يأمل إمام وخطيب مسجد الإصلاح في مونتْرُوي بالضاحية الباريسية، الشيخ موحند، أن يصبح مسلمو فرنسا عامل رخاء وسلام في هذا البلد، وأن يكونوا سفراء حقيقيين لدينهم ورسولهم. ولا يتوانى في خُطبه ومحاضراته، عن تذكيرهم باحترام قوانين البلد المضيف، على الرغم من أن الكثيرين منهم ولدوا فيها، ولا يعرفون بلدا غير فرنسا.
لا يعد الشيخ موحند، الذي قدم قبل سنوات قليلة من الجزائر، استثناءً في فرنسا، إذ يؤكد مراقبون فرنسيون أن الخطر الداهم لا يأتي من أئمة معروفين بل من المواقع الإلكترونية التي تغري شبابا لا يرتادون مساجد معروفة ومفتوحة، والذين يرون في الأئمة المسلمين "عملاء" للشرطة الفرنسية.
تطرف الأئمة ليس ظاهرة
يرى الأكاديمي الفرنسي، ماثيو غيدير، أستاذ كرسي الإسلامولوجيا في جامعة تولوز2، أنه لا يوجد إلا القليل من الأئمة المتهمين بالتطرف، قائلا في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "المتطرفون لا يتجاوزون 50 إماما من بين 1500 إمام في فرنسا. ثم يجب أن نُحدّد ما المقصود بالتطرف. فمثلا، الأئمة من أنصار حركة (التبليغ) يُعتبرون في فرنسا متطرفين بينما هم غير عنيفين. باختصار، إن وسائل الإعلام تضخم من هذه الظاهرة وتقدمها بطريقة تبسيطية لرأي عام يعيش في ظلّ الخوف غير العقلاني من الاعتداءات".
وهو رأي لا يختلف كثيراً عن موقف صادق سلام، الباحث والمتخصص في قضية الإسلام الفرنسي والإسلام في فرنسا، والذي أصدر عشرات المؤلفات عن الإسلام في فرنسا، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "لا شيء يؤكد على أن المتورطين في التطرف كانوا يرتادون المساجد. عمليات تجنيدهم تتمّ خارج المساجد.
وإذا شئنا أن نكون موضوعيين، فإننا نجد أن المساجد عملت في العقود الأخيرة على تهدئة هؤلاء الشبان، الذين لديهم غضبٌ اجتماعي، من بطالة مزمنة تطاولهم وتطاول آباءهم، ولكن الإعلام الفرنسي في ظلّ الأزمات يريد أكباش فداء واهتدوا إلى اتهام الأئمة ومرشدي السجون وبعض المواقع الإلكترونية".
ويُضيف أن من المبالغة اتهام الأئمة بدور كبير في التطرف: "لأنهم مُتّبعون من قبل المباحث، ثم إن الخُطَب مُراقبةٌ منذ عشرين سنة، والأئمة يعرفون ذلك." ويكشف صادق سلام أن "الأئمة ليسوا هم أصحاب الأمر في المساجد، وإنما رؤساء الجمعيات، الذين يعرفون كيفية التعامل مع الإدارة الفرنسية ومع السفارات الأجنبية، ولهذا يوجد شطط في اتهام الأئمة".
وحسب إحصاءات تلقاها معد التحقيق، من وزارة الداخلية الفرنسية، فإن عدد المساجد بلغ 2449 مسجدا، حتى عام 2012بعد أن كانت 1536 عام 2000.
اقرأ أيضا: بالفيديو..الهجوم على "شارلي إيبدو".. دماء في "نيكولاس أبيرت"
طرد سياسي
لكن ماذا عن طرد السلطات الفرنسية عشرات الأئمة في السنوات الأخيرة، إذ تحدثت الداخلية الفرنسية عن طرد 40 إماماً، ممن "ينشرون الكراهية" منذ سنة 2012، يجيب سلام: "هذا من أجل طمأنة بعض التيارات السياسية".
ويذكر الباحث بما حدث أثناء فترة الرئيس، نيكولا ساركوزي، حين عرفت دول أوروبية (بريطانيا وإسبانيا) اعتداءات إرهابية، أفلتت منها فرنسا بسبب موقف الرئيس الأسبق، جاك شيراك ورئيس حكومته، دومنيك دوفيلبان، الرافض للحرب الأميركية على العراق، فاتهمت الصحافة الأميركية باريس بالتواطؤ مع الإرهاب والتشجيع على معاداة السامية، فما كان من ساركوزي إلا أن طلب من المسؤول عن الديانة الإسلامية قائمة بالأئمة المرشحين للطرد، فكان من بينهم إمام مدينة فينيسيو، الذي امتدح علانية، تعدّد الزوجات، وإمام مدينة بريست، فطُرد بسبب ما زعم عن "نفوذ له خارج المسجد"، على الرغم من أن السلطات الفرنسية تدعو الأئمة إلى أن يكون لهم نفوذ حتى تستفيد من نفوذهم في مكافحة التطرف، وبالتالي فهو طردٌ غير مرتبط بوضع ديني، وإنما لطمأنة الرأي العام والعواصم الصديقة".
تأهيل الأئمة
يشدد صادق سلام على أنه لا يجب إغفال أن كثيرا من مشاريع تأهيل الأئمة، تمت عرقلتها، من قبل الاشتراكيين، وخاصة مشروع المفكر محمد أركون (الذي قدم للرئيس ميتران اقتراحات سنة 1989 سرعان ما رفضت)، حول تأسيس "مدرسة الدراسات العليا حول الإسلام"، خاصة بعد قضية سلمان رشدي والعنف الذي رافقها، والتي جعلت أركون يرى أنه لا يجب الاكتفاء بالتنديد والتظاهر وإنما البدء بتكوين الشباب وترشيدهم إلى أن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام، وهو ما يحتاج إلى "فضاء للتعبير العلمي" تضمنه الدولة الفرنسية، وكان هذا في الفترة التي كان فيها جان بيير شوفنمان وزيرا للداخلية، ولكن ليونيل جوسبان، وكان حينها وزيرا للتربية الوطنية، عرقل الأمر، "بإيعاز من مستشارين من ذوي التكوين البسيط عن الإسلام". ومن هنا لا يجب أن نكتفي باتهام المسلمين، كما يقول صادق سلام، وننسى دور المسؤولين الفرنسيين الذين لم يفعلوا شيئا حين كانوا في مسؤولياتهم.
وعن سؤال، هل المسلمون يتمتعون، في ظل العلمانية، بنفس حقوق الكاثوليكيين والبروتستانتيين واليهود؟ يجيب سلام: "ليس صحيحا. فالدولة تدفع أموالا ضخمة للتعليم الخصوصي المسيحي ولا تفعل ذات الشيء مع مسلمين يقتربون من سبعة ملايين في فرنسا، من بينهم شباب كثيرون يريدون تعلم الدين الإسلامي، وليس علم الاجتماع المطبّق كما يمارسه الباحث اليميني جيل كيبل Jules Kepel ونظراؤه في دراساتهم البوليسية عن المسلمين، وهو ما يزيد في انعدام الثقة، ويدفع أبناء المسلمين للسفر إلى بيشاور واليمن لدراسة الإسلام، وهو ما يمكن أن يُعرَض عليهم في فرنسا، كما كان اقتراح المفكر الراحل، محمد أركون".
ومن جهته، يقول الدكتور، حسن مصدق (مدير أبحاث ودراسات علم الاجتماع السياسي، بمركز أنظمة الفكر المعاصر في جامعة السوربون)، حول موقف الرأي العام والإعلام من المساجد: "الرأي العام ينظر إليها باعتبارها مؤسسة دينية كغيرها من المؤسسات الدينية الأخرى تحظى بالاحترام، وليس أدلّ على ذلك من قبول مسيحيين بتحويل كنائس لدور عبادة للمسلمين مؤخراً. أما وسائل الإعلام، فتتجاذبها رؤى تخضع لرؤية الخط التحريري الذي يوجهها".
اقرأ أيضا: جنود إسرائيل الغربيون (3): فرنسا خزان بشري لجيش الاحتلال
الإسلاموفوبيا
يرى الأكاديمي، ماثيو غيدير، أن السلطات الفرنسية كما المجموعة الإسلامية في فرنسا خاضعتان لضغط الرأي العام والميديا. وهما واعيتان بوجود أقلية من الراديكاليين، ولكنهما أيضا رهينتان لمتطرفي اليسار واليمين، وهو ما يجعل عملهما بالغ الصعوبة، دون إغفال تدخلات دول مغاربية كالمغرب والجزائر في إدارة الإسلام في فرنسا وفي توظيف وتكوين الأئمة".
يتابع الباحث الأكاديمي، "الشعب الفرنسي في غالبيته، غير متديّن، ومن هنا حساسيته المفرطة تجاه التعبير الهوياتي للمسلمين في الفضاء العمومي الفرنسي، ثم هناك بعض الأعمال العنيفة المعادية للجمهورية، من قبل أقلية صغيرة تجعل الأغلبية تعاني من إسلاموفوبيا حقيقية ومتصاعدة. ما يُطلَبُ من المجموعة الإسلامية في فرنسا متناقضٌ وصعبُ التحقيق، إذ يطلب منها الاندماج والعيش مثل كل الفرنسيين، أي من دون إبراز هوية دينية إسلامية، ومن جهة أخرى، يُطلب منها، كلما حدث اعتداء أو مجزرة في مكان ما من العالم، أن تُبرِزَ رفضَها وإدانتها باعتبارها جماعة مسلمة".
ويحذر الأكاديمي، حسن مصدق، من محاولات فرض الاندماج بشكل عنيف ويقول: "إذا كانت الدولة الفرنسية قد سعت، دائما، إلى تحويل الأجانب إلى مواطنين عبر إدماجهم في نسيجها واستيعابهم ثقافيا ولغويا، فاليوم اتضح بأن هذا الاندماج بهذا الشكل تجاوزه التاريخ، فهو لا يتم بدون آثار سلبية على أبناء المهاجرين الذين ينتمون إلى ثقافات أخرى.
وإجمالا، يمكن للجاليات الإسلامية أن تحمي هويتها الدينية والثقافية بموجب قوانين وطنية ودولية، أبرزها ميثاق اليونسكو الذي يعد أول نص قانوني دولي يؤكد على التعددية الثقافية واحترام الخصوصيات الثقافية، بحيث أصبحنا نتكلم على حقوق ثقافية ودينية للمواطنين كما نتكلم عن حقوق الفرد الاقتصادية والسياسية، منها الحق في التربية والحق في المعلومات واستعمال لغاتهم الأصلية والحق في حرية المعتقد والقيام بأي نشاط ثقافي وفق اختيارهم وخيارهم، بخاصة الأفراد الذين ينتمون إلى أقليات.ومن ثم الحق في هوية وكرامة إنسانية والذي لا يمكن أن يلغى جزافا. لذا أرى أن مستقبل الديانة الإسلامية مرتبط بمدى دفاع المسلمين عن قيم وقوانين الجمهورية ومدى اندماجهم فيها".
لا تبذُلُ السلطات الفرنسية جهدا كبيرا لفهم الإسلام والمسلمين وعمل الأئمة في مساجد فرنسا، ويكفي أن يقرأ المرء تصريحات سياسيين فرنسيين، من اليسار واليمين، عن الإسلام ليكتشف الجهل الكبير بهذه الديانة رغم العلاقات التاريخية بين فرنسا والعالم العربي والإسلامي، ورغم أن صومعةَ مسجد باريس منتصبةٌ في سماء العاصمة منذ عشرينيات القرن الماضي.
ويكفي أن نسمع ساركوزي وغيره وهو يطالب بوجوب إلقاء الأئمة لخطبهم باللغة الفرنسية، حتى نكتشف أنهم يجهلون كل شيء عن الإسلام الفرنسي. فكل الأئمة في مساجد فرنسا يلقون خطبهم ومواعظهم باللغة الفرنسية، منذ عشرين سنة، ولا يشكل الاستثناء سوى مسجد باريس، وهو، مع ذلك، يظل مزارا ضروريا لكلّ السياسيين الفرنسيين من رئيس الجمهورية إلى رؤساء الأحزاب السياسية الفرنسية.
لا يعد الشيخ موحند، الذي قدم قبل سنوات قليلة من الجزائر، استثناءً في فرنسا، إذ يؤكد مراقبون فرنسيون أن الخطر الداهم لا يأتي من أئمة معروفين بل من المواقع الإلكترونية التي تغري شبابا لا يرتادون مساجد معروفة ومفتوحة، والذين يرون في الأئمة المسلمين "عملاء" للشرطة الفرنسية.
تطرف الأئمة ليس ظاهرة
يرى الأكاديمي الفرنسي، ماثيو غيدير، أستاذ كرسي الإسلامولوجيا في جامعة تولوز2، أنه لا يوجد إلا القليل من الأئمة المتهمين بالتطرف، قائلا في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "المتطرفون لا يتجاوزون 50 إماما من بين 1500 إمام في فرنسا. ثم يجب أن نُحدّد ما المقصود بالتطرف. فمثلا، الأئمة من أنصار حركة (التبليغ) يُعتبرون في فرنسا متطرفين بينما هم غير عنيفين. باختصار، إن وسائل الإعلام تضخم من هذه الظاهرة وتقدمها بطريقة تبسيطية لرأي عام يعيش في ظلّ الخوف غير العقلاني من الاعتداءات".
وإذا شئنا أن نكون موضوعيين، فإننا نجد أن المساجد عملت في العقود الأخيرة على تهدئة هؤلاء الشبان، الذين لديهم غضبٌ اجتماعي، من بطالة مزمنة تطاولهم وتطاول آباءهم، ولكن الإعلام الفرنسي في ظلّ الأزمات يريد أكباش فداء واهتدوا إلى اتهام الأئمة ومرشدي السجون وبعض المواقع الإلكترونية".
ويُضيف أن من المبالغة اتهام الأئمة بدور كبير في التطرف: "لأنهم مُتّبعون من قبل المباحث، ثم إن الخُطَب مُراقبةٌ منذ عشرين سنة، والأئمة يعرفون ذلك." ويكشف صادق سلام أن "الأئمة ليسوا هم أصحاب الأمر في المساجد، وإنما رؤساء الجمعيات، الذين يعرفون كيفية التعامل مع الإدارة الفرنسية ومع السفارات الأجنبية، ولهذا يوجد شطط في اتهام الأئمة".
وحسب إحصاءات تلقاها معد التحقيق، من وزارة الداخلية الفرنسية، فإن عدد المساجد بلغ 2449 مسجدا، حتى عام 2012بعد أن كانت 1536 عام 2000.
اقرأ أيضا: بالفيديو..الهجوم على "شارلي إيبدو".. دماء في "نيكولاس أبيرت"
طرد سياسي
لكن ماذا عن طرد السلطات الفرنسية عشرات الأئمة في السنوات الأخيرة، إذ تحدثت الداخلية الفرنسية عن طرد 40 إماماً، ممن "ينشرون الكراهية" منذ سنة 2012، يجيب سلام: "هذا من أجل طمأنة بعض التيارات السياسية".
ويذكر الباحث بما حدث أثناء فترة الرئيس، نيكولا ساركوزي، حين عرفت دول أوروبية (بريطانيا وإسبانيا) اعتداءات إرهابية، أفلتت منها فرنسا بسبب موقف الرئيس الأسبق، جاك شيراك ورئيس حكومته، دومنيك دوفيلبان، الرافض للحرب الأميركية على العراق، فاتهمت الصحافة الأميركية باريس بالتواطؤ مع الإرهاب والتشجيع على معاداة السامية، فما كان من ساركوزي إلا أن طلب من المسؤول عن الديانة الإسلامية قائمة بالأئمة المرشحين للطرد، فكان من بينهم إمام مدينة فينيسيو، الذي امتدح علانية، تعدّد الزوجات، وإمام مدينة بريست، فطُرد بسبب ما زعم عن "نفوذ له خارج المسجد"، على الرغم من أن السلطات الفرنسية تدعو الأئمة إلى أن يكون لهم نفوذ حتى تستفيد من نفوذهم في مكافحة التطرف، وبالتالي فهو طردٌ غير مرتبط بوضع ديني، وإنما لطمأنة الرأي العام والعواصم الصديقة".
تأهيل الأئمة
يشدد صادق سلام على أنه لا يجب إغفال أن كثيرا من مشاريع تأهيل الأئمة، تمت عرقلتها، من قبل الاشتراكيين، وخاصة مشروع المفكر محمد أركون (الذي قدم للرئيس ميتران اقتراحات سنة 1989 سرعان ما رفضت)، حول تأسيس "مدرسة الدراسات العليا حول الإسلام"، خاصة بعد قضية سلمان رشدي والعنف الذي رافقها، والتي جعلت أركون يرى أنه لا يجب الاكتفاء بالتنديد والتظاهر وإنما البدء بتكوين الشباب وترشيدهم إلى أن العلمانية لا تتعارض مع الإسلام، وهو ما يحتاج إلى "فضاء للتعبير العلمي" تضمنه الدولة الفرنسية، وكان هذا في الفترة التي كان فيها جان بيير شوفنمان وزيرا للداخلية، ولكن ليونيل جوسبان، وكان حينها وزيرا للتربية الوطنية، عرقل الأمر، "بإيعاز من مستشارين من ذوي التكوين البسيط عن الإسلام". ومن هنا لا يجب أن نكتفي باتهام المسلمين، كما يقول صادق سلام، وننسى دور المسؤولين الفرنسيين الذين لم يفعلوا شيئا حين كانوا في مسؤولياتهم.
وعن سؤال، هل المسلمون يتمتعون، في ظل العلمانية، بنفس حقوق الكاثوليكيين والبروتستانتيين واليهود؟ يجيب سلام: "ليس صحيحا. فالدولة تدفع أموالا ضخمة للتعليم الخصوصي المسيحي ولا تفعل ذات الشيء مع مسلمين يقتربون من سبعة ملايين في فرنسا، من بينهم شباب كثيرون يريدون تعلم الدين الإسلامي، وليس علم الاجتماع المطبّق كما يمارسه الباحث اليميني جيل كيبل Jules Kepel ونظراؤه في دراساتهم البوليسية عن المسلمين، وهو ما يزيد في انعدام الثقة، ويدفع أبناء المسلمين للسفر إلى بيشاور واليمن لدراسة الإسلام، وهو ما يمكن أن يُعرَض عليهم في فرنسا، كما كان اقتراح المفكر الراحل، محمد أركون".
ومن جهته، يقول الدكتور، حسن مصدق (مدير أبحاث ودراسات علم الاجتماع السياسي، بمركز أنظمة الفكر المعاصر في جامعة السوربون)، حول موقف الرأي العام والإعلام من المساجد: "الرأي العام ينظر إليها باعتبارها مؤسسة دينية كغيرها من المؤسسات الدينية الأخرى تحظى بالاحترام، وليس أدلّ على ذلك من قبول مسيحيين بتحويل كنائس لدور عبادة للمسلمين مؤخراً. أما وسائل الإعلام، فتتجاذبها رؤى تخضع لرؤية الخط التحريري الذي يوجهها".
اقرأ أيضا: جنود إسرائيل الغربيون (3): فرنسا خزان بشري لجيش الاحتلال
الإسلاموفوبيا
يرى الأكاديمي، ماثيو غيدير، أن السلطات الفرنسية كما المجموعة الإسلامية في فرنسا خاضعتان لضغط الرأي العام والميديا. وهما واعيتان بوجود أقلية من الراديكاليين، ولكنهما أيضا رهينتان لمتطرفي اليسار واليمين، وهو ما يجعل عملهما بالغ الصعوبة، دون إغفال تدخلات دول مغاربية كالمغرب والجزائر في إدارة الإسلام في فرنسا وفي توظيف وتكوين الأئمة".
ويحذر الأكاديمي، حسن مصدق، من محاولات فرض الاندماج بشكل عنيف ويقول: "إذا كانت الدولة الفرنسية قد سعت، دائما، إلى تحويل الأجانب إلى مواطنين عبر إدماجهم في نسيجها واستيعابهم ثقافيا ولغويا، فاليوم اتضح بأن هذا الاندماج بهذا الشكل تجاوزه التاريخ، فهو لا يتم بدون آثار سلبية على أبناء المهاجرين الذين ينتمون إلى ثقافات أخرى.
وإجمالا، يمكن للجاليات الإسلامية أن تحمي هويتها الدينية والثقافية بموجب قوانين وطنية ودولية، أبرزها ميثاق اليونسكو الذي يعد أول نص قانوني دولي يؤكد على التعددية الثقافية واحترام الخصوصيات الثقافية، بحيث أصبحنا نتكلم على حقوق ثقافية ودينية للمواطنين كما نتكلم عن حقوق الفرد الاقتصادية والسياسية، منها الحق في التربية والحق في المعلومات واستعمال لغاتهم الأصلية والحق في حرية المعتقد والقيام بأي نشاط ثقافي وفق اختيارهم وخيارهم، بخاصة الأفراد الذين ينتمون إلى أقليات.ومن ثم الحق في هوية وكرامة إنسانية والذي لا يمكن أن يلغى جزافا. لذا أرى أن مستقبل الديانة الإسلامية مرتبط بمدى دفاع المسلمين عن قيم وقوانين الجمهورية ومدى اندماجهم فيها".
لا تبذُلُ السلطات الفرنسية جهدا كبيرا لفهم الإسلام والمسلمين وعمل الأئمة في مساجد فرنسا، ويكفي أن يقرأ المرء تصريحات سياسيين فرنسيين، من اليسار واليمين، عن الإسلام ليكتشف الجهل الكبير بهذه الديانة رغم العلاقات التاريخية بين فرنسا والعالم العربي والإسلامي، ورغم أن صومعةَ مسجد باريس منتصبةٌ في سماء العاصمة منذ عشرينيات القرن الماضي.
ويكفي أن نسمع ساركوزي وغيره وهو يطالب بوجوب إلقاء الأئمة لخطبهم باللغة الفرنسية، حتى نكتشف أنهم يجهلون كل شيء عن الإسلام الفرنسي. فكل الأئمة في مساجد فرنسا يلقون خطبهم ومواعظهم باللغة الفرنسية، منذ عشرين سنة، ولا يشكل الاستثناء سوى مسجد باريس، وهو، مع ذلك، يظل مزارا ضروريا لكلّ السياسيين الفرنسيين من رئيس الجمهورية إلى رؤساء الأحزاب السياسية الفرنسية.