05 نوفمبر 2024
الأجندة الإيرانية الثابتة
على الرغم من أنّ المفاوضات بين كل من أحرار الشام وجبهة تحرير الشام من جهة، والإيرانيين من جهة أخرى، في ما يتعلق بمبادلة سكان كفريا والفوعة في ريف إدلب بسكان الزبداني، في ريف دمشق، ليست جديدة، وقد كان هنالك اتفاق قبل قرابة عام لم ينفذ بين الطرفين، إلاّ أنّ توقيت عودة الإيرانيين إلى محاولة تنفيذ الصفقة يكشف جانباً مهماً من جوانب مشروعهم في سورية، وهو الهندسة الطائفية الديموغرافية.
ليس الحديث عن عملية التطهير الطائفي جديداً أيضاً، فقبل هذه المفاوضات، كان السلوك الإيراني بأسره في سورية يقوم على البعد الطائفي في الإحلال والاستبدال السكاني، إذ تم ترحيل سكان داريا، وبعض المناطق في ريف دمشق وبعض أحيائها، باتفاقيات مع المقاتلين السنة، بعد عملية تجويع وحصار وتدمير طويلة، وكذلك الحال في ما يتعلق باتفاق حي الوعر في حمص، بعد أن تم تهجير أغلب سكان المدينة السنة منها.
الجديد في المفاوضات الحالية، أنّ المنظور الإيراني أكثر سفوراً ووضوحاً فيها، إذ يتم مبادلة سكانٍ بأرض على أسسٍ طائفية، ما يكشف، في الجانب الآخر، التباين والاختلاف بين الأجندتين، الروسية والإيرانية، وحرص طهران على تثبيت نفوذها وقوتها عبر وقائع وحقائق جديدة على الأرض، لا يستطيع الروس أنفسهم تجاوزها، في حال توصلوا إلى تفاهماتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ مع الأميركيين على الأرض، ولا حتى النظام السوري، إذ إنّ السكان الجدد في سورية الجديدة، من أنصار حزب الله في لبنان وعائلاتهم، أو حتى من الجنسيات الأخرى، إيرانية وأفغانية وغيرها، يدينون بالولاء الكامل لطهران.
ليس ذلك فحسب، بل حتى عسكرياً تقوم طهران ببناء مليشيات في سورية، وتسليحها وتشكيلها، على غرار حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، بما يشكل قوةً ضاربةً على أرض الواقع، تعمل على ضمان مصالح طهران في سورية.
ليس الروس أغبياء، يدركون تماماً أن طهران التي دفعت كلفةً كبيرةً في سورية خلال الأعوام السابقة، مالياً وعسكرياً، لن تتخلى عن ذلك بسهولة. لذلك، سيتعايش الروس مع الأجندة الإيرانية في سورية، ويعملون على توزيع الأدوار وتنسيق المصالح المتبادلة، مع أخذ حصتهم من الكعكة التي سيكون الجزء الأكبر منها للإيرانيين في المناطق التي يسيطرون عليها مع النظام السوري.
يتمثل حلم طهران لتكريس نفوذهم في المنطقة في بناء خط استراتيجي من إيران إلى البحر المتوسط، مروراً بالعراق وسورية، وهو الخط الذي سيعتمد على عملية الهندسة الطائفية الجارية حالياً في دمشق وحمص، وصولاً إلى اللاذقية، وتواصل نفوذ حزب الله من لبنان إلى سورية.
نشرت صحيفة الغارديان، أخيراً، تقريراً صحافياً مطولاً عما تقوم به إيران حالياً من عملية تطهير طائفي في سورية، ومشروعها الذي تحدثنا عنه، وتحدّث التقرير عن التغييرات الجوهرية في هوية العاصمة دمشق نفسها ثقافياً من خلال حضور الرمزيات الشيعية والتغييرات السكانية.
هذا الاكتشاف الجديد، وللمفارقة، الذي يتزامن مع مفاوضات الزبداني- كفريا الفوعة، كان قد تحدث عنه سابقاً في مقال خطير مطوّل، المعارض السوري، برهان غليون، وعلى صفحات "العربي الجديد"، عندما كشف عن جوهر مخططات إعادة الإعمار في حمص ودمشق، التي تقوم أصلاً على مفهوم الهندسة الطائفية.
وجه المفارقة في الأمر أن غليون نشر مقالته في بداية سبتمبر/ أيلول 2015، في أثناء المحادثات الأولى بين حركة أحرار الشام والإيرانيين حينها حول الصفقة نفسها، الزبداني- كفريا الفوعة. وحينها تم تسريب بنود الاتفاق الذي رجحت التحليلات بعد ذلك أن النظام السوري، الذي لم يكن حاضراً خلال المفاوضات حينها، قام بتعطيله بطرق التفافية مختلفة، لكن تجديد الإيرانيين الحرص عليه يظهر بوضوح ثبات موقفهم وإصرارهم على رؤيتهم لمستقبل سورية، على الرغم من التدخل الروسي، والتحولات والمتغيرات الجارية، والإدارة الأميركية الجديدة.
في المحصلة، في جوار الأجندات الدولية والمفاوضات السياسية في جنيف وأستانة، هنالك مفاوضاتٌ أخرى، لا تقل أهميةً، بل تزيد، حول الترسيم الحقيقي لهوية سورية ومستقبلها ودوائر النفوذ.
ليس الحديث عن عملية التطهير الطائفي جديداً أيضاً، فقبل هذه المفاوضات، كان السلوك الإيراني بأسره في سورية يقوم على البعد الطائفي في الإحلال والاستبدال السكاني، إذ تم ترحيل سكان داريا، وبعض المناطق في ريف دمشق وبعض أحيائها، باتفاقيات مع المقاتلين السنة، بعد عملية تجويع وحصار وتدمير طويلة، وكذلك الحال في ما يتعلق باتفاق حي الوعر في حمص، بعد أن تم تهجير أغلب سكان المدينة السنة منها.
الجديد في المفاوضات الحالية، أنّ المنظور الإيراني أكثر سفوراً ووضوحاً فيها، إذ يتم مبادلة سكانٍ بأرض على أسسٍ طائفية، ما يكشف، في الجانب الآخر، التباين والاختلاف بين الأجندتين، الروسية والإيرانية، وحرص طهران على تثبيت نفوذها وقوتها عبر وقائع وحقائق جديدة على الأرض، لا يستطيع الروس أنفسهم تجاوزها، في حال توصلوا إلى تفاهماتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ مع الأميركيين على الأرض، ولا حتى النظام السوري، إذ إنّ السكان الجدد في سورية الجديدة، من أنصار حزب الله في لبنان وعائلاتهم، أو حتى من الجنسيات الأخرى، إيرانية وأفغانية وغيرها، يدينون بالولاء الكامل لطهران.
ليس ذلك فحسب، بل حتى عسكرياً تقوم طهران ببناء مليشيات في سورية، وتسليحها وتشكيلها، على غرار حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، بما يشكل قوةً ضاربةً على أرض الواقع، تعمل على ضمان مصالح طهران في سورية.
ليس الروس أغبياء، يدركون تماماً أن طهران التي دفعت كلفةً كبيرةً في سورية خلال الأعوام السابقة، مالياً وعسكرياً، لن تتخلى عن ذلك بسهولة. لذلك، سيتعايش الروس مع الأجندة الإيرانية في سورية، ويعملون على توزيع الأدوار وتنسيق المصالح المتبادلة، مع أخذ حصتهم من الكعكة التي سيكون الجزء الأكبر منها للإيرانيين في المناطق التي يسيطرون عليها مع النظام السوري.
يتمثل حلم طهران لتكريس نفوذهم في المنطقة في بناء خط استراتيجي من إيران إلى البحر المتوسط، مروراً بالعراق وسورية، وهو الخط الذي سيعتمد على عملية الهندسة الطائفية الجارية حالياً في دمشق وحمص، وصولاً إلى اللاذقية، وتواصل نفوذ حزب الله من لبنان إلى سورية.
نشرت صحيفة الغارديان، أخيراً، تقريراً صحافياً مطولاً عما تقوم به إيران حالياً من عملية تطهير طائفي في سورية، ومشروعها الذي تحدثنا عنه، وتحدّث التقرير عن التغييرات الجوهرية في هوية العاصمة دمشق نفسها ثقافياً من خلال حضور الرمزيات الشيعية والتغييرات السكانية.
هذا الاكتشاف الجديد، وللمفارقة، الذي يتزامن مع مفاوضات الزبداني- كفريا الفوعة، كان قد تحدث عنه سابقاً في مقال خطير مطوّل، المعارض السوري، برهان غليون، وعلى صفحات "العربي الجديد"، عندما كشف عن جوهر مخططات إعادة الإعمار في حمص ودمشق، التي تقوم أصلاً على مفهوم الهندسة الطائفية.
وجه المفارقة في الأمر أن غليون نشر مقالته في بداية سبتمبر/ أيلول 2015، في أثناء المحادثات الأولى بين حركة أحرار الشام والإيرانيين حينها حول الصفقة نفسها، الزبداني- كفريا الفوعة. وحينها تم تسريب بنود الاتفاق الذي رجحت التحليلات بعد ذلك أن النظام السوري، الذي لم يكن حاضراً خلال المفاوضات حينها، قام بتعطيله بطرق التفافية مختلفة، لكن تجديد الإيرانيين الحرص عليه يظهر بوضوح ثبات موقفهم وإصرارهم على رؤيتهم لمستقبل سورية، على الرغم من التدخل الروسي، والتحولات والمتغيرات الجارية، والإدارة الأميركية الجديدة.
في المحصلة، في جوار الأجندات الدولية والمفاوضات السياسية في جنيف وأستانة، هنالك مفاوضاتٌ أخرى، لا تقل أهميةً، بل تزيد، حول الترسيم الحقيقي لهوية سورية ومستقبلها ودوائر النفوذ.