24 مايو 2024
الإخوان المسلمون.. أفكار للمستقبل
بعد ثماني سنواتٍ من التجارب والخبرات، والحوارات والمناقشات مع عشرات الشخصيات ممن يمثلون النخب السياسية والفكرية المصرية، من مختلف الاتجاهات والتيارات، يمكن القول، من منظور الحسابات السياسية، إن التيار الوحيد القادر على إحداث التغيير السياسي في مصر، خلال السنوات الخمس المقبلة، هو "الإخوان المسلمون"، لامتلاكهم مقومات وإمكانات كثيرة، مقارنة بغيرهم من التيارات السياسية في مصر، ولكن هذه المقومات تحتاج إلى اعتباراتٍ من شأن الأخذ بها تحقيق الفعالية الضرورية لإحداث التغيير أولا، وإدارة هذا التغيير ثانياً، ومن بين هذه الاعتبارات:
أولاً، قيادة جديدة: الإخوان المسلمون بحاجة حقيقية إلى قيادة جديدة، وبين صفوفهم عشرات من النماذج والشخصيات التي تستطيع، إن تم تمكينها فعلاً، وليس قولاً أو شعاراً، من عملية صنع واتخاذ القرار أن تكون أكثر فعاليةً في التعاطي مع متطلبات المرحلة الراهنة من التحولات التي تشهدها مصر، خصوصا بعد أن فشلت القيادة الحالية، بكل ما تعنيه الكلمة، في فهم المشهد السياسي، وفي إدراك متطلباته، وبالتالي في التعاطي مع تحولاته.
ويمكن بجهدٍ قليلٍ في الرصد والتصنيف والتبويب، والتشبيك، رصد 50 شخصاً من بين صفوف الجماعة، تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاماً ممن التقيت بهم، وتعاملت معهم تعاملا مباشراً، خلال السنوات الثماني الماضية، في دولٍ زرتها، أو في فعالياتٍ شاركت فيها، ووجدت فيهم من الإمكانات والقدرات ما يستطيعون به، ليس فقط إدارة فعاليات، أو وحدات، أو لجان داخل الجماعة، ولكن قيادة مؤسسات ووزارات في دولة بحجم مصر.
ثانياً، ثورة تنظيمية: الجماعة في حاجةٍ حقيقيةٍ إلى ثورةٍ في بنية التنظيم، ولوائحه وضوابطه وأدوات العمل داخله، وفي تبنّي مجموعةٍ من إجراءات وخطوات عملية في عملية صنع
القرارات واتخاذها، بما يحد من الطابع شديد المركزية، شديد الهرمية، شديد الروتينية، شديد التقليدية، عبر كل المستويات التي أدت إلى حالةٍ من الجمود والترهل. وحتى تتحقق هذه الثورة التنظيمية، يتطلب الأمر: مراعاة التخصصية في الوظائف والأدوار، والكفاءة والاحترافية، والإدارة الشبكية للمهام والوظائف، وإدارة التنوع وفق ضوابط وإجراءات واضحة ومعلنه ومحدّدة، وكذلك المرونة المؤسسية من خلال إنشاء مؤسساتٍ تتمتع بالاستقلالية في التمويل والإدارة والقدرة على اتخاذ القرار، وفق خطواتٍ محدودةٍ تتواكب مع متطلبات المرحلة.
ثالثاً، ثورة فكرية: يجب أن تعترف الجماعة بأنها في حاجةٍ حقيقة إلى ثورة فكرية، لا تعني التخلص من الثوابت والمنطلقات التي قامت عليها الحركة، ولكن تعني المراجعة الجادّة للأفكار والرؤى والتوجهات التي تبنّتها الجماعة بعد ثورة يناير، فقد كشفت هذه عن اختلالات عميقة في قراءة المشهد، وفي فهم العوامل والفواعل المؤثرة فيه، بما يساهم في تقديم رؤى وأطروحات تتناسب مع الطابع الحركي، شديد السيولة، للمشهدين، السياسي والثوري، في مصر.
مع التأكيد على أن المراجعات لا تعني الاعتذارات، لأن الاعتذار من دون مراجعة حقيقية وتصويب للأخطاء سيكون مدخلاً لاستمرار الأخطاء، بل وتحولها إلى خطايا، فبعضهم يتصور أنه باعتذاره يكون قد قام بما يجب عليه في التعاطي مع سلبيات السنوات الماضية، وهذا في ذاته تصوّر كارثي، يُشكل مقدمةً لسلسلة من الكوارث التدميرية المستقبلية.
رابعاً، إعادة البناء المفاهيمي والقيمي: وهو ما يتطلب التغيير الجذري في خطط وسياسات وأدوات وإعداد وبناء الكوادر داخل الجماعة، من خلال العمل على: الخروج من أسر "إخوانك إليّ فوق" (أعلم/ أقدر/ أفهم)، وبالتالي يقومون بكل شيء، ويتحدثون في كل شيء، ويديرون كل شيء. الخروج من أسر مفهوم "الأخ محل الثقة" إلى فضاء "التخصص، الاحتراف، الكفاءة، الخبرة، التنوع"، لأن الثقة وحدها تفتح الباب واسعاً لاعتبارات الولاءات الشخصية، والتي من شأنها نشر مؤشّرات التملق، التسلق، المحسوبية، الدونية، الانعزالية، والمحصلة لكل هذه المؤشرات هو الفساد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. الخروج من أسر "البكائية" و"المظلومية"، فلا أحد ينكر حجم التضحيات التي قدمتها، وما زالت تقدّمها، وستظل تقدّمها جماعة الإخوان المسلمين، ولكن يبقى السؤال: هل يمكن نشر الرسالات وتحقيق الأهداف والغايات من دون تضحيات؟ وأنه كلما تعاظمت قيمة الرسالات والغايات تعاظم حجم التضحيات، بل وزادت الرهانات على أصحاب الرسالات، الأمر الذي يتطلب العمل على كيفية تقليل التضحيات والخسائر والأضرار، وليس البكاء على الأطلال، ورفع شعارات الصبر على البلاء، لأنه ليس ابتلاءً من الله لاختبار القدرة على الصمود والتحدّي، ولكنه، في الجانب الأكبر منه، مُحصلة لأخطاء في السياسات، وخلل في بعض التصورات، وسوء توظيف كثير من
الإمكانات والقدرات. الخروج من أسر "الرمز" و"الشعار"، فليس مطلوباً في كل المؤسسات والهيئات والكيانات التي تقف خلفها الجماعة، فكراً، أو تمويلاً، أو تأسيساً، أو إدارةً، أن ترفع "رمز" الجماعة وشعارها، أو أن يكون على رأس العمل فيها رموز الجماعة وقياداتها، فإذا كان المهم تحقيق بعض الأهداف والغايات التي تسعى إليها الجماعة، فليس شرطاً التمسك برموز أو شعارات، يمكن أن تكون هي في ذاتها عائقاً أمام إدارة تفاعلاتٍ واتصالاتٍ كثيرة مع "الغير"، أيا كان هذا "الغير" شخصيات أو مؤسسات.
.. الإخوان المسلمون كيان شديد الأهمية في المجتمع المصري، ومع تعاظم الأهمية يتعاظم الاهتمام بهذا الكيان، وضرورة العمل على تطويره وتفعيله، ليس من باب التحيز والانتماء، ولكن من باب الحفاظ على ما يمتلكه من إمكانات وقدرات وخبرات تصب، في النهاية، في حالة تطويرها وتفعيلها، في صالح المجتمع والدولة في مصر. هذا مع التأكيد، في الوقت نفسه، على أن هذا الكيان ليس الأوحد في المجتمع المصري، ولكنه الأقدر، وفق مفاهيم النسبة والتناسب في الحجم والانتشار والإمكانات والقدرات مع باقي التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية في مصر. وإذا لم يدرك القائمون عليه هذه الحقيقة، ويتعاملوا معها بجدية وفعالية، فإن القضية لن تقف عند حدود "أزمة قيادة" أو "أزمة تنظيم"، ولكنها ستتحول إلى قضية "وجود" و"بقاء".
ويمكن بجهدٍ قليلٍ في الرصد والتصنيف والتبويب، والتشبيك، رصد 50 شخصاً من بين صفوف الجماعة، تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاماً ممن التقيت بهم، وتعاملت معهم تعاملا مباشراً، خلال السنوات الثماني الماضية، في دولٍ زرتها، أو في فعالياتٍ شاركت فيها، ووجدت فيهم من الإمكانات والقدرات ما يستطيعون به، ليس فقط إدارة فعاليات، أو وحدات، أو لجان داخل الجماعة، ولكن قيادة مؤسسات ووزارات في دولة بحجم مصر.
ثانياً، ثورة تنظيمية: الجماعة في حاجةٍ حقيقيةٍ إلى ثورةٍ في بنية التنظيم، ولوائحه وضوابطه وأدوات العمل داخله، وفي تبنّي مجموعةٍ من إجراءات وخطوات عملية في عملية صنع
ثالثاً، ثورة فكرية: يجب أن تعترف الجماعة بأنها في حاجةٍ حقيقة إلى ثورة فكرية، لا تعني التخلص من الثوابت والمنطلقات التي قامت عليها الحركة، ولكن تعني المراجعة الجادّة للأفكار والرؤى والتوجهات التي تبنّتها الجماعة بعد ثورة يناير، فقد كشفت هذه عن اختلالات عميقة في قراءة المشهد، وفي فهم العوامل والفواعل المؤثرة فيه، بما يساهم في تقديم رؤى وأطروحات تتناسب مع الطابع الحركي، شديد السيولة، للمشهدين، السياسي والثوري، في مصر.
مع التأكيد على أن المراجعات لا تعني الاعتذارات، لأن الاعتذار من دون مراجعة حقيقية وتصويب للأخطاء سيكون مدخلاً لاستمرار الأخطاء، بل وتحولها إلى خطايا، فبعضهم يتصور أنه باعتذاره يكون قد قام بما يجب عليه في التعاطي مع سلبيات السنوات الماضية، وهذا في ذاته تصوّر كارثي، يُشكل مقدمةً لسلسلة من الكوارث التدميرية المستقبلية.
رابعاً، إعادة البناء المفاهيمي والقيمي: وهو ما يتطلب التغيير الجذري في خطط وسياسات وأدوات وإعداد وبناء الكوادر داخل الجماعة، من خلال العمل على: الخروج من أسر "إخوانك إليّ فوق" (أعلم/ أقدر/ أفهم)، وبالتالي يقومون بكل شيء، ويتحدثون في كل شيء، ويديرون كل شيء. الخروج من أسر مفهوم "الأخ محل الثقة" إلى فضاء "التخصص، الاحتراف، الكفاءة، الخبرة، التنوع"، لأن الثقة وحدها تفتح الباب واسعاً لاعتبارات الولاءات الشخصية، والتي من شأنها نشر مؤشّرات التملق، التسلق، المحسوبية، الدونية، الانعزالية، والمحصلة لكل هذه المؤشرات هو الفساد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. الخروج من أسر "البكائية" و"المظلومية"، فلا أحد ينكر حجم التضحيات التي قدمتها، وما زالت تقدّمها، وستظل تقدّمها جماعة الإخوان المسلمين، ولكن يبقى السؤال: هل يمكن نشر الرسالات وتحقيق الأهداف والغايات من دون تضحيات؟ وأنه كلما تعاظمت قيمة الرسالات والغايات تعاظم حجم التضحيات، بل وزادت الرهانات على أصحاب الرسالات، الأمر الذي يتطلب العمل على كيفية تقليل التضحيات والخسائر والأضرار، وليس البكاء على الأطلال، ورفع شعارات الصبر على البلاء، لأنه ليس ابتلاءً من الله لاختبار القدرة على الصمود والتحدّي، ولكنه، في الجانب الأكبر منه، مُحصلة لأخطاء في السياسات، وخلل في بعض التصورات، وسوء توظيف كثير من
.. الإخوان المسلمون كيان شديد الأهمية في المجتمع المصري، ومع تعاظم الأهمية يتعاظم الاهتمام بهذا الكيان، وضرورة العمل على تطويره وتفعيله، ليس من باب التحيز والانتماء، ولكن من باب الحفاظ على ما يمتلكه من إمكانات وقدرات وخبرات تصب، في النهاية، في حالة تطويرها وتفعيلها، في صالح المجتمع والدولة في مصر. هذا مع التأكيد، في الوقت نفسه، على أن هذا الكيان ليس الأوحد في المجتمع المصري، ولكنه الأقدر، وفق مفاهيم النسبة والتناسب في الحجم والانتشار والإمكانات والقدرات مع باقي التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية في مصر. وإذا لم يدرك القائمون عليه هذه الحقيقة، ويتعاملوا معها بجدية وفعالية، فإن القضية لن تقف عند حدود "أزمة قيادة" أو "أزمة تنظيم"، ولكنها ستتحول إلى قضية "وجود" و"بقاء".