10 نوفمبر 2024
الأردن ودرعا
تعود درعا إلى أولوية الاهتمام الاستراتيجي الأردني، بعدما ظهر تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية (داعش) في الريف الغربي، وما يزال يخوض حرباً مع فصائل "الجبهة الجنوبية" التي تمثّل المظلة الكبرى للجيش الحرّ في الجنوب.
مرّت المقاربة الأردنية تجاه درعا في مراحل عدة، بدأت، مع عام 2012، بدعم فصائل من الجيش الحرّ بالعتاد والسلاح، وتقوية النفوذ الأمني في الجنوب، وإحكام ضبط الحدود، ثم أصبحت غرفة الموك (العمليات العسكرية المشتركة لمساعدة الثوار)، مع رفضه ضغوطاً شديدة من دول عربية وغربية لفتح الحدود كلياً لعبور المقاتلين والسلاح النوعي، فكان هنالك تقنين لنوعية السلاح، والفصائل التي تحصل عليه، ومحاولة تحكّم في نمط العمليات العسكرية ضد الجيش السوري. كان ضابط الاتصال بين الأردن وفصائل الجيش الحرّ، في تلك الفترة، العقيد المنشق، أحمد النعمة، الأمر الذي لم يكن يقبله كثيرون من قادة الفصائل، وتمّ فرض الرجل في المجلس العسكري في درعا، لما يحظى به من دعم أردني، قبل أن تعتقله جبهة النصرة في 2014، مع ترجيح أنّه أعدم.
في 2015، طوّر الأردن دوره ومقاربته في درعا، بصورة كبيرة، عبر نظرية "الوسادات الأمنية"، وساهم في مشروع تأسيس الجبهة الجنوبية، لتجميع قطاعات الجيش الحرّ ومجموعاته المشتتة، في كيان واحد، وأصبح قادةٌ في هذا الفصيل على تواصل مستمر بالأردن، وانتظمت العلاقة إلى درجة عميقة، حتى بات الأردن بمثابة "الراعي" الرسمي لهذه الجبهة، وساهم في تعزيز صمودها في مواجهة محاولات الاجتياح السوري والإيراني للجنوب، بتقديم السلاح الأكثر فعالية، ما مكّنها، في منتصف العام الماضي، من تحقيق انتصاراتٍ نوعية، في مختلف أنحاء درعا، وجعلها تفكّر جديّاً في هجوم معاكس على دمشق. إلاّ أنّ الأردن، نفسه، ومعه الأميركيون والأوروبيون، رفضوا فكرة "التوجه إلى دمشق"، وامتنعوا عن دعم الهجوم بالسلاح والعتاد، ما أحدث أزمةً غير معلنة بينه وبين الجبهة. وزادت ضغوط الأردن على الجبهة الجنوبية لتصفية "النصرة" في الجنوب، وهو ما لم يكن باستطاعة الجيش الحرّ القيام به، نظراً للعلاقات الجيدة بينهم وبين "النصرة" هناك أولاً، ولأنّ المستفيد هو النظام السوري ثانياً، فتم استبدال فكرة الصراع بعدم التعاون بين الطرفين في أي عمليات، وهو ما وافقت عليه الجبهة الجنوبية.
المشكلة الأخرى المترتبة على الدور الأردني في درعا الانتقائية في دعم الفصائل هناك، وتمييز قياداتٍ عن أخرى، ما يُحدث حساسيةً داخل فصائل الجبهة، ويعزّز شروخ الثقة الداخلية بين قياداتها. لذلك، يطالب بعض القيادات بدعم الجبهة الجنوبية ككل مجلس القيادة، من دون تمييز.
المرحلة الأخرى التي دخلت فيها المقاربة الأردنية أطلقنا عليها، في مقالة سابقة في "العربي الجديد"، سياسة "النأي بالنفس"، وتمثّلت بالتدخل العسكري الروسي، خصوصاً بعد اغتيال قائد جيش الإسلام، زهران علوش، في الأيام الأخيرة من العام الماضي، والذي كانت تربطه بالأردن والسعودية علاقات جيّدة، إذ لوحظ تراجع كبير في دعم الأردن الفصائل الجنوبية، وإصراره على الهدنة العسكرية في الجنوب، بالتفاهم مع الروس، الأمر الذي لم يحترمه الروس، إذ شاركوا بدعم جوي كبير في عودة سيطرة الجيش السوري على قرية شيخ مسكين ومناطق أخرى في درعا.
الآن، ومع تطبيق الهدنة العسكرية ودخول داعش على خط درعا، عبر فصيلي شهداء اليرموك وكتيبة المثنى، وانسحاب الروس، بعدما أخلّوا بتعهداتهم للأردن، وزيادة القلق من أزمة المهاجرين، ذلك كله يدفع مطبخ القرار في عمّان إلى التخلّي عن مقاربة "النأي بالنفس"، وليس فقط العودة إلى مقاربة "الوسادات الأمنية"، بل إلى زيادة مستوى النفوذ الأردني وحجمه في درعا إلى مرحلةٍ جديدةٍ، تقوم على اعتبار درعا جزءاً من الأمن الوطني الأردني، لاعتباراتٍ استراتيجية عديدة، مرتبطة بخطر "داعش" أولاً، وثانياً بمشكلة اللاجئين، وثالثاً بأمن الحدود والمنطقة الشمالية.
ما يزال الأردن يراهن على الجبهة الجنوبية في التصدّي لـ "داعش"، ودعمها إلى أقصى مدى. لكن، في حال مفاجآت غير متوقعة، سيكون الخيار الأردني بالتدخل أكثر، وربما بوسائل جديدة، لأنّ داعش في درعا خط أحمر.
مرّت المقاربة الأردنية تجاه درعا في مراحل عدة، بدأت، مع عام 2012، بدعم فصائل من الجيش الحرّ بالعتاد والسلاح، وتقوية النفوذ الأمني في الجنوب، وإحكام ضبط الحدود، ثم أصبحت غرفة الموك (العمليات العسكرية المشتركة لمساعدة الثوار)، مع رفضه ضغوطاً شديدة من دول عربية وغربية لفتح الحدود كلياً لعبور المقاتلين والسلاح النوعي، فكان هنالك تقنين لنوعية السلاح، والفصائل التي تحصل عليه، ومحاولة تحكّم في نمط العمليات العسكرية ضد الجيش السوري. كان ضابط الاتصال بين الأردن وفصائل الجيش الحرّ، في تلك الفترة، العقيد المنشق، أحمد النعمة، الأمر الذي لم يكن يقبله كثيرون من قادة الفصائل، وتمّ فرض الرجل في المجلس العسكري في درعا، لما يحظى به من دعم أردني، قبل أن تعتقله جبهة النصرة في 2014، مع ترجيح أنّه أعدم.
في 2015، طوّر الأردن دوره ومقاربته في درعا، بصورة كبيرة، عبر نظرية "الوسادات الأمنية"، وساهم في مشروع تأسيس الجبهة الجنوبية، لتجميع قطاعات الجيش الحرّ ومجموعاته المشتتة، في كيان واحد، وأصبح قادةٌ في هذا الفصيل على تواصل مستمر بالأردن، وانتظمت العلاقة إلى درجة عميقة، حتى بات الأردن بمثابة "الراعي" الرسمي لهذه الجبهة، وساهم في تعزيز صمودها في مواجهة محاولات الاجتياح السوري والإيراني للجنوب، بتقديم السلاح الأكثر فعالية، ما مكّنها، في منتصف العام الماضي، من تحقيق انتصاراتٍ نوعية، في مختلف أنحاء درعا، وجعلها تفكّر جديّاً في هجوم معاكس على دمشق. إلاّ أنّ الأردن، نفسه، ومعه الأميركيون والأوروبيون، رفضوا فكرة "التوجه إلى دمشق"، وامتنعوا عن دعم الهجوم بالسلاح والعتاد، ما أحدث أزمةً غير معلنة بينه وبين الجبهة. وزادت ضغوط الأردن على الجبهة الجنوبية لتصفية "النصرة" في الجنوب، وهو ما لم يكن باستطاعة الجيش الحرّ القيام به، نظراً للعلاقات الجيدة بينهم وبين "النصرة" هناك أولاً، ولأنّ المستفيد هو النظام السوري ثانياً، فتم استبدال فكرة الصراع بعدم التعاون بين الطرفين في أي عمليات، وهو ما وافقت عليه الجبهة الجنوبية.
المشكلة الأخرى المترتبة على الدور الأردني في درعا الانتقائية في دعم الفصائل هناك، وتمييز قياداتٍ عن أخرى، ما يُحدث حساسيةً داخل فصائل الجبهة، ويعزّز شروخ الثقة الداخلية بين قياداتها. لذلك، يطالب بعض القيادات بدعم الجبهة الجنوبية ككل مجلس القيادة، من دون تمييز.
المرحلة الأخرى التي دخلت فيها المقاربة الأردنية أطلقنا عليها، في مقالة سابقة في "العربي الجديد"، سياسة "النأي بالنفس"، وتمثّلت بالتدخل العسكري الروسي، خصوصاً بعد اغتيال قائد جيش الإسلام، زهران علوش، في الأيام الأخيرة من العام الماضي، والذي كانت تربطه بالأردن والسعودية علاقات جيّدة، إذ لوحظ تراجع كبير في دعم الأردن الفصائل الجنوبية، وإصراره على الهدنة العسكرية في الجنوب، بالتفاهم مع الروس، الأمر الذي لم يحترمه الروس، إذ شاركوا بدعم جوي كبير في عودة سيطرة الجيش السوري على قرية شيخ مسكين ومناطق أخرى في درعا.
الآن، ومع تطبيق الهدنة العسكرية ودخول داعش على خط درعا، عبر فصيلي شهداء اليرموك وكتيبة المثنى، وانسحاب الروس، بعدما أخلّوا بتعهداتهم للأردن، وزيادة القلق من أزمة المهاجرين، ذلك كله يدفع مطبخ القرار في عمّان إلى التخلّي عن مقاربة "النأي بالنفس"، وليس فقط العودة إلى مقاربة "الوسادات الأمنية"، بل إلى زيادة مستوى النفوذ الأردني وحجمه في درعا إلى مرحلةٍ جديدةٍ، تقوم على اعتبار درعا جزءاً من الأمن الوطني الأردني، لاعتباراتٍ استراتيجية عديدة، مرتبطة بخطر "داعش" أولاً، وثانياً بمشكلة اللاجئين، وثالثاً بأمن الحدود والمنطقة الشمالية.
ما يزال الأردن يراهن على الجبهة الجنوبية في التصدّي لـ "داعش"، ودعمها إلى أقصى مدى. لكن، في حال مفاجآت غير متوقعة، سيكون الخيار الأردني بالتدخل أكثر، وربما بوسائل جديدة، لأنّ داعش في درعا خط أحمر.