تحسّن سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار والعملات الرئيسية بأكثر من 35% خلال شهر، فبعد أن زاد تصريف الدولار الواحد بدمشق عن 3000 ليرة في 8 يونيو/حزيران الماضي، سجل سعر الدولار اليوم الأحد نحو 1800 ليرة بالسوق السوداء، في حين سعّر المصرف المركزي سعر دولار الحوالات والتصدير بـ1250 ليرة.
لكن أسعار السلع والمنتجات التي ارتفعت بنحو 30%، خلال تهاوي سعر الصرف في الشهرين الماضيين، لم تتراجع اليوم بعد تحسن سعر العملة السورية، عدا سعر الذهب الذي يواكب تعافي الليرة، فانخفض سعره بنحو 10% خلال أسبوع، ليتراجع سعر الغرام عيار 21 قيراطاً من 105 آلاف ليرة، السبت الفائت 18 يوليو/تموز، إلى 95 ألف ليرة في إغلاق أمس السبت 25 تموز/يوليو الجاري.
وحول أسباب تعافي الليرة السورية، يقول المحلل المالي علي الشامي: "أولاً لنلفت إلى أن هذا السعر (سياسي أمني) وليس سعراً حقيقياً لليرة، لأن شيئاً لم يتغير على صعيد الاقتصاد السوري، بل على العكس، زاد استنزاف ما تبقى من احتياطي نقدي وزاد الخلل بالميزان التجاري ولم يأت سياح. فالسؤال، كيف تحسن سعر الصرف بهذه النسبة الكبيرة جداً، والتي تعدت 35% خلال شهر؟!".
ويتابع المحلل السوري من دمشق، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن السبب أمني يعود إلى تشديد الرقابة على المتعاملين بأي عملة عدا السورية، بل وسجنهم ومصادرة أموالهم بحسب مرسوم رئيس النظام السوري، فضلاً عن إغلاق العديد من شركات الصيرفة والحضور الأمني المستمر بأسواق المرجة والحريقة المالييّن.
ويلفت الشامي إلى أن بعض الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها المصرف المركزي، مثل رفع سعر الحوالات الخارجية من 700 إلى 1250 ليرة وإعلان الاكتتاب على شهادات الإيداع بالليرة، قد تكون سحبت بعض السيولة من العملة السورية وزادت من تدفق القطع الأجنبي، مع اقتراب عيد الأضحى وتحويل المغتربين لأهلهم وذويهم.
ويختم المحلل السوري قائلا إن تحسن السعر الذي ينسبه لتشديد القبضة الأمنية بمعظمه، الأرجح ألا يستمر مع إصدار حزمة ثانية من العقوبات الأميركية وفق قانون قيصر، لأن التهاوي الأكبر جاء بالتزامن مع الحزمة الأولى، لكنها لم تكن كما تم الترويج لها ولم تطاول أسماء وشركات جديدة.
ولم تتأثر أسعار السلع والمنتجات بتحسن سعر الليرة السورية، إذ بقيت الأسعار مرتفعة بحسب مصادر من دمشق، بل ارتفعت بعض الأسعار خلال الأسبوع الماضي، في مقدمتها اللحوم.
فقد ارتفع سعر كيلو لحم الخروف الحي "للأضاحي" من 2800 ليرة العام الماضي إلى نحو 6.5 آلاف ليرة اليوم، وزاد سعر كيلو لحم الخروف بدمشق اليوم الأحد عن 20 ألف ليرة سورية، وسعر كيلوغرام شرحات الدجاج بنحو 3500 ليرة سورية.
وكتب الإعلامي السوري قصي عيادة على صفحته على فيسبوك أمس: "اشتريت صباحا فروجا نيئا سعر الواحد 7750 ليرة سورية، شكرا للحكومة على سياسة حرمان حتى الناس من أكل الدجاج الذي كان يسد رمق الفقير".
وحافظت معظم المنتجات على أسعارها خلال تراجع سعر صرف الليرة، فسعر كيلو الطماطم 800 ليرة والبطاطا 700 ليرة والبامية 800 ليرة والبازلاء 700 ليرة، وتراوح سعر الفواكه بين 2000 و3000 ليرة. ليبقى الارتفاع الأكبر لحلوى العيد التي تتراوح أسعارها بين 35 و50 ألف ليرة للكيلو الواحد.
ويقول الاقتصادي حسين جميل لـ"العربي الجديد" إن معظم أسعار السلع والمنتجات، خاصة المستوردة أو التي تدخل في إنتاجها مكونات مستوردة، ثابتة، لأنها دخلت سورية وفق سعر الدولار السابق وتم تخزينها أو طرحها تباعاً بالأسواق، وربما نرى تراجعاً ببعض الأسعار خلال الفترة المقبلة، بعد طرح المستوردات بالسعر الجديد.
ويضيف الاقتصادي السوري: لكن السلع والمنتجات المحلية قلما يتراجع سعرها، لأن العرض أقل بكثير من حجم الطلب، بخاصة اللحوم بعد إغلاق مزارع تربية الدواجن بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وتراجع القطيع الغنمي وزيادة الطلب عليه خلال عيد الأضحى.
ويرى جميل أن الحل الوحيد لكسر حدة الأسعار هو التدخل الحكومي وعلى مستويين، الأول بيع السلع والمنتجات عبر صالات مؤسسة التجارة بأسعار تنافسية، بالتوازي مع تشديد الرقابة على الأسواق، والمستوى الثاني زيادة الرواتب والأجور لترتفع قدرة السوريين الشرائية وتحريك الأسواق الراكدة.
وعلم "العربي الجديد"، من مصادر مطلعة في دمشق، أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية اقترحت على رئاسة مجلس الوزراء إصدار "عيدية للسوريين" ودراسة إمكانية زيادة الرواتب والأجور، وتخفيض الضرائب على الرواتب لتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، وتحويل جزء من النفقات في الموازنة العامة للدولة لمصلحة أصحاب الرواتب والأجور، مع تقديم مخصصات عينية بشكل شهري للأسر الأكثر احتياجاً.
ولأن الأجور، بواقعها الحالي، لا يمكن أن تسد ولو جزءاً من الأعباء المعيشية، بعد ارتفاع الأسعار بأكثر من 14 ضعفاً منذ عام 2011، في حين لم تزد الرواتب، خلال الزيادات الخمس السابقة، عن 30%، ولم يتعد متوسط الأجور 50 ألف ليرة، فإن تكاليف المعيشة لأسرة مؤلفة من خمسة أشخاص تزيد عن 450 ألف ليرة بحسب مراكز بحثية من العاصمة السورية.