في خضمّ انشغال المواطنين المصريين والإعلام المحلي بالحادث المفجع الذي وقع في محطة قطار رمسيس الرئيسية في القاهرة، وذهب ضحيته عشرات المواطنين ما بين قتيل ومفقود وجريح بإصابات خطرة، اجتمع مجلس الوزراء المصري، برئاسة مصطفى مدبولي، بالتزامن مع جهود إطفاء الحريق الضخم الذي اندلع في المحطة، والبحث عن السائق المتسبب به، ثم استقالة وزير النقل هشام عرفات، وتشكيل لجنة هندسية لكشف غموض الحادث.
لكن اجتماع مجلس الوزراء لم يتمخض عنه أي قرار عاجل يشفي أوجاع المصريين، إلاّ الأمر بصرف تعويضات مالية عاجلة لأسر المتوفين والمصابين. بل إن المجلس قرر، بشكل مفاجئ، الموافقة نهائياً على مشروع تعديل قانون مكافحة الإرهاب، الصادر في أغسطس/آب من عام 2015، بإضافة نصوص تسمح للدولة، للمرة الأولى، بالدخول كطرف ثالث واقعياً في العلاقة بين المالك والمستأجر من ناحية، ومن ناحية أخرى تبسط رقابتها على المعلومات الشخصية الخاصة بالمواطنين المستأجرين للعقارات، بما في ذلك المستأجرون بعقود الإيجار الجديد أو بشكل مؤقت، وذلك بحجة أن العقارات المستأجرة تستخدم كثيراً لإيواء المتطرفين والإرهابيين الذين يستغلون عدم علم الشرطة بوجودهم في مناطق معينة، ويستطيعون من خلال إقامتهم في المساكن التجهيز لعمليات إرهابية.
وينص مشروع التعديل على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه (286 دولاراً أميركياً) ولا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أجّر عقاراً أو وحدة من دون إخطار قسم أو مركز الشرطة الكائن العقار في دائرته، بصورة عقد الإيجار وصورة الرقم القومي للمستأجر المصري أو إثبات الهوية للأجنبي، وذلك خلال 72 ساعة من تاريخ شغل العقار، أو إبرام عقد الإيجار. وبالنسبة لعقود الإيجار السارية حالياً، يلتزم مؤجر أي عقار، أو وحدة مؤجرة أو مشغولة، بتوفيق أوضاعها بما يتفق مع أحكامه، خلال مدة لا تتجاوز الشهر من تاريخ العمل به. ويعاقب كل من خالف أحكام الفقرة السابقة من هذه المادة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويتيح المشروع للنيابة العامة بصفة مؤقتة أن تُغلق أي مكان تم فيه تصنيع أو تصميم الأسلحة، بمختلف أنواعها، والتي قد تستخدم في ارتكاب أي جريمة إرهابية، وغيرها من الأماكن التي استعملت أو أعدت للاستعمال من قبل الإرهابي أو الجماعة الإرهابية. مع إلزام المحاكم، التي قد تصدر حكماً بالإدانة في جريمة إرهابية، فضلاً عن العقوبة المقررة بالجريمة، بأن تقضي بمصادرة العقارات والأموال والأمتعة والأسلحة والأدوات والمستندات وغيرها مما استخدم في ارتكاب الجريمة أو تحصل عنها.
وتروّج الحكومة لهذا التعديل باعتباره وليد سلسلة من الأعمال الإرهابية الفردية الأخيرة التي شهدتها القاهرة الكبرى، إذ أعلنت الشرطة عن اكتشاف عدة وحدات سكنية كانت تؤوي إرهابياً أو أكثر يصنعون فيها العبوات الناسفة لتوزيعها على أماكن ومرافق مختلفة، وآخرها ما يرتبط بحادث تفجير الدرب الأحمر المتورط فيه الشاب الحسن عبدالله، والذي لم تُعرف حتى الآن الجهة التي كان ينتمي إليها. لكن الواقع يكشف مساراً مختلفاً للأحداث، إذ تكشف مصادر في مصلحة الأمن العام، لـ"العربي الجديد"، أن إجبار الملاك على الإبلاغ عن هوية المستأجرين "إجراء معمول به في مناطق مختلفة من العاصمة، خصوصاً وسط القاهرة والأحياء المحيطة بميدان التحرير منذ عدة أشهر"، تنفيذاً لتعليمات المستشار الأمني للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أحمد جمال الدين، على خلفية عدة مستجدات، أبرزها قضية المواطن الإيطالي المقتول جوليو ريجيني، الذي كان يسكن في حي الدقي قرب ميدان التحرير، والطريقة التي اعتمدت حديثاً لمنع دعوات التظاهر في ميدان التحرير، وحتى تكون الشرطة مُلمة بشكل كامل بالمصريين والأجانب الموجودين في المناطق المحيطة بالوزارات ومجلس النواب والسفارات الأجنبية الكبرى. وتوضح المصادر أن وزارة الداخلية كانت اقترحت إضافة نص تشريعي لقانون العلاقة بين المالك والمستأجر، يشترط توقيع مأمور القسم على عقود الإيجار لتكون معتمدة وسارية أمام الأجهزة المختلفة، لكن الحكومة امتنعت عن إصدار هذا التعديل لأنها لا تريد حالياً فتح ملف قانون الإيجارات، خشية الغضب الشعبي من المستأجرين أو الملاك، لا سيما وأنه إذا تم تعديل هذا القانون تحديداً فسوف يستلزم الأمر تعديل مواد أخرى لأنها أصبحت مناقضة للدستور وبعض القوانين الأحدث.
وأضافت المصادر أنه بناء على هذا السبب السياسي، ستتم إضافة النص الجديد إلى قانون مكافحة الإرهاب، لتحقيق الهدف الأمني المراد، وفتح السبيل أمام الشرطة لاتخاذ إجراءات أخرى ستكون ضرورية لتطبيق النص، من دون أن ينص عليها بصورة واضحة، أبرزها "أحقية قسم الشرطة في تسيير دوريات عشوائية لفحص هوية شاغلي الوحدات السكنية المملوكة أو المؤجرة، لاكتشاف ما إذا كانت هناك خروق للتعديلات الجديدة، والتفتيش المفاجئ للمنازل، فضلاً عن الحصول على هويات جميع المستأجرين وليس فقط من يكتب اسمه في العقد"، الأمر الذي يتعارض بوضوح مع حق المواطنين في السكينة والطمأنينة والخصوصية المنصوص عليها دستورياً. ورغم تضمين هذا التعديل في قانون مكافحة الإرهاب الذي أصبح الوسيلة الأسهل لإدانة معارضي النظام في الشهور الأخيرة، لامتلائه بالنصوص الموسعة لدائرة الإدانة، يبدو أن الحكومة لديها هدف آخر غير أمني، إذ قال مصدر في مجلس الوزراء، لـ"العربي الجديد"، إن الإخطار بعقود الإيجار سيُكوّن لدى الدولة "صورة كاملة" لحركة شغل العقارات وسيسهل احتساب الضريبة العقارية على الملاك، وعدم التلاعب بادعاء تخصيص الوحدات لسكن أفراد الأسرة. واتجهت الحكومة أخيراً لإيقاف التعامل ببيع وشراء العقارات التي لم تسدد عنها الضريبة العقارية، في إطار خطة لتعظيم استفادة الحكومة من أموال الضرائب ومضاعفتها، بحجة تمويل الجهود الحكومية لسد عجز الموازنة والوصول إلى معدلات توفير مالي، وفقاً لبرنامج التقشف الحكومي المنفذ تحت إشراف صندوق النقد الدولي، في ظل عدم كفاية الوفر المالي المتحقق من إجراءات زيادة أسعار الطاقة والخدمات وتقليل الدعم الحكومي لها.
ويتم حالياً تحصيل الضريبة عن جميع الوحدات المملوكة للمواطن، والتي يقل صافي قيمتها الإيجارية السنوية عن 24 ألف جنيه، سواء كانت مسكونة أو غير مسكونة من قبله أو من قبل أبنائه أو من قبل أشخاص مستأجرين، مع إعفاء وحدة عقارية واحدة، هي التي يتخذها المواطن مسكناً رئيسياً له ولأسرته. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أصدر هذا التعديل التشريعي في عام 2014 بالمخالفة لرأي مجلس الدولة، الذي حذّر من إخضاع أي وحدة عقارية مسكونة للضريبة، باعتبارها لا تُدرّ دخلاً، استناداً إلى حكم سابق أصدرته المحكمة الدستورية ببطلان تحصيل الضرائب على الأراضي الفضاء غير المسكونة أو التي لا تدر دخلاً على أصحابها. كما تجاهل السيسي مقترحاً لمجلس الدولة بإعفاء الوحدات التي يسكنها أبناء المواطن المكلف بالضريبة، التزاماً بنص الدستور الذي يلزم الدولة بضمان حق المواطن في السكن.