تواصل سيارات الجيش الإسرائيلي المحتل، حركتها المستمرة منذ عقود على طول منطقة الأغوار، ذريعة تأمين حدودها، بينما داخل هذه الحدود، تمتد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ومزارع الحيوانات والدواجن، التي تعود للفلسطينيين، واستولى عليها المستوطنون وما زالوا.
وعلى الرغم من الهاجس الأمني لإسرائيل، إلا أن أمناً آخر يتصدر أجندتها، ممثلاً بحماية مستقبل غذائها ومائها، عبر سيطرتها على ما يزيد عن 100 ألف دونم (25 ألف فدان) من مزارع الخضار والفواكه في الأغوار، بالإضافة إلى مزارع حيوانية لتربية المواشي والدواجن.
وتمتد الأغوار على طول الحدود الأردنية الفلسطينية، وتتجاوز مساحتها 470 كم، أي ما نسبته 8.5٪ من مساحة الضفة الغربية، وتحتوي على أكبر خزان للمياه الجوفية في فلسطين، وتربة ومناخ ملائمين للزراعة في مختلف فصول السنة الأربعة، وبها أخفض مناطق العالم، والبحر الميت، القبلة الأولى للسياحة العلاجية.
ورفضت إسرائيل خلال مفاوضاتها مع الفلسطينيين، على مدار العقدين الماضيين، التطرق إلى الحديث عن الأغوار، لأسباب بررتها بالأمنية، إلا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال في نهاية العام الماضي، إن إسرائيل تغطي استثماراتها الاقتصادية في الأغوار بحجج أمنية.
وأشار عباس، إلى أن العديد من المزارع الإسرائيلية المقامة هناك، تتضمن عشرات البحيرات الاصطناعية لتربية التماسيح لاستخدام جلودها في صناعات متعددة، فضلا عن المئات من مزارع الدواجن والمواشي، إضافة إلى مساحات كبيرة من المزارع.
ويعيش في مناطق الأغوار نحو 9600 مستوطن إسرائيلي، في 31 مستوطنة غالبيتها زراعية، يستحوذون على 25٪ من كمية المياه التي يستخدمها 2.8 مليون فلسطيني في الضفة الغربية، لأغراض الاستهلاك البشري وري أكثر من 90 ألف دونم من المزارع، وفقاً لمخرجات مؤتمر فلسطيني عقد مطلع الأسبوع الجاري حول مقاطعة منتجات المستوطنات.
ويقول انطوان شلحت، الباحث في الاقتصاد الإسرائيلي، إن مناطق الأغوار، تشكل بعداً أمنياً لإسرائيل، يوازيها، بعدا في الأمن الغذائي، "فهي مصدر الاكتفاء الذاتي الإسرائيلي، والصادرات الزراعية إلى العالم، بدءاً من عدد كبير من الدول العربية مروراً بأوروبا والولايات المتحدة".
وأضاف شلحت لمراسل "العربي الجديد"، اليوم الثلاثاء، أن الأغوار تحتوي على احتياطي الإسرائيليين من المياه الجوفية الصالحة للشرب، "وعلى تلك الأراضي تقام مصانع ضخمة للجلود. إسرائيل من الدول الرئيسية المصدرة للجلود، بفضل تربيتها للتماسيح في بحيرات اصطناعية مقامة هناك".
ويبلغ إجمالي الصادرات الإسرائيلية الزراعية (من مناطق الأغوار وغيرها)، ما نسبته 7٪ من إجمالي الصادرات السنوية، أي نحو 6.5 مليار دولار، بينما تمنع إسرائيل استيراد أية منتجات زراعية متوفرة محلياً، إلا في الحالات الطارئة.
وأصدر البنك الدولي تقريراً نهاية سبتمبر أيلول الماضي، أشار خلاله إلى أن الإيرادات الإسرائيلية والأردنية، الناتجة عن استغلال البحر الميت اقتصادياً، من خلال إقامة مصانع المنتجات العلاجية، يبلغ سنوياً 2 مليار دولار.
وتقدم إسرائيل الأراضي والمياه، وإعفاءات جمركية وضريبية، على أية استثمارات اقتصادية، يقيمها المستوطنون في مناطق الأغوار، وفقاً للخبير الاقتصادى، خليل التفكجي.
وقال التفكجي خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن الاستثمارات التي تقيمها إسرائيل في تلك المناطق، تحقق أرباحاً ضخمة، حيث تتوفر كل مقومات النجاح.
وتابع، أن النجاح الاقتصادي الأكبر، والذي تعمل عليه إسرائيل ببطء، هو ما يسمى بمشروع قناة البحرين (البحر الأحمر والميت)، مشيراً الى أن الأراضي الواقعة على طول الحدود مع الأردن ستصبح مناطق صناعية وسياحية مستقبلاً.
ووقعت إسرائيل مطلع العام الجاري، بالتعاون مع الأردن والسلطة الفلسطينية، المرحلة الأولى من مشروع قناة البحرين، عبر إقامة محطة تحلية للمياه في منطقة العقبة جنوب الأردن، تستفيد منها إسرائيل والأردن، وفي مرحلة لاحقة الجانب الفلسطيني.
ويرى التفكجي، أن مناطق الأغوار وفرت للإسرائيليين كل مقومات ومخرجات النجاح الاقتصادي، "فالبحر الميت والمناطق المحيطة به تعد قبلة سياحية وعلاجية، والأراضي الخصبة وفرت إنتاجاً زراعياً لأصناف في غير موسمها، فضلا عن مزارع الدواجن والأبقار، وبحيرات التماسيح".
وأشار إلى أن الآلة العسكرية الإسرائيلية تواصل مصادرة أية أراض في تلك المناطق الغنية بالثروات، في الوقت الذي تقف فيه المؤسسة الرسمية الفلسطينية عاجزة عن اتخاذ أية خطوات رادعة.