تتسارع التطورات في باكستان، وتتجه الأزمة نحو مزيد من التصعيد مع إصرار الحكومة الباكستانية والمعارضة على مواقفهما، رغم سقوط قتلى وجرحى إثر المواجهات بين المعتصمين، من أنصار المعارضَين عمران خان والقادري، وقوات الأمن، ما يُنذر بانزلاق البلاد نحو حكم عسكري.
احتمال تدخل الجيش في الأزمة الباكستانية يُعزّزه تصريحات جاويد الهاشمي، أحد قياديي حزب "الإنصاف" الذي يتزعمه خان، بأنّ الجيش الباكستاني يقف وراء الاعتصامات، وأن عمران خان يتلقى أوامر من قبل المخابرات العسكرية، وهو ما أثار حفيظة المؤسسة العسكرية.
ولم ينتظر الجيش الباكستاني طويلاً حتى ردّ على تصريحات الهاشمي، معرباً في بيان عن قلقه، ومؤكداً أن الجيش لن يقف وراء أي جهة سياسية، بل يدعم العملية الديمقراطية في البلاد، ويدعو الطرفين إلى حل النزاع عبر حوار بناء. وأكد المتحدث باسم الجيش الجنرال عاصم باجوا، أن المؤسسة العسكرية لن تتدخل في سياسية البلاد، محذّراً القوى السياسية من زجّ المؤسسة في المعترك السياسي.
كما نفى مكتب العلاقات العامة في الجيش في بيان آخر له أنباء مفادها بأن قائد الجيش راحيل شريف، طالب رئيس الوزراء، نواز شريف، بتقديم استقالته خلال الاجتماع الأخير، كحلّ نهائي للمعضلة السياسية. ووصف تلك الأنباء بالعارية عن الصحة، إذ لا يحق لقائد الجيش أن يطالب رئيس الوزراء بالتنحي. لكنّه شدّد على أنّه لن يتواني عن تلبية الطموحات القومية، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه.
موقفٌ فسّره مراقبون على أنّه استعداد للتدخل في صورة انقلاب عسكري مباشر، إذا فشلت الأحزاب السياسية في حلّ الخلافات بين الحكومة والمعارضة. كما لا يستبعد المراقبون سعي الجيش لتشكيل حكومة تكنوقراطية، إذا رضي رئيس الوزراء بتقديم الاستقالة.
ومن هذا المنطلق، رأى المحلل الأمني صديق أنصر، في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "الجيش لا يمكنه أن ينتظر أكثر، وسط استمرار الخلاف السياسي بين الحكومة ومعارضيها وسقوط قتلى وجرحى؛ لا بد وأن يتدخل في نهاية المطاف في أي صورة تتلاءم مع الوضع، خاصة وأنه حذّر أكثر من مرة من إطالة الأزمة".
وفي تطور مهم آخر، أبدت المحكمة الباكستانية العليا رغبتها الوساطة بين الحكومة الباكستانية ومعارضيها، لفضّ الاعتصامات وإنهاء الأزمة المتواصلة منذ أكثر من عشرين يوماً. وقال رئيس المحكمة القاضي ناصر الملك عند استماعه لقضية الاعتصامات الحالية التي رفعها أحد المحامين، إن الصراع الحالي سيدفع البلاد تجاه أزمة لا تحمد عقباها، مشيراً إلى أن المحكمة مستعدة للوساطة إن رغب فيها الطرفان المتصارعان.
وتعليقاً على إعلان المحكمة العليا، قال المحامي والخبير القانوني عبد المنان لـ "العربي الجديد"، أن "إبداء المحكمة العليا رغبتها في الوساطة بين الحكومة ومعارضيها يعدّ سابقة في تاريخ البلاد، لكن لا طائل من وراء ذلك حتى ولو رضي الطرفان. والسبب هو أن الجيش الباكستاني يراقب الأمور، والكل ينتظر دوره، فلا قيمة لدور المحكمة".
أما الزعيمان المعارضان عمران خان والقادري، اللذان يقودان الاعتصامات داخل المنطقة الحمراء، وأمام مقرّ رئيس الوزراء، فقد أصرّا على عدم إنهاء الاعتصامات إلا بعد استقالة رئيس الوزراء. وبدا خان متفائلاً، بحيث أعلن أن حكومة شريف سترحل خلال يومين على الأكثر.
في المقابل، أعلن شريف بشكل واضح بعد اجتماعه بقادة الأحزاب السياسية، أنّه لن يستقيل أمام المحتجين الذين لم يتجاوز عددهم بضعة آلاف، على حدّ تعبيره، مؤكّداً أنه لا يمكنه تقديم الاستقالة لأن ذلك سيشكل سابقة خطيرة. ودعا إلى اجتماع للبرلمان الاتحادي لمناقشة أبعاد الأزمة.
ووسط هذه الأزمة المستفحلة، خرجت الأحزاب السياسية والحركات الدينية بموقف وسطي، بحيث جدّدت دعوتها الحكومة ومعارضيها إلى استئناف مفاوضات بينهما لحل الأزمة بغرض تجنيب البلاد من الوقوع في فخ انقلاب عسكري. وتعهدت بأنها ستستمر في السعي لحل الخلافات بين الطرفين وجلبهما إلى طاولة المفاوضات. كما نددت بممارسة العنف مع المحتجين وسقوط قتلى وجرحى من الطرفين، إضافة إلى اقتحام مبنى التلفزيون الرسمي الباكستاني من قبل المعتصمين والعبث بمحتوياته ومعداته وإيقاف بثه لفترة قصيرة.
في غضون ذلك، يبدو المشهد على الأرض متوتراً ويجنح نحو التصعيد، إذ تواصلت المواجهات على وتيرة متقطعة بين قوات الأمن وآلاف المعتصمين من أنصار طاهر القادري وعمران خان بالقرب من مقرّ إقامة رئيس الوزراء والمباني الحكومية الهامة في المنطقة الحمراء. وأدت المواجهات، التي بدأت مساء السبت الماضي، حتى الآن إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة أكثر من 550 من المتظاهرين وعناصر الأمن.
وفي مدينة لاهور، أطلقت قوات الأمن حملة أمنية موسعة، بعدما نظم أنصار عمران خان والقادري تظاهرات حاشدة بالقرب من مقر رئيس الحكومة المحلية وحاكم الإقليم، اعتقلت خلالها العشرات من المتظاهرين، وقيادات في حزب خان والقادري.
بدورها، رفعت حركة "الإنصاف" قضية قتل جنائية ضد رئيس الوزراء ووزير الداخلية شودري نثار، بتهمة قتل المحتجين في إسلام آباد. وكان القادري، بدوره، قد رفع قضية قتل جنائية ضد 21 شخصاً، بينهم رئيس الوزراء ووزيرا الدفاع والداخلية، بتهمة قتل 14 من أنصار القادري في السابع عشر من شهر يونيو/حزيران الماضي. ويُعدّ نواز شريف ثاني رئيس وزراء باكستاني تُسجل ضده قضية قتل جنائية، بعد ذي الفقار علي بوتو الذي حوكم بالإعدام في القضية عام 1979.