تتنهد الأردنية أم محمد، وهي تسرد قصتها، إذ تعاني من مرض عضال في القلب منذ نحو عشر سنوات، إلا أن الحالة ازدادت سوءاً بعد أن تعرضت لخطأ طبي، أدى إلى تفاقم مشاكل أخرى في الكليتين، أدّت إلى أن تغسلهما مرتين في الأسبوع.
تسرد المرأة الخمسينية حكايتها "قام الطبيب بتغيير دوائي قبل شهرين، والدواء الجديد لم يناسب حالتي، إذ زاد ضغط الكلية، مما أدى إلى عدم قيامها بوظائفها، وها أنا الآن أقوم بالغسيل، حسبي الله على الأطباء، كان من الممكن أن يعطوني تحاليل للكليتين، قبل أن يعطوني دواءً غير مناسب لحالتي".
أما رسول، فتوفّي والدها الستيني قبل شهرين بسبب خطأ طبي، إذ قام الأطباء بعمل قسطرة للقلب، لرجل يعاني من مشاكل في الكليتين، ما أدى إلى "مضاعفات، وتوفاه الله، خاصة أن الأطباء جعلوه يوقع على إقرار كتابي قبل العملية من دون توضيح الإشكالات المتعلقة بالعملية، وأي معلومات أخرى، فيما يرقد عمر (36 عاماً)، في غيبوبة بالمستشفى، بعد خطأ طبي، بسبب زيادة جرعة البنج التي أعطيت له، إذ تحسس منه، بحسب إفادة أخيه.
قصص عديدة لخمسمئة حالة تعرضت إلى أخطاء طبية وثّقتها كاتبة التقرير، لأشخاص تعرضوا إلى أخطاء طبية، أدت إلى مشاكل صحية، من دون أي رادع أخلاقي من الطاقم الطبي، وتبريرات غير منطقية من الأطباء، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بالأخطاء الطبية، في ضوء عدم وجود قانون المساءلة الطبية، الذي يطالب به عشرات الناشطين منذ خمس سنوات.
44 ألفاً ضحايا الأخطاء الطبية
يعرّف الدكتور مصطفى محمود، طبيب باطني في أحد المستشفيات الرسمية الأردنية، فضل عدم ذكر اسمها، الخطأ الطبي بأنه "خطأ يحصل في المجال الطبّي نتيجة انعدام الخبرة أو الكفاءة من قبل الطّبيب الممارس أو الفئات المساعدة، أو هو نتيجة ممارسة عمليّة أو طريقة حديثة وتجريبيّة في العلاج، أو نتيجة حالة طارئة تتطلّب السرعة على حساب الدقّة، أو نتيجة طبيعة العلاج المعقّد".
ويعترف د. محمود بأن هنالك الكثير من الأخطاء الطبية في الأردن، ولكن لا يمكن حصرها لأسباب عدة: يحددها في "القصور في الإبلاغ عن بعض الأخطاء من العاملين في القطاع الصحي، ومن المراجعين"، مشيراً إلى أن "التهاون في الإبلاغ عن الأخطاء الطبية، قد يكون عائداً إلى خوف العاملين في القطاع الصحي من العقاب أو تحمل المسؤولية، وبالنسبة إلى المراجعين لخوفهم من عدم الاهتمام بمشاكلهم، إن قاموا بالإبلاغ، أو الرضوخ لما يعتبرونه قضاء وقدراً"، مشيراً إلى أن السبب الأهم، بحسب وجهة نظره، هو "عدم وجود نظام واضح للإبلاغ وكيفية التعامل مع الحالات، بعدم وجود قانون واضح المعالم لمثل هذه الحالات كما في الدول المتقدمة".
ويرى د. مصطفى أن الأخطاء الطبية "شائعة في العالم أجمع"، لافتاً لتقرير كلية الطب في جامعة هارفرد السنوي الذي يتحدث عن الأخطاء الطبية، وأن الأشخاص الذين يتوفون سنوياً نتيجة الأخطاء الطبية "التي يمكن تفاديها"، وفق قوله؛ وصل عددهم إلى 98 ألف حالة سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية، وكان مجمل تكلفة هذه الأخطاء في المستشفيات سنويا، يتراوح ما بين 17 ملياراً إلى 29 مليار دولار أميركي. وتصل نسبة الإصابات الأخرى، إلى مليون متضرر سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية.
قضاء وقدر!
الناشطة هدى محمود، التي تحاول عبر جهود شخصية الضغط على الحكومة لإقرار قانون المساءلة الطبية، تقول: "لا يوجد إحصاءات محددة، تشير إلى نسبة الوفاة أو الإصابة بأي عطل في الجسم، بسبب الأخطاء الطبية".
هدى 37 عاماً صيدلانية، توفي زوجها قبل ستة أشهر إثر خطأ طبي، وكانت قد تقدمت بشكوى إلى نقابة الأطباء الأردنيين، لإثبات الخطأ الطبي، ولكن "من دون جدوى"، تقول: "لم يثبت أن سبب الوفاة خطأ طبي، واعتبروا أن الوفاة قضاء وقدر".
ومنذ وفاة زوجها، تحاول هدى جاهدة جمع تواقيع من العاملين في المجال الطبي، سواء أكانوا أطباء أو صيادلة أو ممرضين وغيرهم، للضغط على الحكومة لإقرار قانون المساءلة الطبية، ولكن جهودها ما تزال في البداية.
من ناحيته؛ يرى عبد المعطي (45 عاماً) ويعمل ممرضاً في أحد المستشفيات الرسمية الأردنية، أن "هنالك حاجة ملحة لقانون للمساءلة الطبية، لحماية حقوق المريض، وأيضاً الطبيب"، فمن تجربته في الحقل الطبي منذ 25 عاماً أن "الاعتداءات زادت على الأطباء، والأخطاء الطبية في ازدياد".
يضرب عبد المعطي مثالاً عن حالة رآها بعينيه، قائلا إن "ستينيّاً كان يعاني من ألم في صدره، فما كان من طبيبه إلا أن طلب قسطرة له، والرجل يعاني من مشاكل شديدة في الكلى، مما يعني "خطورة عملية القسطرة على صحته، وقد تؤدي إلى مضاعفات أو الوفاة".
يتابع الممرض عبد المعطي حكايته، ويقول: "لم يقم الطاقم الطبي، ولم يسمحوا لنا كممرضين، بطرح كل إشكاليات القسطرة على المريض وذويه، قبل قيامه بالموافقة على العملية، وبالتالي فإن الوضع القانوني للطبيب الذي قام بها سليم، ولكنه غير أخلاقي"، مكملاً أن "الرجل بعد أن قام بالقسطرة، تفاقمت مشاكل الكليتين لديه، ووافته المنية".
يشدد عبد المعطي أن الوضع "غير أخلاقي، إذ يجب أن يخبر المريض بحالته قبل التوقيع على أي وثيقة، ثم يتحمل الوضع الصحي".
نقيب الأطباء: يجب التفريق بين الأخطاء والمضاعفات
من جهة أخرى؛ يقول د. هاشم أبو حسان نقيب الأطباء الأردنيين، إنه "يجب التفريق بين الأخطاء الطبية والمضاعفات"، مفسراً أن "الخطأ الطبي ناشئ عن إهمال، بينما المضاعفات، نتيجة سلبية متعارف عليها عند إجراء أي عملية جراحية، كحصول نزيف خفيف"، مشدداً على أن المضاعفات الطبية ليست أخطاءً.
يقول أبو حسان إنه تم تقديم 264 شكوى للنقابة العام الفائت، قُبل منها 150 قضية، من ضمنها 34 شكوى خطأ طبي "لم يثبت منها إلا خمس قضايا، وحُوسب الأطباء"، لافتاً إلى أن المحاسبة تتم كالتالي: "لأطباء القطاع العام يتم تحويل الشكوى بحقهم إلى وزارة الصحة، وبالنسبة لأطباء القطاع الخاص تشكل لجنة من أربعة أطباء، اثنان من وزارة الصحة، واثنان من القطاع الخاص، ويترأسها نقيب الأطباء"، مشيراً إلى أن "شكاوى المستشفيات العسكرية، تتولاها الخدمات الطبية الملكية".
وزارة الصحة: لا نملك إحصائية بالأخطاء الطبية!
يعترف حاتم الأزرعي الناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة، أنه "لا توجد إحصاءات دقيقة للأخطاء الطبية، سواء في القطاع العام، أو الخاص، أو حتى العسكري".
يقول الأزرعي: "ترد إلى الوزارة يومياً 30 شكوى ضد الأطباء، تتهمهم بارتكاب أخطاء طبية"، أي ما يقارب عشرة آلاف شكوى سنوياً، مؤكداً أنه "بعد الفحص والتمحيص، الأخطاء الطبية لا تتجاوز عُشر تلك الشكاوى".
يتابع الناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة أن "الوزارة لا تصمت عن الأخطاء الطبية، وأن النائب العام أوقف خلال العامين الماضيين 15 طبيباً عن ممارسة المهنة، بسبب اقترافهم أخطاء قاتلة".
مناصرة: سحب قانون المساءلة الطبية خطيئة
يرفض مصطفى مناصرة رئيس الجمعية الأردنية للحماية من الأخطاء الطبية، ما أسماه "مبررات وزارة الصحة ونقابة الأطباء"، معتبراً أن "سحب قانون المساءلة الطبية عام 2009، من مجلس الأمة، وعدم إقراره، هو الخطيئة بعينها".
مناصرة تعرض قبل عامين لخطأ طبي أدى إلى فقدانه البصر في عينه اليمنى، وضعف في عينه اليسرى بنسبة تصل إلى 85%.
يقول رئيس الجمعية الأردنية للحماية من الأخطاء الطبية، والتي نشأت عام 2012 في العاصمة عمان: "كضحية لخطأ طبي أعرف شعور الضحايا أو أهاليهم، لقد قدمت أكثر من شكوى للوزارة، ولنقابة الأطباء، ورغم أن تقاريري الطبية التي قدمتها، تؤكد أن سبب العمى هو خطأ طبي، إلا أن شكواي رُفضت، بدعوى أن ما جرى لعيني هو مضاعفات، وليس خطأ".
يحاول مناصرة منذ ذلك الحين، الضغط مع ناشطين لإقرار قانون يحمي المرضى من الأخطاء الطبية، معتبراً أن إقرار القانون "لا يمس بسمعة الأردن الطبية، بل يعلي من شأنها".
العفو العام شمل قضايا المسؤولية الطبية
رغم المحاولات التي يسعى إليها الناشطون في مجال محاربة الأخطاء الطبية، وتوعية المواطنين لأهمية تقديم الشكوى، في حال الشك في إصابتهم أو إصابة أي شخص يعنيهم أمره بخطأ طبي، إلا أن سجلات القضايا في المحاكم تشير إلى أن قانون العفو العام الصادر في 20/ 6/ 2011، شمل قضايا المسؤولية الطبية، وأُسقط نحو 160 قضية ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻈﻮرة أﻣﺎم اﻟﻤﺤﺎﻛﻢ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ.
يقول المحامي نايف الشوابكة المتخصص بالدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية إن "إسقاط قضايا الأخطاء الطبية في العفو العام يعتبر إجحافاً بحق ضحايا الأخطاء".
وعن قانون المساءلة الطبية، يرى الشوابكة أنه "قانون عادل يساهم في تطوير مهنة الطب في الأردن، ولا يوجد فيه إجحاف بحق أحد، بل هو منصف لأطراف المعادلة الطبية، ألا وهم الطاقم الطبي، وضحايا الأخطاء الطبية أو عائلاتهم"، مشيراً إلى أن هذا القانون "تم إقراره في العالم المتقدم كأميركا، ولم يقل عدد الأشخاص الذين يثقون بالطب الأميركي، فلماذا تخافه نقابة الأطباء؟" متسائلاً بتهكم.
ويشدد المحامي المتخصص بقضايا الأخطاء الطبية على أنها "تدخل في باب انتهاك الحق في الحياة، الذي يكتسب أولوية متقدمة في مواثيق حقوق الإنسان، كما أنها تنتهك الحق في الصحة".
فيما يرى د. هاشم أبو حسان، نقيب الأطباء، أنه لا داعي إليه، لأن هنالك دستوراً للنقابة ملزماً للطبيب.
يتابع النقيب "يوجد في قانون نقابة الأطباء فصل كامل يسمى السلطة التأديبية، وهو مختص بمحاسبة الطبيب الذي يخل بواجباته أو يرتكب أخطاء طبية".
الجدير بالذكر أن مسودة قانون المساءلة الطبية الأردني، الذي رفضته نقابة الأطباء، منذ عام 2009 تؤكد على وجوب الالتزام بالبروتوكولات العالمية الخاصة بتقديم الرعاية الصحية والأولية. ويركز القانون على ضرورة قيام الطبيب، أو مقدم الخدمة بوضع المريض بصورة الإجراءات الطبية التي يحتاج إليها.
يشار إلى أن تعديلات عديدة جرت على القانون الذي سحب من ديوان التشريع لأكثر من ثماني مرات سابقاً، ومن ضمن تلك التعديلات، عدم جواز توقيف مقدم الخدمة، المشتكى عليه بالتسبب باإايذاء، أو الوفاة نتيجة عمل قام به خلال النظر بالشكوى الجزائية المقدمة ضده، إضافة إلى إعطاء الحق للنقابات المهنية بإنشاء صناديق تكافلية لمواجهة مخاطر المهنة.
ويعتبر دستور منظمة الصحة العالمية أن "التمتع بأعلى مستوى من الصحة الذي يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية".
ويتفق دستور المنظمة مع المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تعتبر الحق في الحصول على رعاية صحية وطبية مناسبة، واحداً من الحقوق الأساسية للإنسان، وهو أيضاً ما نص عليه الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي تبنته جامعة الدول العربية في عام 2004.
ويشير الميثاق إلى أن "لكل مريض الحق في تقديم شكوى للجهات المختصة الإدارية والنقابية والقضائية، في ما يتعلق بالعناية الصحية المقدمة له، والحصول على إرشادات خاصة بطرق تقديم الشكاوى، والحصول على متابعة جدية من مختلف الجهات المعنية للشكوى المقدمة منه، وتلقي جواب خطي خلال فترة زمنية معقولة، والحصول على تعويضات عادلة عن الأضرار التي أصابته من دون وجه حق، وخلافاً للقانون، سواء تعلق الأمر به شخصياً أو نشأ عن عجز أو وفاة أحد أفراد أسرته.