31 أكتوبر 2017
الأردن وإسرائيل.. حسابات ومصالح
ليست تسويغات الحكم في الأردن لتبرير طبطبة قضية تصفية مواطنيْن أردنيّين على يد حارس للسفارة الإسرائيلية في عمّان إهانة لشعب الأردن فقط، بل قبل ذلك استخفافا بوعيه. ففي البداية، سارع وزير الداخلية، غالب الزعبي، إلى تحميل الفتى الأردني، محمد الجواودة، المسؤولية عما قاد إلى تصفيته، مع مواطن أردني آخر، برصاص الحارس؛ ثم تم تبرير السماح بمغادرة الحارس القاتل بأن هذا السلوك يفرضه احترام القانون الدولي الذي يمنح الحارس الحصانة الدبلوماسية. فقد كان مرجوّا ألا يكون الوزير المسؤول عن أمن الأردنيين أقل تشكّكا في رواية القاتل الأحداث من معلقين إسرائيليين جزموا بأنه لم يكن هناك أي مسوّغ يبرّر إقدام الحارس على قتل الأردنيين. فأمير أورن، المعلق العسكري الصهيوني ذائع الصيت، والذي غطى قضايا أمنية كثيرة، يجزم بأن تسلسل الأحداث، حتى كما رواها الحارس، لم يكن يبرّر أن تنتهي بمقتل المواطنين الأردنيين (هآرتس، 26/7). وكان الأحرى بالوزير أن يستمع للصحافية الإسرائيلية، عميرة هاس، التي خلصت إلى أن الحارس زهد في اللجوء إلى أية وسائل دفاع أخرى، تدرّب عليها كثيرا، غير قتل الأردنيين لأنه، مثل بقية منتسبي الأمن الإسرائيلي ينظرون باحتقار إلى العربي وحياته (هآرتس، 26/7). وبخلاف رأي دوائر في صنع القرار في عمّان، سخرت هاس ممن سوّغوا السماح بإفلات القاتل من العقاب، بحجة أن القانون الدولي يمنحه الحصانة الدولية، حيث كتبت: "وهل تحترم إسرائيل القانون الدولي عندما تدمّر بيوت الفلسطينيين على رؤوس ساكنيها، حتى تطالب الآخرين بأن يعاملوها على أساس مواد هذا القانون"؟
تبين أن كل تسويغات المسؤولين الأردنيين لطبطبة القضية كانت مجرّد ذر للرماد بالعيون،
حيث تبين أن تدخلاً أميركيا منخفض المستوى هو ما حسم الأمر. فحسب المعلق الإسرائيلي، باراك رفيد، حسم الملك عبد الله الثاني القضية بعد تلقيه اتصالا من جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره (هآرتس، 25/7). وإن كان هذا لا يكفي، فإن وزراء في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن أفصحوا أن الملك وعد الأميركيين والإسرائيليين، بأنه بغض النظر عن ملابسات الحادث، لن يسمح بتأخير مغادرة القاتل وبقية طاقم السفارة عمّان (معاريف، 28/7). مع العلم أن تل أبيب خشيت أن يتم عدم السماح للقاتل بمغادرة عمّان قبل جباية ثمنٍ من إسرائيل، كما فعل الملك الحسين في أعقاب محاولة "الموساد" تصفية رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، خالد مشعل، في عمّان في العام 1997. فهناك عشرات من المعتقلين الأردنيين في سجون الاحتلال كان في وسع عمّان المطالبة بتحريرهم مقابل السماح للحارس القاتل بالمغادرة، سيما مع تعاظم الانتقادات داخل إسرائيل نفسها لسلوك هذا الحارس.
والمفارقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وبدلا من أن يراعي الجميل الذي أسداه له الأردن، رد بإحراج الملك عبدالله الثاني أمام الرأي العام الأردني، من خلال استقبال الحارس القاتل، والثناء على صنيعه، من أجل تسجيل مكاسب سياسية على الصعيد الداخلي. ومن أجل محاولة تقليص الأضرار الناجمة عن انكشاف حجم خذلان عوائل القتيلين والشعب الأردني، عمد بعضهم إلى الزعم بأنه في إطار معالجة أحداث السفارة، تمكّن الملك عبد الله من إقناع نتنياهو برفع البوابات الإلكترونية، وهذا محض افتراء. فلم يكن أمام نتنياهو بد إلا رفع البوابات، بفضل مقاومة الفلسطينيين الأسطورية وصمودهم وتضحياتهم التي أفضت إلى توافق نخب اليمين واليسار الصهيوني، بشكل نادر، على توجيه انتقاداتٍ غير مسبوقة لنتنياهو بسبب قراره. وعلى كل، لا يصدّق الإسرائيليون أنفسهم أن لحاكم عربي دورا في إخضاع قيادتهم؛ حيث إن استطلاعا للرأي العام دلل على أن 77% من الإسرائيليين يرون أن قرار رفع البوابات كان خضوعا إسرائيليا للفلسطينيين (يسرائيل هيوم، 25/7).
على الرغم من أن الإجابة عن هذا السؤال ليست تحدّيا كبيرا بشكل خاص، فإن طرحه مهم: لماذا يستخف الصهاينة بالحكم الأردني إلى هذا الحد، ولماذا هم مطمئنون إلى أنهم مهما
أحرجوا هذا النظام، فلن يؤثر الأمر على عرى العلاقة بينه وبين إسرائيل؟ تصدّى للإجابة عن السؤال دبلوماسي إسرائيلي خدم في عمّان، وتربطه علاقات قوية بدوائر الحكم فيها، وقال: "لا يوجد علاقة أو سلام بين دولة إسرائيل ودولة الأردن، السلام هو بين دولة إسرائيل وملك الأردن" (يسرائيل هيوم، 25/7).
يدلل هذا التوصيف على أن المقاربة الأردنية للعلاقة مع إسرائيل ترتكز أساسا على حسابات نظام الحكم واعتباراتها، وليس على مصالح الأردن دولة وشعبا. وفي المقابل، تنطلق مقاربة تل أبيب للعلاقة بشكل حصري من مصالح إسرائيل "دولة". وهذا ما يصنع الفرق الكبير. فلو وضع الحكم في عمان في الاعتبار مصالح الأردن دولة، لكانت مكانته في العلاقة مع إسرائيل أقوى بكثير، وهذا بإقرار الصهاينة أنفسهم. فحسب المعلق الصهيوني اليميني، نداف شرغاي، فإن المظاهر التي تعزّز مكانة الأردن ذخرا لإسرائيل تتمثل في: تأمينه أطول وأعقد حدود مع أية دولة عربية، تعاون أمني مكثف، ضخ عمّان مليارات الدولارات في خزانة إسرائيل من خلال شراء الغاز العربي والفلسطيني الذي تنهبه إسرائيل، السماح بتحول الأردن قاعدة لنقل البضائع الإسرائيلية للعالم العربي" (يسرائيل هيوم، 26/7).
إذن، لو تمّت مقاربة الأمور من خلال المصالح، فإن لدى الأردن أوراقا أكثر يمكنه توظيفها في إدارته علاقته بإسرائيل، لكن الأمر يتعلق بنظام الحكم في عمّان واعتباراته الخاصة، وهذا ما فرض على النظام نمط تعاطيه مع أحداث السفارة الصهيونية.
تبين أن كل تسويغات المسؤولين الأردنيين لطبطبة القضية كانت مجرّد ذر للرماد بالعيون،
والمفارقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وبدلا من أن يراعي الجميل الذي أسداه له الأردن، رد بإحراج الملك عبدالله الثاني أمام الرأي العام الأردني، من خلال استقبال الحارس القاتل، والثناء على صنيعه، من أجل تسجيل مكاسب سياسية على الصعيد الداخلي. ومن أجل محاولة تقليص الأضرار الناجمة عن انكشاف حجم خذلان عوائل القتيلين والشعب الأردني، عمد بعضهم إلى الزعم بأنه في إطار معالجة أحداث السفارة، تمكّن الملك عبد الله من إقناع نتنياهو برفع البوابات الإلكترونية، وهذا محض افتراء. فلم يكن أمام نتنياهو بد إلا رفع البوابات، بفضل مقاومة الفلسطينيين الأسطورية وصمودهم وتضحياتهم التي أفضت إلى توافق نخب اليمين واليسار الصهيوني، بشكل نادر، على توجيه انتقاداتٍ غير مسبوقة لنتنياهو بسبب قراره. وعلى كل، لا يصدّق الإسرائيليون أنفسهم أن لحاكم عربي دورا في إخضاع قيادتهم؛ حيث إن استطلاعا للرأي العام دلل على أن 77% من الإسرائيليين يرون أن قرار رفع البوابات كان خضوعا إسرائيليا للفلسطينيين (يسرائيل هيوم، 25/7).
على الرغم من أن الإجابة عن هذا السؤال ليست تحدّيا كبيرا بشكل خاص، فإن طرحه مهم: لماذا يستخف الصهاينة بالحكم الأردني إلى هذا الحد، ولماذا هم مطمئنون إلى أنهم مهما
يدلل هذا التوصيف على أن المقاربة الأردنية للعلاقة مع إسرائيل ترتكز أساسا على حسابات نظام الحكم واعتباراتها، وليس على مصالح الأردن دولة وشعبا. وفي المقابل، تنطلق مقاربة تل أبيب للعلاقة بشكل حصري من مصالح إسرائيل "دولة". وهذا ما يصنع الفرق الكبير. فلو وضع الحكم في عمان في الاعتبار مصالح الأردن دولة، لكانت مكانته في العلاقة مع إسرائيل أقوى بكثير، وهذا بإقرار الصهاينة أنفسهم. فحسب المعلق الصهيوني اليميني، نداف شرغاي، فإن المظاهر التي تعزّز مكانة الأردن ذخرا لإسرائيل تتمثل في: تأمينه أطول وأعقد حدود مع أية دولة عربية، تعاون أمني مكثف، ضخ عمّان مليارات الدولارات في خزانة إسرائيل من خلال شراء الغاز العربي والفلسطيني الذي تنهبه إسرائيل، السماح بتحول الأردن قاعدة لنقل البضائع الإسرائيلية للعالم العربي" (يسرائيل هيوم، 26/7).
إذن، لو تمّت مقاربة الأمور من خلال المصالح، فإن لدى الأردن أوراقا أكثر يمكنه توظيفها في إدارته علاقته بإسرائيل، لكن الأمر يتعلق بنظام الحكم في عمّان واعتباراته الخاصة، وهذا ما فرض على النظام نمط تعاطيه مع أحداث السفارة الصهيونية.