31 أكتوبر 2024
افتراضات عربية خاطئة في تعويم الأسد
تتجه الدول العربية تباعاً إلى مصالحة نظام الأسد، لم يعد ثمّة فائدة من تذكير هذه الأنظمة بأن هذا النظام مجرم، ولا تزال أثار دماء مئات آلاف السوريين على يديه، وأن لديه مشروع قتل للسوريين، سيشغل مساحة العقد المقبل. ولم تعد ثمّة فائدة من الطلب من هذه الأنظمة التريث قليلاً، على الأقل سنة، بانتظار تغير المعادلات نتيجة التفاعلات الجارية والمعطيات المستجدة.
لم يعد ذلك مجدياً، لأن سبحة السفارات والزيارات قد كرّت. وبعد مدّة، ليست طويلة، ستكون مقاطعة النظام السوري هي الاستثناء، وستتذرع الأطراف العربية بالواقعية السياسية، وأن أمر المقاطعة سينتهي، بل إن غالبية العرب سيقولون للمعارضين: انتظرناكم ثماني سنوات ولم تسقطوا الأسد، وأمر إسقاطه أكبر منا ومنكم، هو قرار دولي، وقالت أميركا نفسها إنها غير معنية بإسقاط الأسد، بل سيقول أغلبهم للسوريين إننا نفعل ذلك لأجلكم.
وما دام الحديث هنا عن الواقعية والمصالح العليا، سيكون كثيراً على العرب الوقوع في الخطأ مرتين في أقل من عشر سنوات، الأولى عندما اختلفوا في ما بينهم على طبيعة النظام الذي سيحكم سورية بعد سقوط الأسد، ما أدى إلى نجاته. والثانية إعادة احتضانه من دون وجود ضماناتٍ تحقّق مصالح العرب، أو الأهداف التي لأجلها يبرّر العرب إعادة تأهيل نظام الأسد، وإلا فسيجعلنا ذلك نؤمن بأن المسألة ليست سياسة، بقدر ما هي حظ، فسيكون الأسد قد حصل على أصدقاء لا يرحمون وقت الحرب، وأصدقاء لديهم قدرة على تمويل تثبيت سلطته.
بناء على ذلك، تستدعي الواقعية تخلي العرب عن الشعارات الكبيرة التي سيدفعونها أمامهم حين يأتون غداً لمصالحة الأسد، وحين تعلن جامعة الدول العربية في قمة تونس أنها ترحب بعودة عضوية نظام الأسد، انطلاقا من حرص الجامعة والأنظمة على حماية سورية واستقرارها ومساعدة شعبها على التخلص من آثار الحرب، مثل هذه العبارات من غير المقنع إسماعها للشعب السوري لأنه سيعتقد أن الجامعة والأنظمة ستبلسم جراحه بعد ثماني سنوات من التنكيل الفظيع الروسي والإيراني والمليشياوي العابر للقوميات، وهم لن يستطيعوا فعل ذلك، فلا داعي لرفع سقف طموحات السوريين بلا معنى.
وتستدعي الواقعية أيضا إدراك حدود قدرة العرب على طرد التأثير الإيراني من سورية أو منافسته على الأقل، كل ما سيستطيع العرب فعله هو إعادة فتح السفارات، التي بدورها لن تستطيع الوصول إلى أبعد من مكتب وليد المعلم (وزير الخارجية)، الذي لا يمون على الفرّاش الذي يحضر له القهوة، فلن يسمح نظام الأسد ومخابراته لأي سفارةٍ بنشاط ثقافي مهم، ولا التواصل مع المعارضين، ولا التأثير في الرأي السوري، ثم لدى إيران مشروع "التشييع"، وعلى أساسه تستقطب بعض السوريين، بالمال أو بغيره، وتلك مسألة أخرى.. القصد أين هو مشروع العرب الذي سينافس المشروع الإيراني؟ لا يمكن مواجهة المشاريع بغير المشاريع، والمشروع الإيراني أيضاً مدعوم من نظام الأسد الذي في الحقيقة أصبح جزءاً من المشروع الإيراني في المنطقة.
وما ينبغي إدراكه، تحت ظلال شعارات الهجمة الواقعية العربية على سورية، وأن يدركه الزعماء العرب أن انخراطهم بمشاريع الأسد الإعمارية هو عمل تجاري (بزنس) بحت، وهو ما لا يحتاج إلى شعاراتٍ لتغليفه، لأن فائدة هذه العملية وأرباحها ستصب في جيوب المقرّبين من الأسد، والأدهى أنها ستكون دعماً للنفوذ الإيراني وتثبيته في سورية. والمفترض أن العرب عرفوا، من عشرات التقارير الدولية، أن إيران تجهَّزت جيداً لعملية الإعمار، وأسست عشرات الشركات بأسماء واجهات سورية، وأنها، ومعها شركات الرئيس بوتين، سيجنون مليارات الدولارات من الأرباح. وسيسبب ذلك للسوريين ألماً لا طاقة لهم على احتماله، فمن جهة سيشعرون أن العرب لم يأبهوا لجراحهم، ومن جهة ثانية ستظهر العملية كأنها مكافأة لكل عنصر مليشياوي أو مرتزق قتل طفلاً سورياً أو اغتصب امرأة سورية، وإن لم يكن ثمّة اعتراض على مساهمة العرب في عملية الإعمار، فليكن ذلك بعقليةٍ تجاريةٍ، يستطيعون من خلالها ضمان تحقيق أكبر قدر من الأرباح لأنفسهم.
سيكون رائعاً إذا لم يسمح العرب لروسيا البوتينية بالضحك عليهم، إذ يجب ألا يسمحوا لها ببيعهم وهم إخراج إيران من سورية، فهذه كذبةٌ لا تستحق الانشغال بها، وهي كذبةٌ لا توازيها إلا نظيرتها الأميركية التي أشاعت بقاء القوات إلى حين خروج إيران، والبدء بعملية سياسية حقيقية. وعلى الرغم من كل جراح السوريين وآلامهم، سيكون مؤلماً عليهم وقوع أشقائهم العرب ضحية خداع بوتين الذي فعل كل ما فعل، ليمنع مرور خطوط النفط والغاز العربية إلى أوروبا حتى لا تنافس شركاته، والذي يعتقد أنه ليس أقل من أميركا في الحصول على حصّةٍ من أموال العرب، فإيران مارست كل موبقاتها، من التهجير الديمغرافي إلى فرض التشيّع، إلى إبادة السوريين تحت نظر روسيا وسمعها، وهي التي كانت تساعدها على إنجاز مهاتها تلك بعاصفة السوخوي الشهيرة.
كلمة أخيرة، الفائدة الوحيدة للشعب السوري، أو لنقل بتعبير أدق، لخمسة عشر مليون سوري أضر بهم نظام الأسد، هو إضعاف هذا النظام، أضعف الإيمان، عبر استمرار عزله ومقاطعته، لأن ذلك سيجبره ويجبر رعاته على تخفيف حدّة بطشهم بالسوريين. وكل ما من شأنه تقوية الأسد هو تحطيم للسوريين، وليس مستغرباً أن نظام الأسد قتل في الشهرين الأخيرين آلاف السجناء في صيدنايا، بغرض تفريغ السجون وجلب آلاف آخرين، تعتقلهم أجهزته ليل نهار من المناطق التي أجرت مصالحاتٍ مع نظامه، بغرض قتلهم، للوصول إلى مرحلةٍ يتخلص فيها من كل واحد نطق بكلمة حرية.
وما دام الحديث هنا عن الواقعية والمصالح العليا، سيكون كثيراً على العرب الوقوع في الخطأ مرتين في أقل من عشر سنوات، الأولى عندما اختلفوا في ما بينهم على طبيعة النظام الذي سيحكم سورية بعد سقوط الأسد، ما أدى إلى نجاته. والثانية إعادة احتضانه من دون وجود ضماناتٍ تحقّق مصالح العرب، أو الأهداف التي لأجلها يبرّر العرب إعادة تأهيل نظام الأسد، وإلا فسيجعلنا ذلك نؤمن بأن المسألة ليست سياسة، بقدر ما هي حظ، فسيكون الأسد قد حصل على أصدقاء لا يرحمون وقت الحرب، وأصدقاء لديهم قدرة على تمويل تثبيت سلطته.
بناء على ذلك، تستدعي الواقعية تخلي العرب عن الشعارات الكبيرة التي سيدفعونها أمامهم حين يأتون غداً لمصالحة الأسد، وحين تعلن جامعة الدول العربية في قمة تونس أنها ترحب بعودة عضوية نظام الأسد، انطلاقا من حرص الجامعة والأنظمة على حماية سورية واستقرارها ومساعدة شعبها على التخلص من آثار الحرب، مثل هذه العبارات من غير المقنع إسماعها للشعب السوري لأنه سيعتقد أن الجامعة والأنظمة ستبلسم جراحه بعد ثماني سنوات من التنكيل الفظيع الروسي والإيراني والمليشياوي العابر للقوميات، وهم لن يستطيعوا فعل ذلك، فلا داعي لرفع سقف طموحات السوريين بلا معنى.
وتستدعي الواقعية أيضا إدراك حدود قدرة العرب على طرد التأثير الإيراني من سورية أو منافسته على الأقل، كل ما سيستطيع العرب فعله هو إعادة فتح السفارات، التي بدورها لن تستطيع الوصول إلى أبعد من مكتب وليد المعلم (وزير الخارجية)، الذي لا يمون على الفرّاش الذي يحضر له القهوة، فلن يسمح نظام الأسد ومخابراته لأي سفارةٍ بنشاط ثقافي مهم، ولا التواصل مع المعارضين، ولا التأثير في الرأي السوري، ثم لدى إيران مشروع "التشييع"، وعلى أساسه تستقطب بعض السوريين، بالمال أو بغيره، وتلك مسألة أخرى.. القصد أين هو مشروع العرب الذي سينافس المشروع الإيراني؟ لا يمكن مواجهة المشاريع بغير المشاريع، والمشروع الإيراني أيضاً مدعوم من نظام الأسد الذي في الحقيقة أصبح جزءاً من المشروع الإيراني في المنطقة.
وما ينبغي إدراكه، تحت ظلال شعارات الهجمة الواقعية العربية على سورية، وأن يدركه الزعماء العرب أن انخراطهم بمشاريع الأسد الإعمارية هو عمل تجاري (بزنس) بحت، وهو ما لا يحتاج إلى شعاراتٍ لتغليفه، لأن فائدة هذه العملية وأرباحها ستصب في جيوب المقرّبين من الأسد، والأدهى أنها ستكون دعماً للنفوذ الإيراني وتثبيته في سورية. والمفترض أن العرب عرفوا، من عشرات التقارير الدولية، أن إيران تجهَّزت جيداً لعملية الإعمار، وأسست عشرات الشركات بأسماء واجهات سورية، وأنها، ومعها شركات الرئيس بوتين، سيجنون مليارات الدولارات من الأرباح. وسيسبب ذلك للسوريين ألماً لا طاقة لهم على احتماله، فمن جهة سيشعرون أن العرب لم يأبهوا لجراحهم، ومن جهة ثانية ستظهر العملية كأنها مكافأة لكل عنصر مليشياوي أو مرتزق قتل طفلاً سورياً أو اغتصب امرأة سورية، وإن لم يكن ثمّة اعتراض على مساهمة العرب في عملية الإعمار، فليكن ذلك بعقليةٍ تجاريةٍ، يستطيعون من خلالها ضمان تحقيق أكبر قدر من الأرباح لأنفسهم.
سيكون رائعاً إذا لم يسمح العرب لروسيا البوتينية بالضحك عليهم، إذ يجب ألا يسمحوا لها ببيعهم وهم إخراج إيران من سورية، فهذه كذبةٌ لا تستحق الانشغال بها، وهي كذبةٌ لا توازيها إلا نظيرتها الأميركية التي أشاعت بقاء القوات إلى حين خروج إيران، والبدء بعملية سياسية حقيقية. وعلى الرغم من كل جراح السوريين وآلامهم، سيكون مؤلماً عليهم وقوع أشقائهم العرب ضحية خداع بوتين الذي فعل كل ما فعل، ليمنع مرور خطوط النفط والغاز العربية إلى أوروبا حتى لا تنافس شركاته، والذي يعتقد أنه ليس أقل من أميركا في الحصول على حصّةٍ من أموال العرب، فإيران مارست كل موبقاتها، من التهجير الديمغرافي إلى فرض التشيّع، إلى إبادة السوريين تحت نظر روسيا وسمعها، وهي التي كانت تساعدها على إنجاز مهاتها تلك بعاصفة السوخوي الشهيرة.
كلمة أخيرة، الفائدة الوحيدة للشعب السوري، أو لنقل بتعبير أدق، لخمسة عشر مليون سوري أضر بهم نظام الأسد، هو إضعاف هذا النظام، أضعف الإيمان، عبر استمرار عزله ومقاطعته، لأن ذلك سيجبره ويجبر رعاته على تخفيف حدّة بطشهم بالسوريين. وكل ما من شأنه تقوية الأسد هو تحطيم للسوريين، وليس مستغرباً أن نظام الأسد قتل في الشهرين الأخيرين آلاف السجناء في صيدنايا، بغرض تفريغ السجون وجلب آلاف آخرين، تعتقلهم أجهزته ليل نهار من المناطق التي أجرت مصالحاتٍ مع نظامه، بغرض قتلهم، للوصول إلى مرحلةٍ يتخلص فيها من كل واحد نطق بكلمة حرية.