10 نوفمبر 2024
الأمنيون التونسيون غاضبون
يستعد الأمنيون التونسيون لتنفيذ سلسلةٍ من الاحتجاجات وممارسة أشكالٍ متعدّدة من الضغوط، في سبيل تعزيز أشكال الحماية لعناصرهم. ولعل أهم ما لفت الانتباه في تحرّكهم الأخير هو التقاء مختلف نقاباتهم لأول مرة حول موقفٍ مشترك، على الرغم من تبايناتٍ حادةٍ بين هياكلهم.
يشعر الأمنيون بخطر حقيقي، فالحادثة التي أدت إلى استشهاد الملازم أوّل مجدي الحجلاوي، وإصابة البقية بحروقٍ خطيرة، تعتبر مرعبةً بكل المقاييس. كانت مهمتهم المشاركة مع زملائهم في إعادة الهدوء في منطقة بئر الحفي، التابعة لولاية سيدي بوزيد في الجنوب التونسي، على إثر مواجهاتٍ عنيفةٍ حدثت بين أبناء منطقتين متجاورتين، نتجت عن دوافع قبلية. كان دورهم إصلاحيا بامتياز، من خلال حماية السلم الأهلي، وإيقاف فتيل الفتنة بين أبناء جيل واحد ووطن واحد. لكن، في الأثناء، أقدمت مجموعة صغيرة من الشبان على إلقاء زجاجة حارقة يدوية الصنع (مولوتوف) على سيارة أمنية، ما أدّى إلى حرقها وحرق من فيها، فكانت الحصيلة كارثيةً بكل المقاييس، وهو ما يفسّر تضامن النقابات الأمنية السبعة التي تشمل مختلف أسلاك الأمنيين.
رجّت هذه الحادثة التونسيين، وأعادت الجدل عن دور النقابات الأمنية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد. إذ تعتبر تونس البلد العربي الوحيد الذي فيه نقاباتٌ للأمن، وذلك في وقتٍ لا تزال فيه دول عربية عديدة لا تسمح، حتى الآن، بممارسة الحق النقابي المضمون في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهناك في تونس من يعتقدون أن السماح بتأسيس نقاباتٍ تتولى الدفاع عن حقوق الأمنيين خطأ وخطر على الدولة والمجتمع، اعتقادا من هؤلاء (وعددهم كبير) أن الأمني مثل العسكري، ليس له أن يعترض، وأن يضغط على السلطة، لأن المهام المطروحة عليه تفرض الولاء والانضباط وتنفيذ الأوامر بدون تردّد أو مماطلة. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن الدولة تُصاب بالضعف والانحلال، إذا ما استقل عنها، ولو نسبيا البوليس والجند.
في مقابل هذا الاعتراض، اعتبر آخرون أن النقابات الأمنية من أشكال الممارسة الديمقراطية، لا تتعارض، بالضرورة، مع قيم التضحية والانضباط والسهر على تطبيق القانون. إذ على الرغم من الصراعات والأخطاء التي ارتكبتها نقابات أمنية عديدة، واستمرار الجدل عن الجدوى منها، حتى في صفوف الأمنيين أنفسهم، لم ينعدم الانضباط لدى هذا السلك الحساس الذي لا يزال يسهم بفعاليةٍ في المعركة المتواصلة ضد جماعات التطرّف العنيف.
بناءً على ما سبق، اتفقت سبع نقابات أمنية، ممثلة للأمن الداخلي والحرس الوطني والأمن الرئاسي والأمن العمومي والحماية المدنية والسجون والإصلاح ووحدات التدخّل، على اعتبار إصدار "قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين ومقرّاتهم"، و"التعويض عن الأضرار الناتجة لأعوان قوات الأمن الداخلي من حوادث الشغل والأمراض المهنية" مطلبا ذا أولوية مطلقة. وهي مطالبُ لم تحظ حتى الآن بتأييد أطرافٍ عديدة. كما اتفقوا على توحيد صف العمل النقابي، من أجل الإعداد لتأسيس هيكلٍ موحد، يطلقون عليه اسم "المجلس الأعلى للنقابات الأمنية".
هذه رابع محاولةٍ من أجل توحيد النقابات الأمنية، بعد أن أدرك الأمنيون مخاطر انقساماتهم وصراعاتهم التي أضعفتهم، ومكّنت الحكومات المتتالية من استغلال تلك التناقضات لغير صالحهم. كما أن عجزهم عن الوحدة ساعد الأحزاب الحاكمة على اختراقهم بشكلٍ خطير، لأن تسييس النقابات ينحرف بالمؤسسة الأمنية، ويغيّر أولوياتها، ويجعلها تسقط في الفئوية، بدل أن تكون في خدمة المواطنين والدولة.
ليس مستبعدا أن يكون السماح بتأسيس نقاباتٍ أمنيةٍ أحد العوامل التي فاقمت من حدة مخاوف أنظمة عربية عديدة تجاه التجربة التونسية. خشيت هذه الأنظمة من أن تؤدي الدعوات الديمقراطية إلى تقليم أظافرها، وحرمانها من أهم الوسائل التي تمكّنها من إخضاع مواطنيها وتحجيم خصومها. ولهذا، تعتقد هذه الأنظمة أن التجربة التونسية ليست مثالا يُحتذى، وأنها محكومةُ بالفشل. لكن، على الرغم من هذه الأمنيات غير الودية، فإن تونس لا تزال تحظى بإعجاب العالم الحر.
يشعر الأمنيون بخطر حقيقي، فالحادثة التي أدت إلى استشهاد الملازم أوّل مجدي الحجلاوي، وإصابة البقية بحروقٍ خطيرة، تعتبر مرعبةً بكل المقاييس. كانت مهمتهم المشاركة مع زملائهم في إعادة الهدوء في منطقة بئر الحفي، التابعة لولاية سيدي بوزيد في الجنوب التونسي، على إثر مواجهاتٍ عنيفةٍ حدثت بين أبناء منطقتين متجاورتين، نتجت عن دوافع قبلية. كان دورهم إصلاحيا بامتياز، من خلال حماية السلم الأهلي، وإيقاف فتيل الفتنة بين أبناء جيل واحد ووطن واحد. لكن، في الأثناء، أقدمت مجموعة صغيرة من الشبان على إلقاء زجاجة حارقة يدوية الصنع (مولوتوف) على سيارة أمنية، ما أدّى إلى حرقها وحرق من فيها، فكانت الحصيلة كارثيةً بكل المقاييس، وهو ما يفسّر تضامن النقابات الأمنية السبعة التي تشمل مختلف أسلاك الأمنيين.
رجّت هذه الحادثة التونسيين، وأعادت الجدل عن دور النقابات الأمنية في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد. إذ تعتبر تونس البلد العربي الوحيد الذي فيه نقاباتٌ للأمن، وذلك في وقتٍ لا تزال فيه دول عربية عديدة لا تسمح، حتى الآن، بممارسة الحق النقابي المضمون في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهناك في تونس من يعتقدون أن السماح بتأسيس نقاباتٍ تتولى الدفاع عن حقوق الأمنيين خطأ وخطر على الدولة والمجتمع، اعتقادا من هؤلاء (وعددهم كبير) أن الأمني مثل العسكري، ليس له أن يعترض، وأن يضغط على السلطة، لأن المهام المطروحة عليه تفرض الولاء والانضباط وتنفيذ الأوامر بدون تردّد أو مماطلة. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن الدولة تُصاب بالضعف والانحلال، إذا ما استقل عنها، ولو نسبيا البوليس والجند.
في مقابل هذا الاعتراض، اعتبر آخرون أن النقابات الأمنية من أشكال الممارسة الديمقراطية، لا تتعارض، بالضرورة، مع قيم التضحية والانضباط والسهر على تطبيق القانون. إذ على الرغم من الصراعات والأخطاء التي ارتكبتها نقابات أمنية عديدة، واستمرار الجدل عن الجدوى منها، حتى في صفوف الأمنيين أنفسهم، لم ينعدم الانضباط لدى هذا السلك الحساس الذي لا يزال يسهم بفعاليةٍ في المعركة المتواصلة ضد جماعات التطرّف العنيف.
بناءً على ما سبق، اتفقت سبع نقابات أمنية، ممثلة للأمن الداخلي والحرس الوطني والأمن الرئاسي والأمن العمومي والحماية المدنية والسجون والإصلاح ووحدات التدخّل، على اعتبار إصدار "قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين ومقرّاتهم"، و"التعويض عن الأضرار الناتجة لأعوان قوات الأمن الداخلي من حوادث الشغل والأمراض المهنية" مطلبا ذا أولوية مطلقة. وهي مطالبُ لم تحظ حتى الآن بتأييد أطرافٍ عديدة. كما اتفقوا على توحيد صف العمل النقابي، من أجل الإعداد لتأسيس هيكلٍ موحد، يطلقون عليه اسم "المجلس الأعلى للنقابات الأمنية".
هذه رابع محاولةٍ من أجل توحيد النقابات الأمنية، بعد أن أدرك الأمنيون مخاطر انقساماتهم وصراعاتهم التي أضعفتهم، ومكّنت الحكومات المتتالية من استغلال تلك التناقضات لغير صالحهم. كما أن عجزهم عن الوحدة ساعد الأحزاب الحاكمة على اختراقهم بشكلٍ خطير، لأن تسييس النقابات ينحرف بالمؤسسة الأمنية، ويغيّر أولوياتها، ويجعلها تسقط في الفئوية، بدل أن تكون في خدمة المواطنين والدولة.
ليس مستبعدا أن يكون السماح بتأسيس نقاباتٍ أمنيةٍ أحد العوامل التي فاقمت من حدة مخاوف أنظمة عربية عديدة تجاه التجربة التونسية. خشيت هذه الأنظمة من أن تؤدي الدعوات الديمقراطية إلى تقليم أظافرها، وحرمانها من أهم الوسائل التي تمكّنها من إخضاع مواطنيها وتحجيم خصومها. ولهذا، تعتقد هذه الأنظمة أن التجربة التونسية ليست مثالا يُحتذى، وأنها محكومةُ بالفشل. لكن، على الرغم من هذه الأمنيات غير الودية، فإن تونس لا تزال تحظى بإعجاب العالم الحر.