02 نوفمبر 2024
الأميركيون في سورية
تقاطعت المعلومات، في اليومين الماضيين، عن وجود قوات أميركية في سورية، سيطرت على سدّ تشرين عند نهر الفرات، شمالي البلاد. وسيكون الأمر، في حال كان صحيحاً، بمثابة التغيير الأكبر في مراحل الصراع في الشمال السوري. لكن بداية الأميركيين لم تكن في السدّ، بل في "تأسيسهم" مقراً للقيادة المشتركة مع مقاتلين سوريين، ضمن "قوات سورية الديمقراطية"، تحديداً في بلدة عين العرب (كوباني) السورية، على الحدود مع تركيا.
من الطبيعي أن يكون التدخّل الأميركي مدروساً مع الأتراك والروس، خصوصاً أن الأميركيين سيعتمدون على تركيا في معركة منبج المقبلة، والتي ستستهدف إخراج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منها، وبالتالي، تدشين المرحلة الأولى، دولياً، من معركتي الرقة من جهة وحلب من جهة أخرى. يستهدف الأميركيون، بالتالي، قطع التواصل بين عناصر "داعش" في المدينتين السوريتين الشماليتين.
على أن الوجود الأميركي في الشمال السوري سيضع "المنطقة الآمنة" جانباً. ليس الأميركيون واضحين تماماً في هذا الصدد، على الرغم من رفضهم الفكرة، في مقابل التأييد التركي التامّ والرفض الروسي المُطلق لـ"المنطقة الآمنة". وسيرسم الوجود الأميركي الخريطة الميدانية في سورية. وسيتماهى النفوذ التركي، بعض الشيء، مع النفوذ الأميركي، في أقصى الشمال السوري. وسيمهد الأميركيون لمعركة الرقة، وربما التفرّغ لها بمعية التحالف الدولي، والقوات الجوية البريطانية والفرنسية، فيما ستكون معركة حلب بقيادة الروس. وفي هذا التقاسم، جزء من ترسيم حدود جيوبوليتيكة جديدة، إما تُفضي إلى تقسيم سورية، أو توزيع الحصص فيها في سياق تقاسم السلطة في "سورية الجديدة". الآن، كل شيء يظلّ في إطار الفرضيات، حتى تتّضح معالم معركتي حلب والرقة.
في المقابل، بات التسليم بـ"إنهاء المعارك مهما كلّفت" في الغوطتين الشرقية والغربية وريف اللاذقية، وأرياف حماة وحمص ودرعا، أمراً واقعاً، نسبة للأولوية المُطلقة التي توليها القوى الإقليمية والدولية للشمال. بالتالي، كل ما جرى ويجري وسيجري في المناطق غير الشمالية "لا يهمّ"، فالمهم هو الرقة وحلب حالياً.
ويُمكن إدراج التدخّل الأميركي في الشمال السوري، وفقاً للمفهوم العسكري الجديد الذي بدأت تعتمده واشنطن في عملياتها في الشرق الأوسط، وهو نشر وحدات خاصة وسريعة، تقوم بعمليات إنزال خاطفة أحياناً، تعتمد على إسناد ناري جويّ، وعلى قوات برية حليفة، كـ"البشمركة" و"الحشد الشعبي" والعشائر والجيش في العراق، و"وحدات حماية الشعب" الكردية و"قوات سورية الديمقراطية" في سورية، على أن الاستراتيجية العسكرية الجديدة لواشنطن لن تكون على حساب أسلوب "طائرات من دون طيار"، والغارات المتفرقة بين أفغانستان والعراق وسورية.
وتصبّ تلك الاستراتيجية في سياق الرؤية العسكرية للحزبين، الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وهي توائم بين الجنوح الجمهوري لخوض الحروب عالمياً، والانكفاء الديمقراطي الذي لا يعني التخلّي عن المشاركة في الحرب، غير أنه لا يتوجب دفع أثمان باهظة لها. كما أن ميل الأميركيين إلى تسليم الميادين العسكرية لحلفاء على الأرض يعتمد، بالدرجة الأولى، على أمرين: ضمان شراء تلك القوى السلاح من الأميركيين حكماً من جهة، وضمان طلبها "المشورة" الأميركية من جهة ثانية. وهو ما يحصل في العراق مثلاً، أكان في معارك الرمادي في الأنبار، أو في إنزالات كركوك والحويجة شمالاً.
الجديد أن الأميركيين باتوا في خضمّ وضعٍ صعبٍ في سورية، فعدا عن التماس مع الأتراك والروس والإيرانيين والإسرائيليين، إلا أنهم أضحوا، للمرة الأولى، في الداخل السوري، بعد أن كانوا على تخومه. وهو أمر مُشابه لدخول جنوبي العراق من جهة الكويت في 1991. ما يطرح السؤال حول مدى تأثير تلك الخطوة على الحلّ السياسي في سورية، أكان عبر تسريعه أو تأجيله. في الحالتين، بات الأميركيون في الداخل.
من الطبيعي أن يكون التدخّل الأميركي مدروساً مع الأتراك والروس، خصوصاً أن الأميركيين سيعتمدون على تركيا في معركة منبج المقبلة، والتي ستستهدف إخراج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منها، وبالتالي، تدشين المرحلة الأولى، دولياً، من معركتي الرقة من جهة وحلب من جهة أخرى. يستهدف الأميركيون، بالتالي، قطع التواصل بين عناصر "داعش" في المدينتين السوريتين الشماليتين.
على أن الوجود الأميركي في الشمال السوري سيضع "المنطقة الآمنة" جانباً. ليس الأميركيون واضحين تماماً في هذا الصدد، على الرغم من رفضهم الفكرة، في مقابل التأييد التركي التامّ والرفض الروسي المُطلق لـ"المنطقة الآمنة". وسيرسم الوجود الأميركي الخريطة الميدانية في سورية. وسيتماهى النفوذ التركي، بعض الشيء، مع النفوذ الأميركي، في أقصى الشمال السوري. وسيمهد الأميركيون لمعركة الرقة، وربما التفرّغ لها بمعية التحالف الدولي، والقوات الجوية البريطانية والفرنسية، فيما ستكون معركة حلب بقيادة الروس. وفي هذا التقاسم، جزء من ترسيم حدود جيوبوليتيكة جديدة، إما تُفضي إلى تقسيم سورية، أو توزيع الحصص فيها في سياق تقاسم السلطة في "سورية الجديدة". الآن، كل شيء يظلّ في إطار الفرضيات، حتى تتّضح معالم معركتي حلب والرقة.
في المقابل، بات التسليم بـ"إنهاء المعارك مهما كلّفت" في الغوطتين الشرقية والغربية وريف اللاذقية، وأرياف حماة وحمص ودرعا، أمراً واقعاً، نسبة للأولوية المُطلقة التي توليها القوى الإقليمية والدولية للشمال. بالتالي، كل ما جرى ويجري وسيجري في المناطق غير الشمالية "لا يهمّ"، فالمهم هو الرقة وحلب حالياً.
ويُمكن إدراج التدخّل الأميركي في الشمال السوري، وفقاً للمفهوم العسكري الجديد الذي بدأت تعتمده واشنطن في عملياتها في الشرق الأوسط، وهو نشر وحدات خاصة وسريعة، تقوم بعمليات إنزال خاطفة أحياناً، تعتمد على إسناد ناري جويّ، وعلى قوات برية حليفة، كـ"البشمركة" و"الحشد الشعبي" والعشائر والجيش في العراق، و"وحدات حماية الشعب" الكردية و"قوات سورية الديمقراطية" في سورية، على أن الاستراتيجية العسكرية الجديدة لواشنطن لن تكون على حساب أسلوب "طائرات من دون طيار"، والغارات المتفرقة بين أفغانستان والعراق وسورية.
وتصبّ تلك الاستراتيجية في سياق الرؤية العسكرية للحزبين، الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وهي توائم بين الجنوح الجمهوري لخوض الحروب عالمياً، والانكفاء الديمقراطي الذي لا يعني التخلّي عن المشاركة في الحرب، غير أنه لا يتوجب دفع أثمان باهظة لها. كما أن ميل الأميركيين إلى تسليم الميادين العسكرية لحلفاء على الأرض يعتمد، بالدرجة الأولى، على أمرين: ضمان شراء تلك القوى السلاح من الأميركيين حكماً من جهة، وضمان طلبها "المشورة" الأميركية من جهة ثانية. وهو ما يحصل في العراق مثلاً، أكان في معارك الرمادي في الأنبار، أو في إنزالات كركوك والحويجة شمالاً.
الجديد أن الأميركيين باتوا في خضمّ وضعٍ صعبٍ في سورية، فعدا عن التماس مع الأتراك والروس والإيرانيين والإسرائيليين، إلا أنهم أضحوا، للمرة الأولى، في الداخل السوري، بعد أن كانوا على تخومه. وهو أمر مُشابه لدخول جنوبي العراق من جهة الكويت في 1991. ما يطرح السؤال حول مدى تأثير تلك الخطوة على الحلّ السياسي في سورية، أكان عبر تسريعه أو تأجيله. في الحالتين، بات الأميركيون في الداخل.