لاقت تشكيلة الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة عمر الرزاز والتي صدر مرسوم ملكي بالموافقة عليها، اليوم الخميس، انتقادات واسعة فور الإعلان عن أعضائها، وسط توقعات بعدم قدرتها على إدارة الملفات الاقتصادية في البلاد، والتي كانت سببا في الاحتجاجات الشعبية التي شهدها الأردن قبل أسبوعين وأدت إلى استقالة حكومة هاني الملقي.
وما زاد حدة الانتقادات للحكومة أن 16 وزيرا من أعضائها هم من وزراء الحكومة السابقة التي كانت الأقل شعبية بين الحكومات الأردنية بحسب استطلاعات الرأي العام، كما أنها تسببت في تأزيم الشارع الأردني بصورة لم تحدث منذ هبة نيسان عام 1989، التي اندلعت خلالها احتجاجات على سياسات الغلاء ورفع الأسعار.
ويرى البعض أن حكومة الرزاز ما هي إلا استمرار لنهج الحكومة السابقة بحكم وجود هذا العدد المشترك من الوزراء، إضافة إلى أن نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية رجائي المعشر كان من أكثر الداعين لتوسيع قاعدة الخاضعين للضريبة، إضافة إلى أنه كان وزيرا للاقتصاد الوطني منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وبالتالي فإن عودته إلى هذه الحكومة بمثابة إعادة نماذج إدارة اقتصادية عمرها أكثر من 45 عاما، ولم تحقق تلك النماذج النجاحات الاقتصادية اللازمة للبلاد.
وقرر رئيس الوزراء الأردني الجديد، أن يسحب رسميا من مجلس النواب مشروع قانون ضريبة الدخل الذي كان أثار احتجاجات واسعة في المملكة أدت لاستقالة سلفه هاني الملقي.
وبحسب شخصيات اقتصادية وسياسية، فإن تشكيلة الحكومة طغى عليها جانب العلاقات الشخصية بعيدا من معايير الكفاءة، حيث جاء الرئيس بشخصيات يبدو أنها غير وزانة اقتصاديا ولا سياسيا، لكن عمله في عدة أماكن مثل البنك الأهلي الذي يملك غالبية أسهمه رجائي المعشر، وكذلك منتدى الاستراتيجيات الأردني وغيرها قد شكلت المنطلق الأساس في اختيار الفريق الوزاري.
وعبرت شخصيات عن عدم ثقتها في الحكومة وقدرتها على انتشال البلاد من الأزمة الاقتصادية، لا سيما في ظل حالة عدم التجانس المرجح أن تظهر إلى العلن مبكرا، ما يشكل عائقا أمام تحقيق تقدم على صعيد الملفات الاقتصادية الثقيلة التي ورثتها حكومة الرزاز وأهمها ارتفاع عجز الميزانية وتفاقم المديونية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغيرها.
إلى ذلك، قال النائب مصطفى ياغي في منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "إنه عندما يطل علينا الرئيس بمجموعة 16 وزيرا من حكومة الإفقار والجباية المستقيلة فما الذي سيتغير وما هو المأمول من هكذا حكومة؟".
وقال النائب صداح الحباشنة إن تشكيلة الحكومة مخيبة للآمال وإن ما جرى يعد تعديلا وزاريا لا تشكيلا جديدا، وذلك للإبقاء على 16 وزيرا من الحكومة السابقة.
بدوره، قال النائب حازم المجالي إنه ينتظر برنامج عمل الحكومة الذي ستقدمه إلى مجلس النواب لأخذ الثقة، وبالتالي تحديد موقفه من منح الثقة أو حجبها، لكنه اتفق مع النائبين ياغي والحباشنة بوجود هذا العدد من وزارة حكومة الملقي في هذه الحكومة.
وقال المحلل الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد": "نحن فعلا أمام تعديل وزاري موسع، والمرحلة المقبلة لا تبعث على التفاؤل بخاصة أن 15 وزيرا من حكومة الملقي كانوا قادرين على تعطيل أي قرارات اقتصادية مثل قانون ضريبة الدخل الذي أثار احتجاجات واسعة في البلاد".
وأضاف أن "التجانس من المرجح أنه سيغيب عن الحكومة، وتحديدا فريقها الاقتصادي الذي يقوده شخص عابر لعدة حكومات منذ العام 1974، وأن الفكر الاقتصادي الذي يؤمن به لم يعد يصلح لهذه المرحلة، وبالتالي فإن المزاوجة بين النهج الاقتصادي القديم والنهج الذي يؤمن به الجيل الجديد ستكون صعبة داخل حكومة الرزاز".
وقد أدت الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة عمر الرزاز اليمين الدستورية الخميس أمام العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني خلفا لحكومة هاني الملقي التي استقالت الأسبوع الماضي على وقع الاحتجاجات رفضا لسياساتها الاقتصادية، وإصرارها على تمرير قانون ضريبة الدخل واتخاذها قرارات برفع أسعار المشتقات النفطية.
وجاء الإعلان عن الحكومة الجديدة بعد 9 أيام من المشاورات التي أجراها الرزاز في منزله الواقع في منطقة اللويبدة وسط العاصمة عمان، حيث التقى بالعديد من الشخصيات الاقتصادية والسياسية وعمل مفاضلة بين عدد من الأشخاص لكل وزارة.
وأحاط الرزاز الذي كان وزيرا للتربية والتعليم في الحكومة السابقة مشاوراته بسرية تامة، ولم يؤكد أسماء الداخلين في التشكيلة الوزارية إلا مساء أمس.
وضمت الحكومة الجديدة 29 شخصية من بينها رئيس الوزراء، ووزير الدفاع و7 سيدات في سابقة هي الأولى في الأردن بأن تضم الحكومة هذا العدد من الوجوه النسائية.
واشتملت الحكومة على عدد من العناصر الشابة من كلا الجنسين، استجابة لتوجيهات الملك عبدالله الثاني لرئيس الحكومة الرزاز عند تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة بالاهتمام بالشباب والاهتمام بهم.
كما تم إشراك شخصيات سياسية معارضة لسياسات الحكومة واتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل، أو ما يعرف باتفاقية وادي عربة وأبرز هذه الشخصيات مثنى غرايبة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الذي كان من قادة الحراك في الأردن إبان هبة الربيع العربي، ومن الذين تعرضوا للإصابة والضرب في تظاهرة ائتلاف 24 آذار الذي تشكل عام 2011 من قبل كافة القوى المعارضة، واتخذ من دوار الداخلية في قلب العاصمة عمان مقرا لتظاهراته.
وقد قادت النقابات المهنية في الأردن حراك الشارع بصورة غير مسبوقة، إلى أن تم إسقاط الحكومة وأخذ التزاما من رئيس الحكومة الجديد بسحب القانون.
وقال الرزاز في تصريحات صحافية اليوم إن "أولويات عمل الحكومة خلال الفترة المقبلة ستركز على التعامل مع الوضع الاقتصادي والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه الأردن، وأن هذه الحكومة تشرفت بحمل الثقة وتكليف جلالة الملك عبدالله الثاني لها للقيام بمهمة صعبة وشاقة لكنها إن شاء الله ممكنة بهمة الجميع".
وأكد الرزاز أن كتاب التكليف الملكي للحكومة لامس مشاعر المواطن الأردني بشكل مباشر ولامس همومه وطموحاته وتطلعاته بأن تقدم الحكومة خدمات حقيقية يلمسها بشكل مباشر، وقال: "لقد سعيت إلى أن أشكل فريقا وزاريا يستطيع أن يمضي بتحقيق هذه الرؤية والتكليف الذي أمرنا به الملك".
وأضاف: "لقد سعينا إلى أن يكون الفريق الوزاري على درجة عالية من النزاهة والمهنية في مجال عمله، وأن لا يكون تكنوقراطيا في تعامله مع مجال عمل وزارته فحسب، وإنما يعي التداعيات السياسية والاقتصادية لأي قرار، وكذلك في ما يتعلق بتوزيع الحمل بين المواطنين لتحقيق العدالة وتداعيات أي قرار حكومي على القطاع الخاص وعلى تحقيق التنمية الشاملة".
وأكد أن الفريق الوزاري "سيعمل بروح الفريق الواحد، وأن لكل فرد مسؤولياته ولكن بالنهاية نحن نعمل كفريق منسجم ومطلوب منه تنفيذ التوجيهات الملكية السامية بالعمل الميداني والاستماع للناس، والتعامل مع الأولويات والقدرة على الإصغاء والحوار وتقبل الرأي والرأي الآخر حتى نتمكن من تشخيص التحديات التي تواجه الوطن والمواطن والوصول إلى حلول جذرية لها".