25 نوفمبر 2019
الأونروا وحق العودة في ظل القانون الدولي
في ظل الهجمة الشرسة المستعرة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي وحليفته الأبدية الولايات المتحدة الأميركية ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وسعيهما الدؤوب وبكل السبل لتفكيكها وإنهاء ولايتها، ربما لا يدرك البعض السبب الحقيقي وراء ذلك ويعزونه لأسباب سياسية بحتة، وهذا يخالف الحقيقة التي عبّر عنها رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو بتصريحه المشهور عندما قال "الأونروا تخلد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلاَ من حلها. ولذلك حان الوقت لتفكيك الأونروا ودمج أجزائها في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين". فمن جانب قانوني بحت فإن الأونروا تُخَلِّدُ حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
فقد اكتسبت الأونروا أهميتها القانونية والسياسية كونها ارتبطت منذ إنشائها بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين المحتلة وفق الفقرة 11 من القرار 194 الجمعية العامة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1948. وهذا ما أكدته واستقرت عليه كافة قرارات الجمعية العامة ذات العلاقة بالأونروا طوال سبعين عاماً.
إذ تضمن القرار 302 الصادر في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول لسنة 1948 المنشئ للأونروا إشارة صريحة إلى حق العودة في ثلاثة مواضع رئيسية مختلفة تغطي بنود القرار حيث ذكرت الفقرة 11 من القرار 194 لسنة 1948 المنشئة لحق العودة في الديباجة وفي الوسط في الفقرة الخامسة وفي النهاية في الفقرة (5) ونعتقد أن هذا التوزيع له دلالة خاصة في التأكيد على الارتباط الوثيق بين الأونروا وحق العودة كما سنفصل تالياً:
أولاً- في الديباجة.. مطلع القرار إذ جاء فيها:
"إن الجمعية العامة إذ تذكر قراريها رقم 212 (الدورة 3) الصادر في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني لسنة 1948، ورقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/ كانون الأول لسنة 1948 اللذين يؤكدان على الفقرة 11 من القرار 194 لسنة 1948 (المعروف بحق عودة اللاجئيين الفلسطينيين إلى ديارهم) والتي تنص حرفياً على الآتي:
(11. تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
- وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة).
ومن المستقر عليه فقهاً وقانوناً أن الإشارة إلى حق العودة والتأكيد عليه في ديباجة القرار يبرز أهميته وأنه محور هذا القرار ويؤكد على الزامية الارتباط الوثيق بين وكالة الأونروا وحق العودة وأنها ليست وكالة إغاثية فحسب وإنما أداة لتنفيذ القرار رقم 194 لسنة 1948.
ثانياً- ذُكِرَ حق العودة صراحة في الفقرة الخامسة من القرار 302 التي تضمنت اعترافا صريحا بأن استمرار أعمال الإغاثة للاجئين الفلسطينيين لا ينبغي أن يؤثر بأي حال من الأحوال على حقهم في العودة إلى ديارهم، واعترفت أيضاَ بضرورة اتخاذ إجراءات فعالة وسريعة لتحقيق ذلك، حيث نصت حرفياً على:
(5) "تعترف بأنه من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 دييسمبر/ كانون الأول 1948، وتعترف أيضا بضرورة اتخاذ إجراءات فعالة، في أقرب وقت، بغية إنهاء المساعدة الدولية للإغاثة".
ثالثاً- أُشيرَ إلى حق العودة أيضاً وبشكل صريح وواضح في الفقرة 20 من القرار 302 لسنة 1950، حيث كلفت الأونروا بالتشاور مع لجنة التوفيق بشأن فلسطين حول سبل تنفيذ مهماتهما وخصوصاً ما يتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وبمفهوم النص تكون الأونروا مكلفة بتسهيل تنفيذ وتطبيق عودة اللاجئيين الفلسطينيين إلى ديارهم على أرض الواقع، وهذا يؤكد أن دورها يتجاوز الجانب إلغائي والإنمائي ونصت الفقرة 20 حرفياً على التالي:
(20) "توعز إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى بالتشاور مع لجنة التوفيق بشأن فلسطين التابعة للأمم المتحدة، لما فيه خير أداء مهمات كل منها، وخصوصا فيما يتعلق بما ورد في الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1948".
وهنا يتبادر للذهن سؤال مهم جداً هل إنهاء وجود الأونروا ينهي حق العودة أو يلغيه؟ بمعنى آخر كيف يؤثر إنهاء الأونروا على حق العودة من الناحية القانونية؟
لفهم الاجابة على هذا السؤال لا بد من توضيح الوصف والتكييف القانوني لحق العودة:
1. إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها قسراً حق قانوني أصيل غير قابل للتصرف، نابع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السيادة على البلاد، وهذا الحق ثابت وفق أحكام القانون الدولي.
2. حق العودة لا يسقط بالتقادم، أي بمرور الزمن، مهما طالت المدة التي حرم فيها الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم، فحق العودة مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 13 على الآتي: "لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده".
3. وحق العودة منشؤه القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1948 أي قبل سنة من إنشاء الأنروا وعليه فإن الأونروا لم توجد حق العودة والصحيح أن وكالة الأونروا أوجدت لتسهيل تنفيذ حق العودة على أرض الواقع.
4. ومن المفارقات المهمه أن القرار الشهير رقم 194 من الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض (وليس أو التعويض) صدر في اليوم التالي لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان أي في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1948، وفي هذا الأمر دلالة قوية على إصرار المجتمع الدولي على تقنين حق العودة حيث أكدت الأمم المتحدة على القرار 194 منذ عام 1948 أكثر من 135 مرة ولم تعارضه إلا دولة الاحتلال الاسرائيلي وبعد اتفاقية أوسلو عارضته أميركا.
5. إن إنهاء وكالة الأونروا هو أهم خطوة وتعتبر كلمة السر لإنهاء حق العودة، إذ فعلياً لا يمكن إنهاء حق العودة دون إنهاء الأونروا فهي أهم نتائج هذا الحق وأدوات تنفيذه على أرض الواقع. وهذا ما يفسر سعي الكيان الصهيوني الحثيث وتدعمه الولايات المتحدة لإنهاء هذه الوكالة وإلغائها من الوجود، ولو كانت مجرد وكالة إنسانية لما كرس الاحتلال كامل إمكاناته السياسية والقانونية والدبوماسية لإنهاء وجودها وتحويل صلاحياتها إلى مفوضية للاجئيين لأنه يدرك الأهمية القانونية لهذه الوكالة.
6. وإن كان إنهاء الأونروا لا ينهي ولا يلغي حق العودة قانوناً إلا أنه يلغيه فعلياً ويمهد الطريق لإلغائه قانوناً، ويكفي أن نتذكر دوماً تصريح رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو عندما قال: "الأونروا منظمة تخلد قضية اللاجئين الفلسطينيين وكذلك تخلد رواية ما يسمى بحق العودة". وأضاف "يبدو أن دور المنظمة يهدف إلى تدمير دولة إسرائيل ولذا فيجب على الأونروا أن تتلاشى وتزول".