"سلب الاحتلال 88% من مساحات أراضيها الشاسعة، التي تبلغ حوالى 35 ألف دونم، بقي لأهالي القرية منها 6 آلاف دونم يلاحقهم فيها الاحتلال الإسرائيلي بنكبات جديدة"، كما يقول
رئيس المجلس القروي فيها، عبدالرحمن أبوالتين (65 عاماً) لـ"العربي الجديد"، متحدّثاً عن نكبات الولجة القديمة والجديدة والإقامة المؤقتة في "الكروم" والأراضي الزراعية التي كان الوعد بالعودة إليها قريباً، وامتدت لسبعة وستين عاماً.
اقرأ أيضاً: فلسطينيون في "مسيرة العودة" إلى قرية الولجة المهجرة
"طالت غيبتنا"، يقولها أبوالتين، على الرغم من أنّ النكبة تكبره بعامين، لكن ثمة صورة لتلك المنازل العتيقة وبساتين أشجار الفاكهة المثمرة وحقول الخضار التي دمرها الاحتلال واستولى على الكثير منها، حاضرة في مخيلته كما لو أنّه عاش فيها سنوات طوالا. ويتحدث عن جرعة ألم، حين تشرق الشمس عند كل صباح أمام عينيه، على قريته القديمة الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي ويُمنع من الوصول إليها، بعد أن طُردت عائلته منها يوم النكبة.
ويروي أبوالتين حكاية الهجرة الأولى في الولجة التي "كانت بين شهري أبريل/نيسان ويونيو/حزيران عام 1948 مباشرة بعد مذبحة دير ياسين التي هرب أهلها إلى الولجة. دبّ الخوف والرعب في قلوب الأهالي بعد هجمات العصابات المسلحة الصهيونية، وعلى الرغم من مقاومة الأهالي لها، إلّا أنّهم في النهاية غادروها إلى مناطق قريبة".
اقرأ أيضاً: "عين الحنية" جنّة فلسطينيّة يستبيحها المحتل
ويتابع، "بعد أيام، دخلت قوات الجيش العربي المصري إلى القرية وقاتلت العصابات الصهيونية، وعاد بعدها الأهالي وقاوموا إلى جانب الجيش المصري. اشتدّ القصف في 21 أكتوبر/تشرين الأول، وانقطع الدعم والمساندة للكتيبة المصرية واستشهد قائدها، فاضطر أهالي القرية إلى هجرتها من جديد، وتفرّقوا في مخيمات الأردن ودول الشتات".
"زمام الأمور أصبح بيد الجيش الأردني" يقول أبوالتين، "وتلك الاتفاقية التي وضعت خط الهدنة والتقسيم لفلسطين، استولى الاحتلال على 88% من أراضي القرية، وبقي بضعة آلاف خارج الخط، فعاد إليها من بقي في فلسطين من أهالي الولجة بعد عامين من الرحيل. في البداية، عاشوا في بيوت حديدية على أمل العودة. وبعد أن طال الانتظار، بدأت حياة الاستقرار في الولجة الجديدة على بعد أمتار عن أطلال الولجة القديمة".
ينتظر أهالي الولجة حتى اليوم تحقيق وعد العودة. ولو أنّ الحلم بها أصابته الشيخوخة، لكن الأمل كما الألم سيبقى، لأنّ كل من فيها يشمون رائحتها، ولو أن الاحتلال حاول بكل ممارساته دفعهم إلى نسيانها ونسيان التقاليد والعادات، ولباسها الفلاحي القديم وثوب المرأة (الخضاري)، إلّا أنّهم نقلوا الولجة معهم حين هاجروا إلى الولجة الجديدة.
عام 1967، وبحسب ما يذكره أبوالتين، استطاع الأهالي زيارة القرية واستعادة ملامحها في مخيلتهم، إلّا أنّ جرافات الاحتلال الإسرائيلي قامت بمسحها عن الوجود، ومُنع الأهالي من الوصول إليها نهائياً، مطلقين الرصاص على كل من يحاول تجاوز خط الهدنة، وقُتل عدد ممن حاولوا التزود بمياه عين "الحنية" الواقعة على الخط مباشرة.
اقرأ أيضاً: وقف بناء جدار الفصل في بلدة بيت جالا
في العام ذاته، احتُلّ ما تبقّى من أراضي القرية، وأصبح للأهالي جيران مستوطنون. فمستوطنات "جيل، وهار جيلو" لا تبعد سوى أمتار قليلة عنها. احتُلّت كافة الأراضي، ومنع الأهالي من البناء إلّا بتراخيص لم تمنحهم إياها سلطات الاحتلال، إلى أن جاء جدار الفصل العنصري، ليجهز بشكل نهائي على أراضيها الزراعية.
"النكبة مستمرة"، كلمات اختارها أبوالتين للحديث عن ممارسات الاحتلال المتواصلة منذ عام 1948، وويلات جدار الفصل العنصري ومصادرة الأراضي، وكذلك منع البناء والتضييق، ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية. وضمّ الاحتلال في القدس نصف أراضي الولجة الجديدة، فيما صُنّف ثلاثة آلاف دونم بحسب اتفاقية أوسلو الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال بتصنيف (C)، يديرها الاحتلال عسكرياً، و60 دونماً صُنّفت (B) وتتبع للسلطة الفلسطينية.
هدم في القرية 47 منزلاً، و80 مخطرة بين الإيقاف والهدم، كما لم يسمح الاحتلال بالبناء إلّا في تلك الـ60 دونماً المسموحة للسلطة الفلسطينية. أمّا ما بُني في الجزء C فغير مرخّصة ومهددة بالهدم من قبل الاحتلال.
الولجة الجديدة قرية ريفية فلسطينية، تتوسط بساتينها الخضراء بيوتاً، وعلى مرأى العين، ترى القرية القديمة التي تضم 18 نبع ماء وأمامها خط الهدنة. وعلى كل جانب، ثمة مستوطنة أو جدار يشق طريقاً بين القريتين، أو سياج شائك يعمّق حنين أصحاب الأرض الأصليين لها.
اقرأ أيضاً: شبكة طرق إسرائيلية تقطع أوصال الضفة الغربية