01 فبراير 2017
الأزمة السورية والنموذج البلقاني
خالد التاج (المغرب)
عندما نتحدث عن أزمة البلقان، فإننا نخص بالذكر شبه الجزيرة التي عرفت سلسلة من التوترات، بمجرد انسحاب العثمانيين منها، وواحدة من المناطق التي عرفت أخطر الصراعات التي عرفتها البشرية في القرن العشرين، وأكثرها تعقيدا بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي في الجزء الجنوبي-الشرقي من أوروبا، والمطلة على الأناضول والبحر الأسود وبحر إيجة شرقا والبحر الأدرياتيكي غربا والبحر الأبيض المتوسط جنوبا، وبالنظر إلى تمركز معظم الصراعات حول المعطى الاثني والديني المتنوع، والمتكون أساسا من السلاف الأرثودوكس والمسلمين البوشناق والكاثوليك وقوميات أخرى.
وتكمن خطورة صراعات البلقان في أنها السبب المباشر في اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وما مثله ذلك من انخراط مباشر لمحاور ودول عديدة، حيث لعبت الورقة العرقية، إلى جانب الأطماع الاستعمارية، دوراً محوريا في إذكاء النزاعات، سواء بحجة الدفاع عن هذا المكون العرقي أو ذاك، كما هو حاصل بالنسبة للتدخل الروسي بحجة الدفاع عن السلاف الأرثودوكس، أو الأتراك بحجة الدفاع عن المسلمين، أو الألمان بحجة الدفاع عن المجريين والنمساويين الأقرب ثقافيا وهوياتيا ضد الصرب السلافيين...الخ.
ونتيجة ذلك، كانت لأزمة البلقان تداعيات خطيرة وطويلة الأمد، ليس على الدول المشكلة شبه الجزيرة فحسب، بل انعكست نتائجها الكارثية على المحيط الأوربي برمته، وألقت بظلالها على العلاقات الدولية في مجملها، وترجمت عمليا إلى إعادة رسم للخرائط السياسية والجغرافية للقارة، كما نتجت عن ذلك ثورات ورجات متتالية استمرت لعقود وألقت بثقلها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر صراعات دموية أكثر كارثية ودموية سواء من خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) أو حرب البوسنة والهرسك (1992-1995) بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد اليوغسلافي، ولا زالت رواسبها باديةً لحدود الساعة، ما يمكن أن نسميه البركان الخامد الذي من شأنه أن يلقي بحممه في الأرجاء كافة، وفي أي وقت، بالنظر لاستمرارية عوامل وبذور الصراع الإثني والهوياتي بالأساس.
يبدو أن المشهد نفسه يمكن أن يتكرر الآن في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من اختلاف الرقعة الجغرافية والظروف التاريخية، وقد بدأ ذلك يتبلور عمليا من خلال الصراع السوري المحتدم منذ أزيد من خمس سنوات، ويزداد تعقيدا يوما بعد يوم، سواء بسبب كثرة الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع كروسيا، إيران، حزب الله اللبناني، تركيا، قطر، السعودية الولايات المتحدة...إلخ. وبالنظر لحسابات المصالح السياسية، ولتوفر العوامل المساعدة نفسها على تأجيج الصراع وزرع الأحقاد وروح الانتقام، كما كان حاصلا بالنسبة للبلقان، والتي قد تمتد عقوداً على أقل تقدير، وقد تسهم في تقويض أي أسس للعيش المشترك مستقبلا، أي العوامل العرقية والطائفية (كالمكون السني المناهض في عمومه للحكم القائم، والمكون العلوي الموالي للنظام، والتركماني الأقرب إلى تركيا والكردي الطامح إلى إنشاء كيان مستقل، والأشوري والدرزي والشركسي واليزيدي...الخ) وانخراط هذه المكونات في أحلاف ومحاور إقليمية ودولية بما يخدم مصالحها الآنية بعيدا عن أي رؤية استشرافية للمستقبل الذي يبدو قاتما.
لا تكمن مخاطر الصراع السوري فقط في حجم الخسائر المادية والبشرية الهائلة التي نجمت عنه، والتي لازال الوقت مبكرا لجردها وإحصائها فقط، بل تتعداه إلى أنه لن يبقى منحصرا في الحدود الجغرافية للدولة السورية، كما حددتها اتفاقية "سايكس بيكو" (1915-1916) على الأرجح، بل قد يتعداه ليشمل المحيط الإقليمي والدولي، بالنظر لانخراط تنظيمات مختلفة وقوى دولية بشكل مباشر، مثل روسيا المنخرطة مباشرة في الصراع، والتي تحاول الدفاع عن موطئ قدم لها على المياه الدافئة شرق المتوسط، وعلى مقربة من مضيق البوسفور، وإيران التي تدافع عن حليفها بشار الأسد على خلفيات طائفية بحثة، أو احتمالية تورط دول أخرى في مجريات الصراع في أي وقت، مثل تركيا بسبب المكون الكردي المتاخم لحدودها الجنوبية والمناوئ لها أو السعودية عبر محاولة حماية الأغلبية السنية، أو ربما "الناتو" باعتباره ملزماً بالدفاع عن عضو أساسي في الحلف، أي تركيا، في أي حرب مباشرة محتملة، هذا من دون أن ننسى الجانب الإسرائيلي في معادلة الصراع المعقدة، كما لا يمكن إغفال أن الأزمة السورية جعلت أوروبا طرفا مباشرا في الصراع، نظرا لأزمة اللاجئين المتفاقمة التي قسمت أوربا إلى معسكرين، على خلفية نظام الحصص المتعلق باستقبال اللاجئين، ما ينذر بنسف فضاء شنغن مقابل تبني سياسة أكثر حمائية وانغلاقاً من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي .
الأزمة السورية التي يمكن اعتبارها كأخطر صراع مسلح، وأخطر مأساة إنسانية في القرن 21، بالقدر الذي ينكشف من خلالها ضعف الهيئات المختلفة المنبثقة عن الأمم المتحدة ومحدوديتها، وبشكل خاص مجلس الأمن الدولي، في إيجاد حل سلمي ينهي المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري، ويلبي الحد الأدنى من متطلباته في الحرية و العدالة والديمقراطية، ويقوم بحماية السلم والأمن الدوليين، بالقدر الذي يتأكد معه يوماً بعد يوم أن اللاعبين الأساسيين والضابطين لإيقاعات الصراع ينحصران في الولايات المتحدة وروسيا، وبأن أي نهاية لقصة النزاع التراجيدي المحتدم، لا بد من أن تكتب فصولها على يد القوتين العظميين، بما يخدم مصالحهما الاستراتيجية، بغض النظر عن حجم المأساة أو عدد الضحايا أو جدلية الظالم والمظلوم أو القيم الإنسانية الكونية.
وتكمن خطورة صراعات البلقان في أنها السبب المباشر في اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وما مثله ذلك من انخراط مباشر لمحاور ودول عديدة، حيث لعبت الورقة العرقية، إلى جانب الأطماع الاستعمارية، دوراً محوريا في إذكاء النزاعات، سواء بحجة الدفاع عن هذا المكون العرقي أو ذاك، كما هو حاصل بالنسبة للتدخل الروسي بحجة الدفاع عن السلاف الأرثودوكس، أو الأتراك بحجة الدفاع عن المسلمين، أو الألمان بحجة الدفاع عن المجريين والنمساويين الأقرب ثقافيا وهوياتيا ضد الصرب السلافيين...الخ.
ونتيجة ذلك، كانت لأزمة البلقان تداعيات خطيرة وطويلة الأمد، ليس على الدول المشكلة شبه الجزيرة فحسب، بل انعكست نتائجها الكارثية على المحيط الأوربي برمته، وألقت بظلالها على العلاقات الدولية في مجملها، وترجمت عمليا إلى إعادة رسم للخرائط السياسية والجغرافية للقارة، كما نتجت عن ذلك ثورات ورجات متتالية استمرت لعقود وألقت بثقلها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر صراعات دموية أكثر كارثية ودموية سواء من خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) أو حرب البوسنة والهرسك (1992-1995) بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد اليوغسلافي، ولا زالت رواسبها باديةً لحدود الساعة، ما يمكن أن نسميه البركان الخامد الذي من شأنه أن يلقي بحممه في الأرجاء كافة، وفي أي وقت، بالنظر لاستمرارية عوامل وبذور الصراع الإثني والهوياتي بالأساس.
يبدو أن المشهد نفسه يمكن أن يتكرر الآن في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من اختلاف الرقعة الجغرافية والظروف التاريخية، وقد بدأ ذلك يتبلور عمليا من خلال الصراع السوري المحتدم منذ أزيد من خمس سنوات، ويزداد تعقيدا يوما بعد يوم، سواء بسبب كثرة الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة بشكل مباشر أو غير مباشر في الصراع كروسيا، إيران، حزب الله اللبناني، تركيا، قطر، السعودية الولايات المتحدة...إلخ. وبالنظر لحسابات المصالح السياسية، ولتوفر العوامل المساعدة نفسها على تأجيج الصراع وزرع الأحقاد وروح الانتقام، كما كان حاصلا بالنسبة للبلقان، والتي قد تمتد عقوداً على أقل تقدير، وقد تسهم في تقويض أي أسس للعيش المشترك مستقبلا، أي العوامل العرقية والطائفية (كالمكون السني المناهض في عمومه للحكم القائم، والمكون العلوي الموالي للنظام، والتركماني الأقرب إلى تركيا والكردي الطامح إلى إنشاء كيان مستقل، والأشوري والدرزي والشركسي واليزيدي...الخ) وانخراط هذه المكونات في أحلاف ومحاور إقليمية ودولية بما يخدم مصالحها الآنية بعيدا عن أي رؤية استشرافية للمستقبل الذي يبدو قاتما.
لا تكمن مخاطر الصراع السوري فقط في حجم الخسائر المادية والبشرية الهائلة التي نجمت عنه، والتي لازال الوقت مبكرا لجردها وإحصائها فقط، بل تتعداه إلى أنه لن يبقى منحصرا في الحدود الجغرافية للدولة السورية، كما حددتها اتفاقية "سايكس بيكو" (1915-1916) على الأرجح، بل قد يتعداه ليشمل المحيط الإقليمي والدولي، بالنظر لانخراط تنظيمات مختلفة وقوى دولية بشكل مباشر، مثل روسيا المنخرطة مباشرة في الصراع، والتي تحاول الدفاع عن موطئ قدم لها على المياه الدافئة شرق المتوسط، وعلى مقربة من مضيق البوسفور، وإيران التي تدافع عن حليفها بشار الأسد على خلفيات طائفية بحثة، أو احتمالية تورط دول أخرى في مجريات الصراع في أي وقت، مثل تركيا بسبب المكون الكردي المتاخم لحدودها الجنوبية والمناوئ لها أو السعودية عبر محاولة حماية الأغلبية السنية، أو ربما "الناتو" باعتباره ملزماً بالدفاع عن عضو أساسي في الحلف، أي تركيا، في أي حرب مباشرة محتملة، هذا من دون أن ننسى الجانب الإسرائيلي في معادلة الصراع المعقدة، كما لا يمكن إغفال أن الأزمة السورية جعلت أوروبا طرفا مباشرا في الصراع، نظرا لأزمة اللاجئين المتفاقمة التي قسمت أوربا إلى معسكرين، على خلفية نظام الحصص المتعلق باستقبال اللاجئين، ما ينذر بنسف فضاء شنغن مقابل تبني سياسة أكثر حمائية وانغلاقاً من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي .
الأزمة السورية التي يمكن اعتبارها كأخطر صراع مسلح، وأخطر مأساة إنسانية في القرن 21، بالقدر الذي ينكشف من خلالها ضعف الهيئات المختلفة المنبثقة عن الأمم المتحدة ومحدوديتها، وبشكل خاص مجلس الأمن الدولي، في إيجاد حل سلمي ينهي المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري، ويلبي الحد الأدنى من متطلباته في الحرية و العدالة والديمقراطية، ويقوم بحماية السلم والأمن الدوليين، بالقدر الذي يتأكد معه يوماً بعد يوم أن اللاعبين الأساسيين والضابطين لإيقاعات الصراع ينحصران في الولايات المتحدة وروسيا، وبأن أي نهاية لقصة النزاع التراجيدي المحتدم، لا بد من أن تكتب فصولها على يد القوتين العظميين، بما يخدم مصالحهما الاستراتيجية، بغض النظر عن حجم المأساة أو عدد الضحايا أو جدلية الظالم والمظلوم أو القيم الإنسانية الكونية.
مقالات أخرى
21 يونيو 2016