعوس، فإن الطريقة التي تمّت من خلالها عملية الاغتيال، تُرجّح تورّط النظام بالعملية، التي يبدو من تفاصيلها أن ما من جهة قادرة على تنفيذها سوى النظام المُسيطر على المنطقة.
وبدا وكأن المطلوب كان موت البلعوس بأية طريقة، إذ تمّ تفجير عبوة ناسفة بسيارته ثم تبعها تفجير على باب المستشفى الذي تمّ نقله إليه ليتبعه تفجير ثالث داخل المستشفى للتأكد من أن العملية أدت لمقتله. ولا يُمكن أن تُنفّذ هذه التفجيرات الثلاثة جهة من خارج المحافظة، تستطيع التحكّم بتوقيت التفجير، وتُلاحق المستهدف للمكان الذي أُسعف إليه وتقوم بعمليتي تفجير فيه.
ويبدو أن النظام الذي تغاضى عن ظاهرة البلعوس منذ بداية تشكيلها منذ نحو سنة كمليشيا مسلّحة ضمن مناطق سيطرته ولا تتبع له، كان يرى فيها ما يخدم توجّهاته كونها أُنشئت على أساس طائفي ـ ديني. واعتقد النظام أنه يُمكن التحكّم بهذه المليشيا وتغذية الطائفية من خلالها، إلا أن تنامي قوتها وتحوّل خطابها باتجاهاتٍ وطنية، بالتوازي مع الحفاظ على مصالح الطائفة الدرزية، قد أشعر النظام بخطورتها.
وازدادت مخاوف النظام من احتمال فقدانه السيطرة على السويداء، إثر تقدّم فصائل المعارضة في درعا، وسيطرتها على اللواء 52 قبل بضعة أشهر، ومحاولتها تحرير مطار الثعلة داخل محافظة السويداء، ومبادرة البلعوس إلى فتح قنوات اتصال مع أحرار درعا، وتمكّنه من تشكيل حالة استقطاب وقوة على الأرض يُحسب حسابها، وبدأت القوة تتلقّى الدعم من أبناء السويداء بالداخل والخارج.
كل هذه المعطيات تُشكّل أسباباً كافية لدفع النظام للتخلّص من البلعوس، والذي ربما رأى أنه من الممكن أن يؤدي التخلّص منه إلى التحكم بحركته، والتي بدا أنها تكرارٌ لخطأ النظام في معظم المناطق، والذي بدأ من محافظة درعا.
وقد أدى البلعوس دوراً كبيراً منذ تأسيس فصيل "مشايخ الكرامة" في إخراج محافظة السويداء جزئياً عن سلطة النظام بشكل غير معلن. ومنع شباب السويداء من الالتحاق بالخدمة الإلزامية، وطالب بإلقاء القبض على رئيس فرع أمني متواجد في منطقة تتبع للنظام، كما حمى الحركات الاحتجاجية ضد النظام وتواصل مع المعارضة في محافظة درعا. الأمر الذي يبدو أنه أوصل النظام لاستشعار خطره لدرجة وجد فيه ظاهرة أصبحت خارج السيطرة.
وذكر الكاتب والصحافي حافظ قرقوط، لـ"العربي الجديد"، أن "النظام شعر أن التظاهرات التي شهدتها المحافظة أخيراً والتي حماها البلعوس، لم تعد تظاهرات تطالب بإصلاحات خدمية فقط، بل نادت بالشعارات الأولى للثورة، المطالبة بالحرية. وبسبب طبيعة النظام العنجهية عمد إلى اغتيال الشيخ البلعوس، لأنه يدرك أنه نظام ساقط وليس له مكان في سورية، لذلك فإن تصرفاته كلها هي في إطار ردود الفعل الانتقامية. عدا عن أن الانتقام من الرموز الوطنية هو سياسة يتبعها النظام منذ عهد (الرئيس الراحل) حافظ الأسد، الذي تصرّف بنفس الطريقة مع (القيادي اللبناني الدرزي) كمال جنبلاط".
اقرأ أيضاً سورية: تجمع "مشايخ الكرامة" يعلن السويداء منطقة محرّرة
وأوضح قرقوط أن "المحافظة حالياً ترتب نفسها على كل المستويات العسكرية والمدنية والإعلامية"، مضيفاً أنه "تمّ إنشاء مكتب إعلامي، نقوم بتجهيزه، لنشر الأخبار عن الحراك داخل المحافظة". ولفت إلى أنه "تمّ تحييد كل شبيحة النظام بعد أن تم تحذيرهم من العبث بأمن المحافظة، وكل المليشيات التي شكّلها النظام وإيران لا تبعد أكثر من بضع مئات من الأمتار ومعظمها تراجع بعد هذا الحدث".
وعن احتمال استدراج تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للسويداء، قلّل قرقوط من خطر التنظيم على المحافظة، مبيّناً أن "هناك خطاً أحمر من قبل كل من الأردن والسعودية، لدخول داعش للمنطقة الجنوبية، كما أن التنظيم لا يُشكّل خطراً على السويداء، ما لم يكن مدعوماً بقوة كبيرة، بسبب تمركزه في منطقة تقع خلفها صحراء واسعة". وشدد على أن "داعش يدرك أنه سيخسر في السويداء".
ويرى قرقوط أن "محافظة السويداء لن تعود كما كانت، وكونها لم تشهد مواجهات عسكرية تذكر، فإن التعويل عليها في تشكيل حالة من الإدارة المدنية كبير، لكن النظام سيحاول استعادتها عن طريق الترهيب والترغيب. كما أنه لن يتمكن من قصفها على المدى القريب بسبب انعدام المبرر، فالنظام يقصف باقي مناطق المعارضة بحجة وجود داعش والتنظيمات التكفيرية. بالتالي لا أتوقع أن يُقدم على قصف السويداء ما لم يخلق ذرائع أخرى كإسرائيل مثلاً".
ويرى الصحافي، جديع دوارة، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "النظام يُكرّر نفس الخطأ الذي ارتكبه في بقية المناطق، فهو يعتقد بأن الاغتيال والبطش سيرهب الناس ويجعلهم يهرولون طالبين حمايته". واعتبر أن "السياق الذي جرت فيه عملية الاغتيال يؤكد أن السويداء كانت تعيش حالة من الغليان، فالاعتصام الذي بدأ قبل بضعة أيام تصاعد في ظلّ انقطاع الاتصالات. ورغم تدخل مؤيدي النظام من مشايخ عقل وغيرهم، فإن الأمر لم يجدِ نفعاً، خصوصاً أن الاستياء من سوء الأوضاع المعيشية والفساد أفقد النظام ما تبقى له من مؤيدين".
ويضيف دوارة "في موازاة ذلك فإن حركة مشايخ الكرامة، التي ظهرت قبل نحو سنة، قد شكّلت عبئاً كبيراً على النظام، ولم يعد في وسعه تحمّلهم. وسبق للبلعوس أن دعا علناً إلى عدم الالتحاق بجيش النظام، بل تمكن مع رجاله من تحرير عدد من المعتقلين وهاجم مقر الأمن الجوي، واعترض طريق القطع العسكرية التي حاول النظام إخراجها من المحافظة. وأعلن عن هدر دم رئيس الاستخبارات العسكرية في المحافظة وفيق ناصر، الذي بدوره حاول أكثر من مرة اغتياله".
ويتابع "النظام كان أيضاً أمام خيارات صعبة، إما أن يترك الأمور تتفاقم وتخرج عن سيطرته شيئاً فشيئاً، أو أنه سيحاول أن يضرب الضربة القاضية. وكان الاغتيال بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير". ويشير دوارة إلى أن "الخيار الوحيد لأبناء الجبل اليوم هو المضي قدماً في مواجهة النظام، والتخفيف من كلفة هذا الصراع، ومدّ الجسور مع القوى المعتدلة في درعا والقنيطرة من ثم في ريف دمشق لتشكيل جبهة مواجهة واحدة مع النظام. وفي حال نجح هذا المسعى، فإنه باعتقادي سيكون المحور القادر على دخول دمشق وتحريرها من حكم الطاغية وإسقاط النظام إلى غير رجعة".
ويلفت إلى أن "أهمية تحرير السويداء من قبضة النظام تكمن في إسقاط ادعائه بحماية الأقليات وتأييدها له، تحديداً أمام الخارج، وحتى أمام حلفائه. كما أن وجود محافظة من لون مختلف في رقعة المناطق المحررة، يفترض أن يساهم في تعديل الصورة عن طبيعة الحراك المعارض في سورية، بأنه إسلامي تكفيري متطرف، ويعطي فرصة أفضل للقوى المعتدلة والتي تؤيد إقامة نظام مدني ديمقراطي في سورية المستقبل".
اقرأ أيضاً: السويداء.. محاولات مترددة للتفلّت من النظام