مؤتمر حركة النهضة العاشر الحدث الأبرز على الإطلاق في الساحة السياسية التونسية في الربيع القادم، مؤتمر استثنائي يصفه القائمون عليه بالمضموني ويأتي هذا الحدث بعد تأجيل للمؤتمر عبر استفتاء داخلي أقرّ بالتأجيل نظراً لتزامن عقده في وقته مع الانتخابات التشريعية لسنة 2014.
قد يكون لمؤتمر حركة النهضة أثر على الساحة السياسية من حيث تدعيم الديمقراطية الداخلية في الأحزاب والمرور بتبني الخيارات الكبرى الاستراتيجية منها والمرحلية عبر المصادقة من قبل المؤتمر العام لها ولكن الأهمّ من ذلك يبقى في المرور إلى ترسيخ المضامين المتبنّاة في تلك المؤتمرات، فالديمقراطية داخل الحركة والبلاد شعار رفع منذ تكوين الجماعة الإسلامية في سنة 1979 كأوّل تمظهر هيكلي وتنظيمي لحركة النهضة اليوم ويبقى التأكيد على البعد الديمقراطي الداخلي في بعض الأحيان معطى متخماً لأسئلة المؤتمر الحقيقيّة على الرغم من تباهي قواعدها بكونها الحزب الكبير الوحيد الذي قام بمؤتمر بعد الثورة التونسية ويستعد لمؤتمره الثاني فيما تتّسم جلّ الأحزاب بالانشطارية حتى قبل وصولها لعقد مؤتمراتها.
"وصل أم فصل" تلك الجملة المفتاح التي تتردد في أوساط النهضويّين منذ المؤتمر التاسع لحركة النهضة والذي ركّز على الطابع الهيكلي وتثبيت شرعيات الهياكل الحزبيّة ورحّل للمؤتمر العاشر مسألة "الفصل والوصل"، هذا الأخير الذي يدلّ على الفصل بين الجانب الاجتماعي والثقافي وحتى الدعوي مع الجانب السياسي أو الوصل بينها، كما كان معتمداً في ثمانينيات القرن الماضي باعتبار شمولية الحركة كحزب وحركة دعوية وتربوية مؤمنة بأنّ لكلّ حزب مشروعه الذي يروّج له في المجتمع.
سؤال "الفصل والوصل" بين الدعوي أو الحركي كما يحلو لأبناء الحركات الإسلامية في العالم أن يصفوه ليس سؤال المؤتمر الحقيقي فحركة النهضة اليوم لا تقوم بدور دعوي فهي تشتغل في السياسة فقط ومدركة تمام الإدراك بأنّ الشعب التونسي شعب مسلم إن احتاج للدعوة فلن تكون عبر حزب سياسي يدعوه للصلاة ثم يدعوه للتصويت له في الانتخابات وهو ما يجعل تفاعل النهضة الحقيقي يكمن في كيفيّة إرضاء الناخب التونسي وتقديم حلول عمليّة للفقر والظلم والمرض والفساد والبطالة، لا تلك التي تطلقها أغلب الحركات الإسلامية وشعارات "الإسلام هو الحلّ" والتي في أغلبها يكون الإسلام هو الحلّ ولكن حاملي ذلك الشعار هم المشكل ذاته.
أكاد أجزم بأنّ المؤتمرات لا تأتي من أجل تغيير الوضع القائم ولا لحلحة الأمور ولا لوضع حلول ولكنها إمّا تقرّ تفاعلاً مع واقع فيسبق الفعل المتبنّى من قبل المجموعة إقراره فلن تكون المفاجأة أن يقرّ مؤتمر حركة النهضة منهج التوافق ولا التحالف مع نداء تونس ولا دعم كلّ من يصل للحكم عبر الانتخابات، فهذا من مسلّمات الممارسة التي يتمّ إقرارها فعلياً قبل المصادقة عليها في المؤتمر.
تبقى الأسئلة الأهمّ من حوارات "الفصل والوصل" تلك المتعلّقة بهويّة حركة النهضة هل هي امتداد للحركة الإصلاحية التونسية ورمزها كالشيخ عبد العزيز الثعالبي وخير الدين باشا أم أنّها حركة إخوانية تجد لها جذوراً في الحركة الإصلاحية العربية التي انطلقت مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده أو أنّها حركة تونسية استلهمت من الجميع وشقّت طريقها تتفاعل وتتغيّر كلّما دعت الحاجة لذلك، وهذا الأرجح في نظري، فليس لها لا امتداد متواتر لأعلام الحركة الإصلاحية ولا يعيبها أن لا يكون لها ذلك النسب، فيما يبقى ذلك هاجساً لدى نخبة تتساءل عن الأصل والنسب لأحزاب سياسية في الوقت الذي تموت فيه الإيديولوجيا تدريجياً في العالم العربي ويبقى سؤال الخبز أهم الأسئلة.
وحتى تلك المتعلّقة بالهويّة لا تعتبر أهمّ الأسئلة التي يجب أن يجيب عليها النهضويّون في مؤتمرهم القادم، فواقعهم يعبّر على هويتهم ولن تفيد مجرّد أسطر تكتب في لوائح المؤتمر الثقافية أو الفكريّة في تعريف هويّتهم التي يعتبر من المبكّر في نظري كتابتها فالتحوّلات العميقة في فكر حركة النهضة مازالت لم تتبلور بعد وتثبيت تلك التحوّلات سيجعل منها هويّة تعبّر على واقع الحركة، لا أن تفرض هويّة في أوراق مؤتمر لتعاد صياغتها في غضون أشهر من نهاية المؤتمر، أمّا الأهمّ هو الإجابة عن أسئلة ما موقف النهضة من الفساد؟ ما هو موقفها من الظلم؟ ما هو موقفها من الفقر؟ ما موقفها من التفاوت الطبقي؟ ما موقفها من الليبرالية المتوحشة التي تعصف باقتصاد البلاد؟ ما موقفها من التفكّك في المجتمع وانتشار الجريمة؟ وما هي آلياتها في إيجاد حلول لكلّ ذلك بعيداً عن لغة الاستنكار والشجب والتعبير عن الحزن والأسف.
إذا لم تجد حركة النهضة لها دوراً في المجتمع التونسي وفي إيجاد حلول حقيقيّة للفقير والعاطل عن العمل والمظلومين، فلن تكون غير رقم حاضر في السياسة غائب في المجتمع فغائب بعد فترة في السياسة باعتبار أنّ جلّ ناخبيها وقواعدها من الطبقة الكادحة المنتظرة لحلول وخاصّة لشجاعة في الطرح وفي التحرّك، فالمنوال الاقتصادي يحتاج لكفاءات تدرك ما تفعل ولمناضلين لا يخافون المبادرة، فليس هناك ما هو أسوأ ممّا وصلنا إليه اقتصادياً.
مكافحة الفساد الذي استشرى وتضاعف بعد الثورة لضعف الحكومات وتواطئها من جهة ولتكريس منطق الأسياد والعبيد الذي ظننا أنّه انتهى ولكنّه انتشر حتى والنهضة في الحكم والتي هرولت لطمأنة رجال الأعمال وخاصة منهم الفاسدين ولم تساهم في ظهور طبقة رجال أعمال نظيفة، وهو ما يؤكّد بأن أسئلة المؤتمر ليست دعوية ولا متعلّقة بهويّة، وإنما أسئلة مواقف من الفساد والظلم والثورة والشباب، فإن لم تكن هذه أسئلة المؤتمر فلن يعدو كونه فضاءً للخطب التي لن تغيّر إلا رقماً من أرقام مؤتمر حركة تتغيّر وتتطوّر بعيداً عن مؤتمراتها.
(تونس)