19 أكتوبر 2019
الأزمة الليبية وهذا الدعم الخارجي
يفترَض عموماً أن تدخّل الأطراف الخارجية في الأزمات الداخلية غايته تسوية هذه الأخيرة، أو على الأقل المساهمة في حلها بتسهيل المفاوضات وإقناع الأطراف المحلية المتنازعة بضرورة وجدوى الحل السلمي. لكن الواقع غير ذلك، ليس لأن الأطراف المتدخلة أو المعنية بأزمة داخلية لا تريد بالضرورة تسويتها ولكن لأن مصالحها لا تتقاطع بالضرورة كما إطالة أمد الأزمة، بعض الشيء يكون من مصلحتها. ما يجعل التسوية المنشودة ترضي أطرافاً ولا ترضي أخرى، وتعد الأزمة الليبية نموذجاً لذلك، لأنها تحولت إلى مسرح لصراع وأحياناً توافق فواعل إقليمية ودولية تختلف غايتها وأساليبها في التعامل مع هذه الأزمة. وهكذا، كثيراً ما يكون المتغير الخارجي عقبةً أساسيةً أمام تسوية الصراعات الداخلية.
ينطبق الأمر على الحالة الليبية، فللقوى المعنية بها مآرب تتقاطع في جوانب، وتختلف في أخرى. ولنكتفِ هنا بمواقف مصر والإمارات وفرنسا المدعّمة لمعسكر خليفة حفتر، لأسبابٍ ليست بالضرورة ذاتها، فموقف مصر يحدّده عاملان: أيديولوجي يتمثل في اعتبار نظامه دعم معسكر حفتر امتداداً للصراع مع الإخوان المسلمين. بمعنى أن الوقوف ضد إسلاميي ليبيا تحكمه اعتباراتٌ مصرية داخلية. وأمني، يكمن في حاجة مصر الماسّة إلى محاور/ متعاون في المجال الأمني، يمكن الاعتماد عليه، والتعاون معه، لمراقبة الحدود المشتركة بين مصر ولييبا. وبما أن حفتر معاد للإسلاميين، ومسيطر عسكرياً على الجزء الشرقي من ليبيا، بما في ذلك المناطق الحدودية مع مصر، فهو ليس فقط المحاور/ المتعاون الأنسب، بل الأمثل. فالتوافق الأيديولوجي لا يقل أهميةً للنظام المصري عن التوافق الأمني. أما الإمارات فيستند موقفها إلى اعتبارها ليبيا امتداداً لصراعها مع "الإخوان المسلمين" خصوصاً، والإسلاميين عموماً، وتجسيداً لتحالفها مع مصر.
تعد الإمارات في وضع استراتيجي مريح للغاية مقارنة بمصر، فهي بعيدةٌ عن الأراضي الليبية، وبالتالي عن تداعياتها الأمنية، ولكن لا سقف لدعمها معسكر حفتر، فموقفها غير معني بالحذر لدواع أمنية. وتعتبر هذه الحالات الأخطر على مسارات التسوية للأزمات المحلية، لأنها لا تدفع نحو الحل السلمي الحقيقي، ما دامت لا تتضرّر أمنياً من الأزمة. بينما مصر في وضع غير مريح، لأن التداعيات الأمنية للأزمة الليبية جدّية. وحتى في عز التعاون، بل التحالف مع معسكر حفتر، فإن اللايقين الأمني يبقى سيد الموقف. ثم إن العامل الأيديولوجي يضعف موقف مصر، لأن فصائل معسكر حفتر تعلم جيداً أن النظام المصري في حاجة لتعاونها، لأسبابٍ تخص السياسة الداخلية المصرية. وهذا ما يعطي ثقلاً لتلك الفصائل في العلاقة مع مصر. فضلاً عن معاداة الإسلاميين، فإن نقطة التوافق الأخرى بين مصر والإمارات هي مكافحة الإرهاب، لكن الأخير فقد محتواه مع مرور الزمن، إلى درجة أن غالبية الأنظمة التي تتذرّع به لا تفرق، متعمدة، بين عناصر التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش" و"القاعدة" والحركات المسلحة، ومجرد المعارضين.
أما موقف فرنسا من الأزمة الليبية فيحكمه عاملان. يكمن الأول في محاربة الإرهاب، ذلك أن تحول ليبيا إلى معقل للجماعات الإرهابية لا يخلط فقط الأوراق السياسية في ليبيا، بل يهدد أمن الجوار الساحلي، لا سيما النيجر ومالي، فهناك مصلحة فرنسية في الحد من النشاط الإرهابي في ليبيا، حماية للساحل الأفريقي ولمصالحها هناك. وهناك مصلحةٌ فرنسيةٌ في تجنب امتدادات هذا النشاط الإرهابي إلى الأراضي الأوروبية. ويتمثل العامل الثاني في محاربة الهجرة السرية نحو أوروبا، ففي غياب سلطة ليبية مركزية وقوية، فإن الأطراف الليبية الأقوى، والأكثر معاداة للإسلاميين، والأكثر انخراطاً في محاربة الإرهاب في ليبيا، هي التي يجب التعاون معها ودعمها.
لهذه الأسباب المتقاطعة في بعض جوانبها، يوجد توافق استراتيجي بين مصر والإمارات وفرنسا بشأن الأزمة الليبية. وتستفيد الثلاث من غياب قوة موازنة في الساحة الليبية، إذ لا توجد قوة تلعب دوراً مشابهاً للذي تلعبه روسيا في سورية، فكل الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دولياً، لا ترغب في تسليحها، محترمة بذلك الحظر الدولي على الأسلحة المفروض على ليبيا، لكن الأطراف الداعمة معسكر حفتر لا تتردد في انتهاك الحظر، من دون أن تطاولها عقوبات دولية. ما يعني أن أطرافاً دولية تلعب لعبةً مزدوجة في ليبيا، فهي تقول بالتسوية السلمية في العلن، وتدعم معسكر حفتر عبر أطراف ثالثة، بغض النظر عن تسليح هذه الأطراف له.
هكذا تصير المواقف الإقليمية والدولية عقبة إضافية أمام تسوية الأزمة الليبية، لأن أطرافاً ربطت صراعاتها الداخلية بهذه الأزمة، ناقلة إياها إلى أراضي ليبيا جاعلة منها خطاً أمامياً. كما أن الفواعل الإقليمية والدولية تعي جيداً أن الأطراف الليبية الموالية لها، بحكم حاجتها إلى الدعم الخارجي، مستعدّة لقبول أمور لن تقبل بها، لو كانت تتمتع بشرعيةٍ محليةٍ قوية تقيها الضغوط الخارجية. كثيراً ما تعتقد الأطراف المحلية المتصارعة أن الدعم الخارجي هو السبيل الوحيد لتمكينها من حسم الصراع لصالحها على حساب الفصائل الأخرى، متجاهلة إشكالية التوظيف الخارجي للصراعات المحلية، لتحقيق أهدافٍ يصعب تحقيقها في الأوضاع "العادية"، وإن تسنّى ذلك، فإن الكلفة ستكون مرتفعة. ولذلك، الدعم الخارجي سلاح ذو حدين؛ قد يساعد في حسم الصراع الداخلي، كما قد يقود إلى إطالة أمده.
تعد الإمارات في وضع استراتيجي مريح للغاية مقارنة بمصر، فهي بعيدةٌ عن الأراضي الليبية، وبالتالي عن تداعياتها الأمنية، ولكن لا سقف لدعمها معسكر حفتر، فموقفها غير معني بالحذر لدواع أمنية. وتعتبر هذه الحالات الأخطر على مسارات التسوية للأزمات المحلية، لأنها لا تدفع نحو الحل السلمي الحقيقي، ما دامت لا تتضرّر أمنياً من الأزمة. بينما مصر في وضع غير مريح، لأن التداعيات الأمنية للأزمة الليبية جدّية. وحتى في عز التعاون، بل التحالف مع معسكر حفتر، فإن اللايقين الأمني يبقى سيد الموقف. ثم إن العامل الأيديولوجي يضعف موقف مصر، لأن فصائل معسكر حفتر تعلم جيداً أن النظام المصري في حاجة لتعاونها، لأسبابٍ تخص السياسة الداخلية المصرية. وهذا ما يعطي ثقلاً لتلك الفصائل في العلاقة مع مصر. فضلاً عن معاداة الإسلاميين، فإن نقطة التوافق الأخرى بين مصر والإمارات هي مكافحة الإرهاب، لكن الأخير فقد محتواه مع مرور الزمن، إلى درجة أن غالبية الأنظمة التي تتذرّع به لا تفرق، متعمدة، بين عناصر التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش" و"القاعدة" والحركات المسلحة، ومجرد المعارضين.
أما موقف فرنسا من الأزمة الليبية فيحكمه عاملان. يكمن الأول في محاربة الإرهاب، ذلك أن تحول ليبيا إلى معقل للجماعات الإرهابية لا يخلط فقط الأوراق السياسية في ليبيا، بل يهدد أمن الجوار الساحلي، لا سيما النيجر ومالي، فهناك مصلحة فرنسية في الحد من النشاط الإرهابي في ليبيا، حماية للساحل الأفريقي ولمصالحها هناك. وهناك مصلحةٌ فرنسيةٌ في تجنب امتدادات هذا النشاط الإرهابي إلى الأراضي الأوروبية. ويتمثل العامل الثاني في محاربة الهجرة السرية نحو أوروبا، ففي غياب سلطة ليبية مركزية وقوية، فإن الأطراف الليبية الأقوى، والأكثر معاداة للإسلاميين، والأكثر انخراطاً في محاربة الإرهاب في ليبيا، هي التي يجب التعاون معها ودعمها.
لهذه الأسباب المتقاطعة في بعض جوانبها، يوجد توافق استراتيجي بين مصر والإمارات وفرنسا بشأن الأزمة الليبية. وتستفيد الثلاث من غياب قوة موازنة في الساحة الليبية، إذ لا توجد قوة تلعب دوراً مشابهاً للذي تلعبه روسيا في سورية، فكل الأطراف الإقليمية والدولية الداعمة حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دولياً، لا ترغب في تسليحها، محترمة بذلك الحظر الدولي على الأسلحة المفروض على ليبيا، لكن الأطراف الداعمة معسكر حفتر لا تتردد في انتهاك الحظر، من دون أن تطاولها عقوبات دولية. ما يعني أن أطرافاً دولية تلعب لعبةً مزدوجة في ليبيا، فهي تقول بالتسوية السلمية في العلن، وتدعم معسكر حفتر عبر أطراف ثالثة، بغض النظر عن تسليح هذه الأطراف له.
هكذا تصير المواقف الإقليمية والدولية عقبة إضافية أمام تسوية الأزمة الليبية، لأن أطرافاً ربطت صراعاتها الداخلية بهذه الأزمة، ناقلة إياها إلى أراضي ليبيا جاعلة منها خطاً أمامياً. كما أن الفواعل الإقليمية والدولية تعي جيداً أن الأطراف الليبية الموالية لها، بحكم حاجتها إلى الدعم الخارجي، مستعدّة لقبول أمور لن تقبل بها، لو كانت تتمتع بشرعيةٍ محليةٍ قوية تقيها الضغوط الخارجية. كثيراً ما تعتقد الأطراف المحلية المتصارعة أن الدعم الخارجي هو السبيل الوحيد لتمكينها من حسم الصراع لصالحها على حساب الفصائل الأخرى، متجاهلة إشكالية التوظيف الخارجي للصراعات المحلية، لتحقيق أهدافٍ يصعب تحقيقها في الأوضاع "العادية"، وإن تسنّى ذلك، فإن الكلفة ستكون مرتفعة. ولذلك، الدعم الخارجي سلاح ذو حدين؛ قد يساعد في حسم الصراع الداخلي، كما قد يقود إلى إطالة أمده.