بعدما فقد المواطن الأفغاني ثقته بالمستشفيات الحكومية في بلاده، راح يعتمد في تلقّيه العلاج إمّا على المستشفيات والعيادات الخاصة على الرغم من تكاليفها المرتفعة، وإمّا على مستشفيات الخارج. وبات يتوجّه إلى دول الجوار من قبيل الهند وباكستان لتلقي العلاج بنفسه أو لمعالجة مرضاه. ويلفت معنيّون إلى أنّه بعد إغلاق باكستان حدودها مع أفغانستان، تراجعت جودة العلاج وصار المرضى معرّضين لخطر أكبر فيما لم تعد المستشفيات الخاصة قادرة على تقديم ما يتوقّعه المواطن الأفغاني من علاج.
على الرغم من أنّ استثمارات كبيرة وُضعت في هذا القطاع خلال العقد الماضي، فإنّ المواطن الأفغاني ما زال في حاجة إلى السفر لتلقي العلاج المناسب في خارج البلاد. ولعلّ المشكلة الكبيرة هي في عدم توفّر مختبرات طبية مجهّزة، لذا يصعب في كثير من الأحيان كشف المرض وتشخيصه. هكذا، يعاني المرضى لفترات طويلة وهم يتنقلون بين الأطباء والعيادات. كذلك، تُعَدّ قلة عدد المتخصصين والكوادر الطبية من أبرز ما يواجهه قطاع الصحة في أفغانستان.
يخبر الحاج كوهر خان أنّ زوجته كانت مريضة وكانت تشكو من ألم حاد في بطنها، "وعلى مدى أكثر من شهرَين رحنا نتنقّل بين الأطباء". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "كلّ طبيب كان يصف فحوصات مختلفة ويتحدّث كذلك عن أمراض مختلفة تعاني منها. وفي النهاية، اضطررتُ إلى مرافقتها والسفر إلى باكستان. هناك قصدنا طبيباً في مدينة بيشاور، أخضعها لفحوصات بيّنت أنّها مصابة بالتهاب في الأمعاء". ويتابع أنّه "منذ تناول زوجتي الجرعة الأولى من الدواء في اليوم الأول، شعرت بفرق وخفّ ألمها. ولم تمضِ أيام إلا وشعرت بأنّها تعافت، فرجعنا إلى البلد. واليوم، لا تشكو من أيّ ألم في بطنها". بالنسبة إلى الحاج، فإنّه "من الأفضل أن يتحمّل المواطنون أعباء السفر إلى الخارج لتلقّي العلاج والشفاء، بدلاً من الاعتماد على العيادات الخاصة والمستشفيات الحكومية هنا في أفغانستان من دون الاستفادة".
من جهته، يخبر حاجي رحيم شاه "العربي الجديد" أنّه قصد أحد المختبرات الطبية في كابول للخضوع إلى بعض الفحوصات، "فوجدت تغيّرات كبيرة بالمقارنة مع نتائج سابقة. بالتالي، توجّهت إلى مختبر آخر لأجد فرقاً كبيراً بين النتيجتَين". يضيف أنّه "بعدما راح قلقي يتزايد، سافرت إلى باكستان للخضوع إلى فحوصات طبية هناك. فعلت ذلك في مختبرَين طبيَّين للتأكد، وقد أتت النتيجة واحدة. وعندما حملت النتائج إلى الطبيب، أبلغني أنّني لا أعاني من أيّ مرض أو مشكلة".
في السياق، يقول الدكتور رحيم الله وهو طبيب متخصص في مجال الأشعة، إنّ المشكلة الرئيسية تكمن أولاً في عدم وجود كادر طبي مختصّ. ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "الأطباء بمعظمهم ليسوا من ذوي الاختصاص، وعدم توفّر الرقابة والمحاسبة فتح المجال أمام كثيرين ممّن هم ليسوا أهلاً للعمل في مجال الطب". يضيف رحيم الله أنّ "الفساد هو كذلك من أبرز أسباب تدهور جودة العيادات والمستشفيات الخاصة، لأنّ تلك المؤسسات لا تستكمل في كثير من الأحيان الشروط المطلوبة منها، إن لجهة الطاقم العامل فيها وإن لجهة المعدّات وغيرها". ويتابع أنّه "بما أنّ أصحابها يدفعون الأموال والرشاوى من أجل الحصول على الترخيص، بالتالي هي قادرة على اللعب بأرواح الناس".
لا تتوفّر بيانات واضحة حول عدد ضحايا النظام الصحي في البلاد، لكنّ ثمّة حالات تفضح ما هو قائم. فاطمه بي بي على سبيل المثال، واحدة من الضحايا. يخبر زوجها مروان خان أنّها "راحت تعاني لمدّة شهر من آلام حادة في مختلف أنحاء جسمها. وعندما قصدت الطبيب، طلب منها فحوصات كشفت أنّها تشكو من مشكلة في المفاصل. تابعت الدواء لمدّة أسبوعَين. وبعدما عادت حالها لتسوء، رافقتها إلى الهند حيث اكتشفنا أنّها تعاني من التهاب في الكبد. وصفوا لها الدواء المناسب وشفيت في النهاية". ويشير الزوج إلى أنّ "الأسرة كلّها عانت بسبب جهل الأطباء. فابني البكر ترك دراسته من أجل والدته لأنّ الدواء الذي وصفه لها الطبيب في أفغانستان أتعبها كثيراً وكادت أن تموت".
إلى ذلك، ثمّة أشخاص فقدوا حياتهم بسبب جهل الأطباء واستخدامهم أدوية انتهت تواريخ صلاحيتها. في مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار على سبيل المثال، فقد شهزاد خان والده بعدما وصف له الطبيب مكملات غذائية وحقناً سبق وانتهى تاريخ صلاحيتها. ويخبر "العربي الجديد" أنّه "بعدما تدهورت حالة والدي، سارع الطبيب إلى حقن والده المتقدّم في السنّ بالدواء نفسه كي يثبت للقرويّين أنّ الدواء سليم. لكن، بينما كان الطبيب يقنع هؤلاء حتى يهدؤوا ويثبت أنّ لا مشكلة في دوائه، فارق والده الحياة قبل أن يلقى والدي حتفه". تجدر الإشارة إلى أنّ الطبيب لم يفقد والده فتنتهي القصّة عند هذا الحد، بل تحوّل الأمر إلى عداء بين الأسرتَين انتهى بجهود قبلية فرضت على الطبيب ديّة مالية يسدّدها لأسرة شهزاد.
وتعليقاً على ذلك، يلقي عبد الرحيم هوتك وهو ناشط في مجال الطب اللائمة على الحكومة، قائلاً لـ "العربي الجديد" إنّ "المشكلة الرئيسية هي في عدم توفّر إرادة قوية لدى الحكومة للقضاء على الفساد الموجود في قطاع الصحة ولتحسين جودة الخدمات الطبية. وهو ما يؤثّر سلباً على حياة المواطن".