لا يعود النضال من أجل اللغة الأمازيغية في الجزائر إلى مطلع ثمانينيات القرن العشرين فحسب، أيام خرج الأمازيغ مطالبين بدسترة لغتهم، أو ما يعرف بالـ"ربيع الأمازيغي"، بل إلى نهاية الأربعينيات، حين طالب جناح من الحركة الوطنية بضم البعد الأمازيغي إلى جملة الأبعاد التي تشكل الهوية الجزائرية. وعُرف هذا النضال بتركيزه على السياسة، وإغفاله الجوانب الثقافية، ما وضع اللغة الأمازيغية في مهب الجهويّة.
هذا ما انتبه إليه الروائي والباحث الأنثروبولوجي، مولود معمري، فباشر إلى تخليص الأمازيغية من سيطرة الشفاهية، وإعادتها إلى الكتابة من جديد، هي التي كانت من اللغات السبّاقة إلى وضع أبجديتها (تعرف بالـ"تفيناغ"). ومن ثمار مشروع معمري أيضاً، وضعه "القاموس الأمازيغي المكتوب".
لم تطرح النخبة الأمازيغية، باستثناء أصوات محدودة، لغتها بديلاً عن اللغة العربية في البلاد، بل شريكة لها في الفضاء والعطاء، وهو ما فهمته الحكومة متأخرةً، فسمحت لهذه اللغة بالتنفّس في الإعلام والمدرسة، وأسّست "المحافظة السامية للأمازيغية" ومختبرات للبحث العلمي فيها، في انتظار اعتماد الأمازيغية لغة رسمية ثانية في البلاد.
وجوه من هذه النخبة المثقفة أدركت أهمية التواصل من خلال الترجمة، فبادرت إلى إطلاق مشاريع في هذا الاتجاه، كما فعل الروائي إبراهيم تزاغارات الذي أسّس "دار تيرا"، وكان أول ما نشره هو قاموس "أماوال" العربي الأمازيغي للباحثة خديجة ساعد، والترجمة العربية لرواية "نوجة وسالاس" التي تُعتبر أول رواية أمازيغية تُنقَل إلى اللغة الشريكة، إضافة إلى ترجماتٍ أمازيغية لأشعار عربية. وبحسب تزاغارت، يجب التركيز على هذا النشاط، كي تجد اللغة الأمازيغية فرصة لإثبات قدرتها على كتابة هواجس الإنسان الوجودية.
حتى وقت قريب، لم يكن متوقّعاً أن تستوعب اللغة الأمازيغية شعراً مثل ذلك الذي كتبه محمود درويش ومحمد الماغوط وطاغور وبابلو نيرودا وأوكتافيو باث وفيديريكو لوركا. لكن ذلك بات أمراً مفروغاً منه اليوم، إذ يقرأ المترجم أحمد سليم آيت وعلي أسبوعياً ترجماته لهؤلاء في برنامجه الإذاعي "أبريذ يشفان (طريق يتذكّر)" على القناة الثانية الناطقة بالأمازيغية.
يقول آيت وعلي، في حديثه مع "العربي الجديد"، إنه يضع اللمسات الأخيرة على الترجمة العربية لأشعار فيلسوف الأغنية الأمازيغية، لونيس آيت منقلات، لإيمانه بضرورة أن تصل إلى القارئ العربي، كي يتعرّف إلى تجربة شعرية وإنسانية لا تقل أهمية عن التجارب الكبرى في الثقافة الإنسانية:
"لونيس لا يكتب أو يغني من أجل شهرته، بل من منطلق إنساني، وهو في ذلك خلّص الشعر الأمازيغي من الفروسيات البسيطة، ونقله إلى الأسئلة الوجودية، بما في ذلك شعره السياسي الذي كتبه بعد أن سجن في ثمانينيات القرن العشرين". ويضيف آيت وعلي: "أعي أنني ركّزت كثيراً على الشعر في ترجماتي، ذلك لأنني أؤمن بأن عبقرية اللغة تتجلى أكثر من خلال هذا الفن. وحتى ترجماتي السردية، أملتها عليّ الجرعة الشعرية التي تتوافر فيها".
بدوره، يقول الشاعر حسن معيريش إن دواوينه بدأت تأخذ طريقها إلى الترجمة منذ عام 2004، إذ صدرت له أربعة عناوين في العربية والفرنسية والإنجليزية. يصف الشاعر الأمازيغي هذه التجربة بالمثمرة، لجهة أنها منحته الفرصة للوصول إلى متلقٍ مختلف، وفي ذلك اختبار لنصّه واللغة التي كُتب بها، كما منحت الفرصة لهذا المتلقي لمعرفة أدب جديد عليه: "إن الرهان الثقافي والأكاديمي بات على رأس الأولويات التي يجب على اللغة الأمازيغية أن تخوضها، بعيداً عن أوحال السياسيين".
هذا الهاجس يقود إلى سؤال عن العوائق الموضوعية التي تقف في طريق المترجم من وإلى اللغة الأمازيغية، يجيب عنه المترجم والأكاديمي حميد بوحبيب بقوله: "إضافةً إلى العقبات التي تواجه المترجمين جميعاً، وبغض النظر عن اللغة التي يستعملونها، فإن المترجم إلى الأمازيغية يجد نفسه أمام لغة لم تتخلّص من طابعها الشفاهي بشكل نهائي، وبالتالي فإنه سيفتقد إلى لغة معيارية مشتركة بين الناطقين بلهجاتها المختلفة (القبايلية، الميزابية، الشاوية، الترقية، الشلحية)، إلى جانب أن الأمازيغية ثرية بالتفاصيل الدقيقة لأسماء النباتات والطبيعة وعناصرها، أي أنها لغة قريبة من بيئة الفضاء القروي الذي أنتجها، وكثير من تلك التنويعات الدقيقة لا مقابل له في العربية ولا في أي لغة أخرى".
بوحبيب أرجع ضعف حركة الترجمة بين العربية والأمازيغية إلى حواجز نفسية وسياسية، تغذّيها الأطراف المعادية للتسامح والحوار بين الثقافتين واللغتين، عكس الحركة الحثيثة التي تعرفها العلاقة بين الأمازيغية والفرنسية: "طلب مني ناشرون أن أترجم كتابي عن سي محند أومحند إلى الفرنسية، بحجة أن الأمازيغ لا يحبّون العربية. من صالح بعض الناس أن تبقى العربية والأمازيغية ضرّتين لا توأمين".