05 نوفمبر 2024
الأممية الشعبوية بلينين أميركي
تموت البروليتاريا من دون أن تحقق حلمها الكبير في بناء الأممية العمالية، على الرغم من أربع محاولات كبيرة. ويموت إيليتش أوليانوف لينين، زعيم الثورة البلشفية ومنظر الأمميات البروليتارية، شرقا. ثم تَبْعث البروليتاريا الأميركية من صلب عامل طبقي، من يحيي الحلم الأممي، ولكن هذه المرة تحت شعار كبير، هو شعار الأممية الشعبوية، غربا.
الوجه الأممي الجديد يدعى ستيف بانون، والذي كان وراء الاستراتيجية الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفوزه من بعد، وهو نفسه الذي جادت به الأصقاع التحتية للطبقة العاملة، لكي يعيد لهذه الطبقات حلمها الكوني في التماهي مع شعار واحد. جاب أوروبا، كما كان يفعل الثوريون الحمر عبر التاريخ المعاصر للقرنين العشرين والتاسع عشر، وهو يعتبر توحيد الأمم الوديعة، والعاملة، تحت راية الشعبوية، مسألة شخصية، أو بالتحديد معركته كابن عامل بروليتاري، تعطل عن زمنه بأزيد من ثورة.
يتحدّث ستيف بانون، في مقابلة مع صحيفة لو فيغارو الفرنسية، عن جذوره البروليتارية والنزعات الشعوبية، كما يتمثلها في الحلم المشاعي الجديد، ويقول "سبب هذه المعركة بسيط، أن أسرتي أسرة عمال أميركيين بسطاء. وقد ظل اعتقادي راسخا بأن الطبقات الشعبية هي العمود الفقري لمجتمعنا، فأصحابها هم الذين يدرّبون الفرق الرياضية، وهم الذين يعتنون بكنائسنا، وهم الذين يتوجهون إلى العمل كل يوم، ويرسلون أبناءهم إلى الجيش، وهم إسمنت المجتمع". على هذه القاعدة التي يعتبرها من الغرب الحديث، يقود ستيف بانون بناء أممية جديدة في أوروبا، على أساس أن ما ينجح في ما وراء الأطلسي ينجح في أوروبا. وهو يسعى إلى أن يرسمل (يجعل رأسمالا له) الشعور بأن هناك موجة دولية في طور التشكل من الولايات المتحدة إلى الفيليبين، مرورا بإيطاليا والبرازيل، تكنس كل ما سبقها بقوة عاصفة، وتنكس كل الرايات: الحمراء والخضراء ومتعدّدة الألوان.
يستحضر الشعبويون، بذكاء الباعة المحترفين، الخصوصيات التي تميز كل تجربة وكل بلد،
وكل هدفٍ معلن أو غير معلن، لكن يبقى هناك سؤالٌ لا بد من الإجابة عنه: ما الذي يجمع الراكبين على الموجة والراقصين على مياهها؟ ويأتي الجواب من مكر الراهن نفسه بنكهةٍ يساريةٍ وديمقراطيةٍ باتت اليوم في عداد المتهمة، أي أن المشترك بين التجارب الشعبوية هو الشعور بخيانة النخب، انعدام الأمن الثقافي، تراجع الطبقات الوسطى وابتعادها عن معتقداتها السابقة وتخليها عنها، الخوف من التأثيرات الجانبية السلبية للعولمة، انفتاح الحدود وتصاعد الهجرات.
ويرى لينين الشعبوي الغربي أن الشعار الذي يوحد الأمم القادمة هو "الدفاع عن التراث الحضاري اليهودي المسيحي"! والواضح أن العرب والمسلمين، والعرب المسلمين والعرب غير المسلمين، معنيون على أكثر من مستوى بهذه الأممية الجديدة. أولا على مستوى عدائها للهجرة والمهاجرين. والواضح أننا، نحن الشعوب الشرق أوسطية أو شمال أفريقية، أو من أي منطقة، المنجم الأكبر في توزيع شعوبه على جهات العالم، وبالتالي نحتكر أخبار الحروب التي تؤدي إلى الهجرة والصراعات السياسية التي تؤدي إلى الهجرة، والظروف الاقتصادية التي تؤدي إلى الهجرة، والسياسات القمعية التي تؤدي إلى الهجرة. وفينا يتلخص كل ما تحقد عليه هذه الشعوبيات الحاقدة، اللاإنسانية والمتهورة أخلاقيا وحضاريا. لكننا مع ذلك لم نجعل من بلداننا جغرافياتٍ لاستقبالنا حتى لا يحقد علينا الآخرون، ونتهمهم بأنهم عاجزون عن أخلاق استضافتنا!
أما المستوى الثاني فأكثر تعقيدا، ويتعلق بالتراث الإسلامي في مواجهة التراث اليهودي
المسيحي. وهنا لا يمكن أن نفكّر بأن البعد الديني في الصراع قد يكون موجها إلى الصين مثلا أو إلى الهند، باعتبارهما هويتين دينيتين بعيدتين كل البعد عن التراث المسيحي اليهودي المقصود بخطاب الأممية الشعبوية الجديدة، بل نحن هم الهدف، فالشعبوية الأوروبية التي يريد ستيف بانون توحيدها تبني خطابها على عداءٍ واضح للإسلامين، العربي وغير العربي على حد سواء. وهو جزء اليوم من فضاءات التوتر بين الغرب ونفسه، وبين الغرب وقيمه، وبين الغرب والعالم الآخر. وجزء من تغذية الخطاب المعادي لنا، في بناء هوية أمميةٍ جديدةٍ للغرب اليهودي المسيحي.
ولن نأتي على القضية الفلسطينية طبعا التي تلخص كل ما سبق ذكره، باعتبارها صرّة العالم طوال حربين كبيرتين، قبل الحرب الكبرى اليوم في الشرق المفتوح لكل الذاكرات القاتلة.
ربما سبقت الموجة فقيهها الأميركي ومنظرها، أو لينينها الشعبوي، لكن الأحزاب التقليدية ترى أن هناك إنذارا لا يمكن التغاضي عنه، بل إنه يؤسّس لعالمٍ بني على حروبٍ غرائزية قاتلة، تعلن انسلاخها عن تراث الثورات التي طوّرت الإنسانية، منذ ثورة فرنسا والميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وهو التراث الذي لم نسهم فيه بعد، على الرغم من أن التاريخ أبرز أننا قد نكون أكبر المستفيدين منه، الآن وغدا.
الوجه الأممي الجديد يدعى ستيف بانون، والذي كان وراء الاستراتيجية الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفوزه من بعد، وهو نفسه الذي جادت به الأصقاع التحتية للطبقة العاملة، لكي يعيد لهذه الطبقات حلمها الكوني في التماهي مع شعار واحد. جاب أوروبا، كما كان يفعل الثوريون الحمر عبر التاريخ المعاصر للقرنين العشرين والتاسع عشر، وهو يعتبر توحيد الأمم الوديعة، والعاملة، تحت راية الشعبوية، مسألة شخصية، أو بالتحديد معركته كابن عامل بروليتاري، تعطل عن زمنه بأزيد من ثورة.
يتحدّث ستيف بانون، في مقابلة مع صحيفة لو فيغارو الفرنسية، عن جذوره البروليتارية والنزعات الشعوبية، كما يتمثلها في الحلم المشاعي الجديد، ويقول "سبب هذه المعركة بسيط، أن أسرتي أسرة عمال أميركيين بسطاء. وقد ظل اعتقادي راسخا بأن الطبقات الشعبية هي العمود الفقري لمجتمعنا، فأصحابها هم الذين يدرّبون الفرق الرياضية، وهم الذين يعتنون بكنائسنا، وهم الذين يتوجهون إلى العمل كل يوم، ويرسلون أبناءهم إلى الجيش، وهم إسمنت المجتمع". على هذه القاعدة التي يعتبرها من الغرب الحديث، يقود ستيف بانون بناء أممية جديدة في أوروبا، على أساس أن ما ينجح في ما وراء الأطلسي ينجح في أوروبا. وهو يسعى إلى أن يرسمل (يجعل رأسمالا له) الشعور بأن هناك موجة دولية في طور التشكل من الولايات المتحدة إلى الفيليبين، مرورا بإيطاليا والبرازيل، تكنس كل ما سبقها بقوة عاصفة، وتنكس كل الرايات: الحمراء والخضراء ومتعدّدة الألوان.
يستحضر الشعبويون، بذكاء الباعة المحترفين، الخصوصيات التي تميز كل تجربة وكل بلد،
ويرى لينين الشعبوي الغربي أن الشعار الذي يوحد الأمم القادمة هو "الدفاع عن التراث الحضاري اليهودي المسيحي"! والواضح أن العرب والمسلمين، والعرب المسلمين والعرب غير المسلمين، معنيون على أكثر من مستوى بهذه الأممية الجديدة. أولا على مستوى عدائها للهجرة والمهاجرين. والواضح أننا، نحن الشعوب الشرق أوسطية أو شمال أفريقية، أو من أي منطقة، المنجم الأكبر في توزيع شعوبه على جهات العالم، وبالتالي نحتكر أخبار الحروب التي تؤدي إلى الهجرة والصراعات السياسية التي تؤدي إلى الهجرة، والظروف الاقتصادية التي تؤدي إلى الهجرة، والسياسات القمعية التي تؤدي إلى الهجرة. وفينا يتلخص كل ما تحقد عليه هذه الشعوبيات الحاقدة، اللاإنسانية والمتهورة أخلاقيا وحضاريا. لكننا مع ذلك لم نجعل من بلداننا جغرافياتٍ لاستقبالنا حتى لا يحقد علينا الآخرون، ونتهمهم بأنهم عاجزون عن أخلاق استضافتنا!
أما المستوى الثاني فأكثر تعقيدا، ويتعلق بالتراث الإسلامي في مواجهة التراث اليهودي
ولن نأتي على القضية الفلسطينية طبعا التي تلخص كل ما سبق ذكره، باعتبارها صرّة العالم طوال حربين كبيرتين، قبل الحرب الكبرى اليوم في الشرق المفتوح لكل الذاكرات القاتلة.
ربما سبقت الموجة فقيهها الأميركي ومنظرها، أو لينينها الشعبوي، لكن الأحزاب التقليدية ترى أن هناك إنذارا لا يمكن التغاضي عنه، بل إنه يؤسّس لعالمٍ بني على حروبٍ غرائزية قاتلة، تعلن انسلاخها عن تراث الثورات التي طوّرت الإنسانية، منذ ثورة فرنسا والميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وهو التراث الذي لم نسهم فيه بعد، على الرغم من أن التاريخ أبرز أننا قد نكون أكبر المستفيدين منه، الآن وغدا.