عاد الجدل في تونس، حول مصير المؤسسات الإعلامية العمومية (الرسمية)، إلى الواجهة مع بداية الأسبوع، إثر مشاكل عديدة تعانيها بعض المؤسسات الإعلامية العمومية وعدم إبداء الحكومة التونسية حرصاً على حلّ هذه المشاكل، وهو ما رأى فيه البعض مؤشراً على رغبة غير معلنة من الحكومة في التخلص من الأعباء المالية لهذه المؤسسات.
والمؤسسات هي التلفزيون الرسمي بقناتيه الفضائيتين والإذاعة الرسمية بمحطاتها الإذاعية العشر، ودار "سنيب لابراس" التي تُصدر صحيفتي "لابراس" و"الصحافة اليومية"، ووكالة تونس أفريقيا للأنباء (وكالة الأنباء الرسمية)، يضاف إليها المؤسسات التي صادرتها الدولة التونسية وكانت ملكاً لعائلة الرئيس التونسي المخلوع والتي تشرف على تسييرها الحكومة التونسية، وهي إذاعة "شمس أف أم" وإذاعة "الزيتونة للقرآن الكريم" و"دار الصباح" التي تصدر ثلاث صحف.
وتعاني كل هذه المؤسسات من صعوبات مالية كبرى وصلت إلى حدّ عجز البعض منها وهي صحيفتا "لابراس" و"الصحافة اليوم" وإذاعة "شمس أف أم" عن دفع الأجور الشهرية للعاملين فيها. هذه الوضعية دفعت مدير صحيفة "الصحافة اليوم" ورئيس تحريرها، الهاشمي نويرة، إلى التنبيه إلى رغبة حكومية في التخلص من مؤسسات الإعلام العمومي؛ إذ كتب "البرنامج الحكومي لإصلاح القطاع العمومي: الـ"سنيب" مثالا... خطوة خطوة نحو التفليس والتفويت (الخصخصة)، أطلقنا صيحة الفزع تلو الأخرى ولا من مستجيب، الصحافيون سيخسرون أمّ المعارك، معركة استقلالية الإعلام والإعلام العمومي تحديدا".
رأي يشاركه فيه واحد من كبار الصحافيين التونسيين، وهو الإعلامي والكاتب حسن بن عثمان الذي كتب موجها الاتهام مباشرة لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، محملًا إياه مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في صحيفة "الصحافة اليوم"، قائلاً: "يعمل رئيس الحكومة على تدمير جريدة الصحافة والقضاء عليها، بالتجويع والتركيع والإبادة والاندثار ... فعيّن لنا واحدا منّا، من مؤسسة سنيب لابراس، يكره اللغة العربية...".
وضعية مؤسسات الإعلام العمومي (الرسمي) تحدث عنها أيضا نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، في افتتاح ندوة نظمتها الإذاعة الرسمية التونسية حول الإعلام بمناسبة الاحتفال بمرور 80 سنة على تأسيسها. إذ قال: "معظم التونسيين اليوم ليسوا راضين على أداء وسائل الإعلام في تونس... نعيش اليوم مرحلة تحول ديمقراطي، وبصدد التحول من بلد استبدادي إلى بلد حر، ومن لا يؤمن بحدوث ثورة في هذا البلد أو يسعى لوضع اليد على وسائل الإعلام فهو مخطئ وخارج التاريخ، لذلك نؤكد أن المستقبل سيكون لحرية الإعلام واستقلاليته، وسندعم هذا المسار مهما كلفنا الأمر".
وأضاف البغوري: "من الغريب أن ينتقد الجميع أداء المؤسسات الإعلامية العمومية، ويجهلون في نفس الوقت الظروف الحقيقية التي يعمل فيها الصحافيون والتقنيون، وما يجب توفيره من إصلاحات قانونية أو هيكلية لتطوير الخدمة الإعلامية ومزيد القرب من الجمهور".
نقائص في كل المستويات يؤكدها المطلعون على ظروف عمل وسائل الإعلام العمومية، ويطالبون بتلافيها حتى يمكن لهذه المؤسسات تقديم مضامين إعلامية قادرة على منافسة الإعلام الخاص، لكن هذا يتطلب إرادة سياسية من الحكومة التونسية لدعم الإعلام العمومي وعدم تفويته ببيع مؤسساته.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل، كبرى المنظمات النقابية، قد نشر قائمة المؤسسات العمومية التي تنوي الحكومة بيعها وضمت القائمة مؤسسات إعلامية، لكنه فرض على الحكومة من خلال التهديد بإضرابات عامة، الالتزام، الأحد الماضي، بعدم التفويت بالبيع في المؤسسات الرسمية والعمل على إصلاحها، وهو ما بعث شيئاً من الطمأنينة في نفوس العاملين في مؤسسات الإعلام الرسمي، ليبقى الإعلام العمومي أكبر ضمان لانتقال ديمقراطي ناجح، وفقاً لتأكيد أغلب الخبراء المختصين بهذا المجال.