ولفّ الغموض مصير الانتخابات الرئاسية في أفغانستان، خلال فترة الحوار والمفاوضات الطويلة التي دارت بين حركة "طالبان" والولايات المتحدة، بل كان محتماً إلغاؤها حال توصُّل الطرفين إلى اتفاق، على الرغم من إصرار الرئيس الأفغاني على إجرائها.
لكن بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء الحوار مع "طالبان" بذريعة قتل جندي أميركي، خلال هجوم نفذته الحركة في العاصمة كابول في السابع من سبتمبر/أيلول الحالي، أصبح إجراء هذه الانتخابات الخيار الوحيد، بالتالي فإن الحملة الانتخابية الفعلية بدأت عقب انهيار المفاوضات، وسط تهديدات لـ"طالبان" باستهداف كل ما له علاقة بالاستحقاق وهو ما حصل فعلاً.
وكان عدد المرشحين لمنصب الرئاسة الأفغانية قد وصل إلى 18 مرشحاً، إلا أن أربعة منهم انسحبوا لصالح غني، هم السفير الأفغاني السابق في الهند شيدا أبدالي، والجنرال نور الحق علومي، وعبد الحكيم ألكوزاي، وأخيراً أحد المرشحين الرئاسيين عام 2014، زلمي رسول. ويتنافس في استحقاق اليوم السبت، 14 مرشحاً على رئاسة أفغانستان، أبرزهم الرئيس الأفغاني أشرف غني، والرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله، وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار. وبقي انسحاب حكمتيار لصالح غني متوقعاً حتى آخر لحظات الحملة الانتخابية التي اختتمت مساء يوم الأربعاء الماضي، لكن ذلك لم يحصل، على الرغم من إيحاءات صدرت عن الطرفين تؤكد حتميته.
يذكر أنه إذا لم يحصل أي من المرشحين للرئاسة على 51 في المائة من الأصوات على الأقل، فإن البلاد تتجه لدورة ثانية من المفترض حصولها بعد أسبوعين من إعلان نتائج الدورة الأولى رسمياً، وهو متوقع في منتصف أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
الأمن أبرز التحديات
أكدت اللجنة الوطنية لانتخابات الرئاسة الأفغانية اتخاذها جميع الخطوات اللازمة، من أجل إتاحة الفرصة أمام الناخبين الأفغان للتوجه إلى مراكز الاقتراع والإدلاء بأصواتهم. على الرغم من ذلك، تبقى التحديات الأمنية قوية وعائقاً أساسياً، فاللجنة نفسها أكدت وجود مناطق يستحيل على سكانها الاقتراع لوقوعها تحت سيطرة "طالبان"، إضافة إلى أنها أغلقت الكثير من مراكز الانتخاب بسبب تهديدات الحركة.
وارتفع عدد مراكز الاقتراع التي تمّ إغلاقها مع انتهاء الحملة الانتخابية. وبعدما كان 431 مركزاً، أكدت اللجنة الوطنية للانتخابات أخيراً أن التهديدات الأمنية أدت إلى إغلاق 445 مركزاً في كافة أنحاء البلاد، وذلك من أصل 5373. بدوره، كان المتحدث باسمها، ذبيح الله سادات، واضحاً حين اعتبر أن الوضع الأمني السائد يشكل أكبر التحديات للعملية الديمقراطية، وأن عدد المراكز المهددة بالإغلاق قد يزداد، وهو أمر سيتبين عندما ستفتح هذه المراكز أبوابها اليوم صباحاً.
بالإضافة إلى عدد المراكز المغلقة، وزعت اللجنة المديريات الأفغانية إلى ثلاثة أقسام من الناحية الأمنية، منها الخطيرة للغاية، وسميت بالمديريات "الحساسة"، وأخرى تعتبر نسبة الخطر فيها "متوسطة"، وأخيراً المديريات "الآمنة". ويعني ذلك أن المديريات "الحساسة"، وهي المناطق التي تسيطر عليها "طالبان" بشكل كامل أو شبه كامل، ستكون نسبة الاقتراع فيها ضعيفة جداً أو معدومة، وهو ما حصل في خلال الانتخابات البرلمانية العام الماضي، حين حاصرت "طالبان" مراكز الاقتراع في مناطق سيطرتها، أو فرضت حظر تجول على السكان من صباح يوم الاقتراع حتى انتهاء العملية مساءً.
وأعربت السفارة الأميركية عن قلقها العميق إزاء التهديدات الأمنية الموجهة لعملية الاقتراع، مؤكدة في بيان صدر عنها الأسبوع الماضي، تلقيها شكاوى عدة بهذا الخصوص. لكن الجهات الأمنية الرسمية، وتحديداً وزارتَي الداخلية والدفاع ومكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني الدكتور حمد الله محب، أكدت جميعها أن كل الترتيبات والخطوات اللازمة قد اتخذت لحماية الانتخابات، وإتاحة الفرصة أمام الشعب الأفغاني (حوالي 9,8 ملايين أفغاني يحق لهم الاقتراع) لاختيار رئيس جديد للبلاد. وقال نائب وزير الداخلية، خوشحال سعادت، في تصريح صحافي أخيراً، إن السلطات المعنية "اتخذت جميع الخطوات اللازمة ضد المسلحين (في إشارة إلى "طالبان" وتنظيم "داعش")، وسنؤمن الفرصة للناخب الأفغاني للخروج من منزله والإدلاء بصوته".
"طالبان" تهدد مجدداً
في آخر أيام الحملة الانتخابية، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بيانٌ نسب إلى "طالبان"، وجاء فيه أنها تسمح للناخب الأفغاني بالتوجه إلى مراكز الاقتراع والإدلاء بصوته، ما حمل الكثير من السياسيين الأفغان والأطياف الشعبية المختلفة إلى إبداء ترحيبهم. لكن الحركة سرعان ما نفت ذلك، مؤكدة أن البيان المنسوب لها ما هو إلا جزء من حملة استخبارية تديرها الحكومة الأفغانية. ولم تكتف "طالبان" بذلك بل توعدت باستهداف العملية الانتخابية. ووصف بيانٌ منسوب إلى الهيئة العسكرية في الحركة الاستحقاق بـ"المزور"، مطالباً الشعب بالابتعاد عنه، وذلك على الرغم من دعوة أممية لـ"طالبان" بالسماح للأفغان بممارسة حقهم بالاقتراع. وطلب رئيس مهمة المساعدة الأممية في أفغانستان، تاداميشي ياماموتو، في اجتماع له مع أعضاء المكتب السياسي لـ"طالبان" في الدوحة، أن تتجنب الأخيرة الإخلال بـ"هذا المشروع الوطني"، و"قتل المواطنين الأفغان". لكن بيان الحركة كان واضحاً لجهة معارضتها للاستحقاق الانتخابي، وعزمها على ضربه.
مخاوف التزوير
وليس التهديد الأمني التحدي الوحيد الذي يواجه الانتخابات الرئاسية الأفغانية، بل ثمة مخاوف كبيرة لدى بعض المرشحين وأنصارهم من حصول التزوير، وذلك بالنظر إلى الثغرات الموجودة في نظام الانتخابات الأفغاني، وتحديداً في نظام الإدلاء بالصوت. كما يتهم المعارضون الحكومة بأنها تركت لنفسها مجالاً كبيراً يسمح بالتزوير لصالح الرئيس أشرف غني.
وفي هذا الصدد، قال زعيم الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار: "لقد توصلنا إلى نتيجة مفادها وجود مخطط لممارسة التزوير، وهذا إن حصل، فإن السلطات الرسمية وداعميها الأجانب سوف يجبروننا على التوجه مرة أخرى إلى الجبل من أجل حمل السلاح"، مهدداً بـ"تجربة الحرب لمدة 40 عاما" التي يمتلكها. من جهته، قال الرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله، وهو أحد أبرز المنافسين لغني: "هناك محاولات تزوير وخطط لأجله، لكننا نؤكد أنه إذا حصل ذلك، فستكون النتائج وخيمة، وتقع مسألة تحملها على عاتق السلطات ولجنة الانتخابات". غير أن رئيسة لجنة الانتخابات حوا عالم نورستاني فندت تلك الأقول، مشددة على أن نظام الانتخابات الجديد والإدلاء بالصوت من خلال بصمة اليد "لا يسمحان بأي نوع من التزوير"، بالإضافة إلى أخذ صورة كل ناخب يدلي بصوته.
تصوير المرأة في الجنوب مرفوض
ويواجه اقتراع المرأة الأفغانية جنوب البلاد عقبة أساسية، لناحية أخذ صورتها لدى إدلائها بصوتها، بحسب ما قررته لجنة الانتخابات. ومن المعروف أن مناطق معينة في أفغانستان تمنع تصوير النساء، حتى للضرورات الحيوية. ومع عدم احتمال سماح أسر أفغانية بتصوير نسائها من أجل الإدلاء بأصواتهن، سيترك هذا الأمر تأثيره خصوصاً على الأصوات التي من الممكن أن تصب لمصلحة الرئيس الأفغاني أشرف غني، المنتمي إلى العرقية البشتونية المحافظة والمتشددة. في هذا الإطار، اعتبر الكاتب والأستاذ الجامعي الأفغاني الدكتور محمد إسماعيل يون، في بيان بثته قناة "زوندون"، أن غني "سيخسر كثيراً بسبب النظام الانتخابي، خصوصاً في ما يتعلق بتصوير المرأة، لأن الرئيس صاحب نفوذ في جنوب البلاد أكثر منه في الشمال، بينما لا يسمح في جنوب أفغانستان للمرأة بالإدلاء بصوتها، فما بالك بأخذ صورة لها.
هذا بالإضافة إلى وجود سياسيين أفغان يعارضون عملية الانتخابات برمتها، على رأسهم الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي. ويعتبر هؤلاء أن إجراء الانتخابات سيقضي على آمال الشعب باستئناف الحوار مع "طالبان" مجدداً.