09 سبتمبر 2019
الأفكار والأوكار
تنمو الأفكار، وقريبا منها تنمو المقصّات برؤوسها المدببة وبآذانها العاملة ليلا ونهارا، إذ تتنوع الأفكار، وتتنوع المقصات، مقصات ناعمة، مقصات متوعدة، مقصات ممهلة لا مهملة.
تنمو الأفكار، بعضها يستمد نموه من أشعة الشمس، وبعضها يستمد قوته من أنوار الأولين والآخرين، بعضها تدّعي النمو وهي ضده، فحين تنمو الأفكار تتضخم حلوقها وصدورها وبطونها حقدا على الذي يجري أمامها، هي عدوة الأفكار إذن، تعتبر الأفكار أشرارا يجب التخلص من "تنطعها" وتطاولها كقصب حديدي، تعتبرها أحيانا أنهارا جارفةً تحمل التضاريس التي تنتصب في طريقها لتصير طميا في السدود والأودية الآسنة، تعتبرها أحيانا وحوشا ضد وحوش، وهي لا تريد لما بينهما أن يعيش الحياة بكل أبعادها، وما بينهما أناسٌ خلقوا كي يتمتعوا كغيرهم بخيرات الأرض ونضارتها وفسحتها وسعتها بلا قيود، ولا شروط سوى الالتزام بالحق والواجب في الحركات والأهداف والغايات.
تنمو الأفكار وتنمو أضدادها، فتضيق المسافة بين الأنوار والأقمار وبين الأشرار والأضرار، وينشأ التلاسن، والأفكار نفسها ألسن مشحوذة، وأسهم سديدة، تعرف أبعاد المكان والزمن، لذا لا تحتاج إلى تبريراتٍ تحدد وجودها وجدارة مؤداها، الأفكار ولدت كذلك ونمت بطابعها ذاك، لذا لا تستطيع أن تلون نفسها بغير لونها، لا تستطيع أن تحاكي الحرباء، ولا تستطيع أن تستبدل نموها بالتخلف والتواري خلف القطعان التي تحتمي وراء بؤسها منذ أن فقدت أنوار فطرتها.
تنمو الأفكار تأبى التوقف والانتظار، النمو من عناصر حياتها، وبدونه، تصبح وجها شائها لا يستحق الحياة، هي هي منذ خلق آدم، هي لا تحب النمو، تحب الانتماء بلا تنام، تحب الغباء بلا تناه، تحب الثغاء بلا معنى سوى طلب قطعة خبز يابسة وجرعة ماء تساعد على البلع وإطفاء حريق الجوف، تحب النماء حين يكون معاكسا لصفاته، وفي مقدمتها الزيادة والتطور بغية التطوير والتغيير، النماء الذي ينمو نقصانه نحو النقصان، النماء الذي غاية نموه تشويه وجه النمو وصفاته وأركانه. لكن الأفكار الحقيقية تتحدّى العقبات، تتحدى القرّ والحرّ والتشذيب والضرب، تتحدّى ذلك كله لأنها اشتقت من أختها الشمس التي تخترق ملايين المسافات وعشرات الأغلفة، كي تؤدي مهمتها، هي مفطورة على خدمة الناس، لا على تشذيب أفكارهم وحلق أشعارهم، فالأفكار الحقيقية أغصانها من نور، وأشعارها من ألق الحقائق التي تأبى أن تنمحي رغم كل الزوابع والأعاصير الموسمية واليومية.
وتنمو الأفكار وتنمو الأوكار المتوعدة للأفكار، تتوعدها بالقولبة على الطراز المبتغى، تتوعدها السراديب والدهاليز المنكلة بالمصابيح، كيفما كانت غاياتها، وما غاية المصابيح سوى السماح برؤية الأشياء في مهدها في وضعيتها الصادقة في ألوانها الأصلية والطارئة، المصابيح منذ اختراعها كانت صديقة وسائقة الباحثين عن مكامن الأخطاء والغباء، فكانت نعم الصديقة، تعيد الأمور إلى استقامتها، لكنها بعد ذلك، كانت السبب في بروز من يكره مهماتها، وفي مقدمتهم الخفافيش التي لا يحلو لها الطيران والتجوال والقنص إلا في ظلام الليالي وغبش الكهوف والمغارات في المفازات البعيدة عن الناَّظر والمارِّ والقيل والقال.
تنمو الأفكار وتستطيل المقصات والمناشير، لكن هيهات، أن يُقص السناء ويُنشر الصفاء، الأفكار تنمو كالصبار والصنوبر، تستطيع أن تعيش بلا ماء، تحمل سر حياتها في أنساغها، الأفكار الحقيقية كالصخور وسط البحر المتلاطم الأمواج، وصخور البحر تعلمنا الصمود أمام ألسنة الأمواج ونقراتها وصفعاتها المتتالية، تنتصب دوما كي ترى ما جرى وما يجري، وما سوف يجري، تصير خير شاهد وأحق شهيد بالوعد الثمين.
في مدن السناء والصفاء، نفترض أن تـُترك الأفكار تنمو بزهو وخيلاء، تتنشق نسيم الحرية وتصافح نور الشمس، وبهاء القمر، وفسحة الأرض تحيط من عليها بالرعاية والهداية والإنسانية، تترفع عن الدنيا وتلقننا طعم الانعتاق، تعلمنا كيف نحيا، لا أن نعيش وإرادتنا في ضفة ونحن في أخرى.
في مدن السناء والضياء، نفترض أن تصير الأفكار مؤنسا للناس وكانسا للخزعبلات والسفاسف والخسائس والدسائس المدنسة لجوهر الإنسانية، فالأفكار خلقت ركنا من أركان الحياة وعنصرا يميز الحر عن سائر الدواب والهوام.
في مدن السناء والضياء، يُفترض أن لا تنمو المقصات موازاة مع نمو الأفكار، المقصات في هذه المدن يجب أن تصهر وتذاب وتعجن كي يصنع منها أقلام حديدية تصور الأفكار وهي تنمو، وهي تثمر، وهي تطلق سراح المعذبين وتعيد الحياة إلى أجساد المسحوقين.
تنمو الأفكار، بعضها يستمد نموه من أشعة الشمس، وبعضها يستمد قوته من أنوار الأولين والآخرين، بعضها تدّعي النمو وهي ضده، فحين تنمو الأفكار تتضخم حلوقها وصدورها وبطونها حقدا على الذي يجري أمامها، هي عدوة الأفكار إذن، تعتبر الأفكار أشرارا يجب التخلص من "تنطعها" وتطاولها كقصب حديدي، تعتبرها أحيانا أنهارا جارفةً تحمل التضاريس التي تنتصب في طريقها لتصير طميا في السدود والأودية الآسنة، تعتبرها أحيانا وحوشا ضد وحوش، وهي لا تريد لما بينهما أن يعيش الحياة بكل أبعادها، وما بينهما أناسٌ خلقوا كي يتمتعوا كغيرهم بخيرات الأرض ونضارتها وفسحتها وسعتها بلا قيود، ولا شروط سوى الالتزام بالحق والواجب في الحركات والأهداف والغايات.
تنمو الأفكار وتنمو أضدادها، فتضيق المسافة بين الأنوار والأقمار وبين الأشرار والأضرار، وينشأ التلاسن، والأفكار نفسها ألسن مشحوذة، وأسهم سديدة، تعرف أبعاد المكان والزمن، لذا لا تحتاج إلى تبريراتٍ تحدد وجودها وجدارة مؤداها، الأفكار ولدت كذلك ونمت بطابعها ذاك، لذا لا تستطيع أن تلون نفسها بغير لونها، لا تستطيع أن تحاكي الحرباء، ولا تستطيع أن تستبدل نموها بالتخلف والتواري خلف القطعان التي تحتمي وراء بؤسها منذ أن فقدت أنوار فطرتها.
تنمو الأفكار تأبى التوقف والانتظار، النمو من عناصر حياتها، وبدونه، تصبح وجها شائها لا يستحق الحياة، هي هي منذ خلق آدم، هي لا تحب النمو، تحب الانتماء بلا تنام، تحب الغباء بلا تناه، تحب الثغاء بلا معنى سوى طلب قطعة خبز يابسة وجرعة ماء تساعد على البلع وإطفاء حريق الجوف، تحب النماء حين يكون معاكسا لصفاته، وفي مقدمتها الزيادة والتطور بغية التطوير والتغيير، النماء الذي ينمو نقصانه نحو النقصان، النماء الذي غاية نموه تشويه وجه النمو وصفاته وأركانه. لكن الأفكار الحقيقية تتحدّى العقبات، تتحدى القرّ والحرّ والتشذيب والضرب، تتحدّى ذلك كله لأنها اشتقت من أختها الشمس التي تخترق ملايين المسافات وعشرات الأغلفة، كي تؤدي مهمتها، هي مفطورة على خدمة الناس، لا على تشذيب أفكارهم وحلق أشعارهم، فالأفكار الحقيقية أغصانها من نور، وأشعارها من ألق الحقائق التي تأبى أن تنمحي رغم كل الزوابع والأعاصير الموسمية واليومية.
وتنمو الأفكار وتنمو الأوكار المتوعدة للأفكار، تتوعدها بالقولبة على الطراز المبتغى، تتوعدها السراديب والدهاليز المنكلة بالمصابيح، كيفما كانت غاياتها، وما غاية المصابيح سوى السماح برؤية الأشياء في مهدها في وضعيتها الصادقة في ألوانها الأصلية والطارئة، المصابيح منذ اختراعها كانت صديقة وسائقة الباحثين عن مكامن الأخطاء والغباء، فكانت نعم الصديقة، تعيد الأمور إلى استقامتها، لكنها بعد ذلك، كانت السبب في بروز من يكره مهماتها، وفي مقدمتهم الخفافيش التي لا يحلو لها الطيران والتجوال والقنص إلا في ظلام الليالي وغبش الكهوف والمغارات في المفازات البعيدة عن الناَّظر والمارِّ والقيل والقال.
تنمو الأفكار وتستطيل المقصات والمناشير، لكن هيهات، أن يُقص السناء ويُنشر الصفاء، الأفكار تنمو كالصبار والصنوبر، تستطيع أن تعيش بلا ماء، تحمل سر حياتها في أنساغها، الأفكار الحقيقية كالصخور وسط البحر المتلاطم الأمواج، وصخور البحر تعلمنا الصمود أمام ألسنة الأمواج ونقراتها وصفعاتها المتتالية، تنتصب دوما كي ترى ما جرى وما يجري، وما سوف يجري، تصير خير شاهد وأحق شهيد بالوعد الثمين.
في مدن السناء والصفاء، نفترض أن تـُترك الأفكار تنمو بزهو وخيلاء، تتنشق نسيم الحرية وتصافح نور الشمس، وبهاء القمر، وفسحة الأرض تحيط من عليها بالرعاية والهداية والإنسانية، تترفع عن الدنيا وتلقننا طعم الانعتاق، تعلمنا كيف نحيا، لا أن نعيش وإرادتنا في ضفة ونحن في أخرى.
في مدن السناء والضياء، نفترض أن تصير الأفكار مؤنسا للناس وكانسا للخزعبلات والسفاسف والخسائس والدسائس المدنسة لجوهر الإنسانية، فالأفكار خلقت ركنا من أركان الحياة وعنصرا يميز الحر عن سائر الدواب والهوام.
في مدن السناء والضياء، يُفترض أن لا تنمو المقصات موازاة مع نمو الأفكار، المقصات في هذه المدن يجب أن تصهر وتذاب وتعجن كي يصنع منها أقلام حديدية تصور الأفكار وهي تنمو، وهي تثمر، وهي تطلق سراح المعذبين وتعيد الحياة إلى أجساد المسحوقين.
لحسن ملواني
كاتب مغربي. يعبّر عن نفسه بالقول "الإبداع حياة".
لحسن ملواني