أثارت الحكومة الوطنية، التي اقترحها الرئيس التونسي، باجي قايد السبسي، واشتراطه أن تضمّ "أحزاب الائتلاف الحاكم والاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف، حتى لا تفشل"، الكثير من الجدل، خاصة بعد تلميحه إلى أن أحزاب المعارضة الرافضة للحوار غير مرغوب فيها.
توقيت مثير للجدل اختاره السبسي لتقديم المبادرة، بعد دفاع مستميت عن حكومة الحبيب الصيد الحالية، ويبقى السؤال المطروح، هل ستلقى هذه المبادرة قبولا لدى الماسكين بزمام المشهد السياسي، وإن أوضح السبسي، في حواره، أنّ هناك شبه إجماع من جميع الأطراف المُتحاور معهم على ضرورة تكوين حكومة وحدة وطنية.
واعتبر رئيس الكتلة النيابية لحركة نداء تونس، سفيان طوبال، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "المبادرة جاءت في وقتها، ويحتّمها الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه تونس، وهي مبادرة دعمها بدوره رئيس الحكومة، الحبيب الصيد".
كما رأى أن "دعوة رئيس الجمهورية إلى إشراك منظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف، سيعطي صورة إيجابية للخارج من جهة، ومن جهة ثانية هي حتمية يفرضها الواقع الحالي".
في المقابل، فإن النائب عن كتلة الحرة النيابية، عبادة الكافي، لفت إلى أنه كان من "الأفضل الإبقاء على هذه المبادرة في الكواليس، خاصة إذا رفض الاتحاد العام التونسي للشغل الانخراط في حكومة الوحدة الوطنية، التي قد تكون حلاّ وقد تكون عكس ذلك".
في ذات السياق، قال أسامة الصغير، القيادي في حركة النهضة لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة كانت من أول الأحزاب التي تحدّثت عن حكومة وحدة وطنية"، معتبراً أنّ "مبادرة رئيس الجمهورية هي دافع إيجابي نحو إيجاد الحلول، ويبقى علينا معرفة تفاصيل هذه المبادرة وأهدافها ومكوناتها ليتبين الموقف النهائي".
وعن اعتبار هذه المبادرة إقرارا ضمنيا بفشل حكومة الحبيب الصيد الحالية، وفشل الائتلاف الحاكم في إدارة المرحلة، أوضح الصغير أن "حجم الإصلاحات، الملقاة على عاتق أية حكومة، يحتاج إلى حكومة وحدة وطنية، يجب أن تتكاثف فيها جميع الجهود لبلورتها ومن ثمة تنفيذها، إذ نجحنا في الفترة السابقة على المستوى السياسي من خلال الحوار الوطني، واليوم نحن في حاجة إلى حكومة وحدة وطنية أو إلى إئتلاف أوسع للشروع في الإصلاحات، والالتفاف حول الخيارات التي سيقع الاتفاق عليها".
من جهتها، ذكرت ريم محجوب، النائبة عن كتلة آفاق تونس النيابية، لـ"العربي الجديد"، أنه وفقا لتحليلها الشخصي فإن "مبادرة رئيس الجمهورية، هي عبارة عن إعلان عن نهاية مرحلة وبداية أخرى، فرضتها الظروف الحالية التي تمرّ بها البلاد".
وأضافت: "نجاح هذه المبادرة يبقى رهين مدى تفاعل وانخراط جميع الأطياف السياسية والنقابية فيها، ومن وجهة نظري الشخصية أعتبر أن هذه المبادرة متشعبة وصعبة التنفيذ، وتتطلب الكثير من النقاش بالرغم من أهمية الأهداف التي طُرحت من أجلها".
في المقابل، تضاربت واختلفت، إلى حدّ ما، وجهات نظر بعض قياديي الأحزاب المعارضة، وإن لم تحسم بعد موقفها النهائي من مبادرة رئيس الجمهورية في بيان رسمي لها، في الوقت الذي اعتبر فيه الجيلاني الهمامي، القيادي في الجبهة الشعبية، في تصريح إعلامي أن مبادرة السبسي اعتراف غير بريء، والتفاف على الأزمة، وتملص من المسؤولية ومحاولة لوضع المسؤولين وغير المسؤولين في سلة واحدة. وأوضح منجي الرحوي، القيادي في ذات الجبهة، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المبادرة جاءت في الوقت المناسب، بغض النظر عن تفاصيلها، التي لم تتوضح بعد، والتي تبقى مفتوحة للنقاش في ما بعد".
وأضاف: "ما يهمّ في هذه المبادرة، كأول قراءة حولها هو ما تحدّث عنه السبسي في ما يخصّ الأولويات التي يجب أن تشتغل عليها حكومة الوحدة الوطنية، والتي حملت البعد الاجتماعي والاقتصادي، من صحة وتعليم وتشغيل وتنمية، وأيضاً البعد الأمني من محاربة للإرهاب، بالإضافة إلى محاربة الفساد، وهو ما طرحته الجبهة الشعبية في العديد من المناسبات، من خلال مقترحات الإصلاح التي توجهت بها للحكومة الحالية".
في ذات السياق، اعتبر أنه "ربما يريد الباجي قائد السبسي تصويب المسار، باعتبار أن الوضع في تونس أصبح ينبئ بإمكانية حدوث انفجار اجتماعي، لتدهور المقدرة الشرائية للمواطن، وتفاقم مؤشر البطالة وانعدام رؤية واضحة للإصلاح إلى جانب عدة مخاطر اقتصادية وأمنية أخرى".
وعن إمكانية مشاركة الجبهة من عدمها في حكومة الوحدة الوطنية، أكد الرحوي، لـ"العربي الجديد"، أن "الجبهة الشعبية لها مؤسساتها وهياكلها، ستعود لها بالنظر لتحديد موقفها النهائي، بناء على ما سيظهر من تفاصيل حولها في الأيام المقبلة".