07 نوفمبر 2024
الإصلاح والثورة
تتواصل معارك الثورة والإصلاح في أغلب المجتمعات العربية، وتشمل مختلف مجالات المجتمع في السياسة والثقافة والاقتصاد وبدرجات متفاوتة.. تتّسع المعارك وتتنوع، تتراجع وتنكمش ثم تعود، تشارك فيها الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتنخرط في تأطيرها النخب ومختلف مكوِّنات المجتمع، كما يبرز، في قلبها وبمحاذاتها، فاعلون جُدُد، إضافة إلى القوى الإقليمية والدولية ولوبيات المصالح.
نتصوَّر أن تواصُل المعارك في صورة دعاوى ومشاريع للإصلاح، أو في شكل انفجاراتٍ وانتفاضاتٍ ميدانية، مقرونةٍ بلازمة إطاحة الأنظمة السياسية المستبدة، يُعبِّر في العمق، عن حاجةٍ تاريخيةٍ ملحة ومطلوبة، وذلك على الرغم من الخيبات والانتكاسات التي تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة منها.. إلاَّ أنها تظل، في إطار الأوضاع السائدة في عالمنا، ضمن الأفعال الضرورية المطلوبة.
تعزَّزت حركية الأفق الثوري في المشهد السياسي العربي، على الرغم من كل أشكال المواجهة التي تروم محاصرته، والتقليل من آثاره في محيطنا السياسي والاجتماعي. صحيحٌ أنه يتجه اليوم إلى إكمال عقد من الزمن، وأنه وَلَّد آثاراً عديدة في أغلب المجتمعات العربية التي انخرطت في معارك الثورة والتغيير، كما ولَّد نتائج وآثارا في المجتمعات التي بادرت بتأسيس كوابح لوقف طوفانه، خوفاً من أن تحترق بلهيبه.
نتبيَّن مظاهر الأفق الثوري وتجلياته الحاصلة في بروز فاعلين جدد، ونشوء آلياتٍ جديدةٍ في
التعبئة، وفي العمل السياسي، بهدف المحافظة على هذا الأفق، وتوسيع دوائر المشاركين فيه، وكذا تطويره، آلياتٍ تتجاوز الأنماط والأشكال المعهودة في كثير من تجارب الثورات في التاريخ. الإشارة هنا إلى الجيل الجديد من الفاعلين الذين استخدموا وسائط التواصل الاجتماعي، لحظة انخراطهم في أفعال الثورة الهادفة إلى إسقاط أنظمة الاستبداد والفساد، والتأسيس لأفق جديد، في الإصلاح والنهوض العربيين.
لنتذكّر جيداً أن تبلور الفكرة الإصلاحية وتطورها في ثقافتنا السياسية، داخل مشاريع النهوض العربي، تطلب عقوداً، وشاركت في بناء أسسها ومبادئها العامة أجيال من المصلحين والوطنيين طوال القرن العشرين. كما ساهم احتكاك مجتمعاتنا بالغرب والثقافة الغربية، سواء في لحظة الاستعمار أو فيما بعدها، في بناء ما يسمح بتجديد مبادئ ومقدمات الفكر الإصلاحي العربي وتطورها، في أثناء مواجهته مختلف التحولات الجارية في مجتمعنا. ويمكن الإشارة هنا إلى أن التوجه الإصلاحي الذي نَقْرِنُه عادة بالنخب السياسية والمثقفين تبنته، في الثلث الأخير من القرن الماضي، أغلب منظمات المجتمع المدني العربية، حيث أصبحت تعقد سنوياً منتديات للتفكير والتداول والتنسيق، في المسائل المرتبطة بالإصلاح في مختلف أبعاده.. الأمر الذي يفيد بأن مطلب الإصلاح السياسي الديمقراطي كان عليه إجماع، وقد أصبح الجميع يقرّ بذلك، الأنظمة السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إلا أن هذا الإقرار لم يدفع أي نظام عربي إلى بناء سياسات فعلية في الإصلاح، تتيح لبعض البلدان العربية تجاوز سباتها التاريخي العميق، تجاوز قيود التاريخ، وتركيب ما يسمح بتكسيرها وبناء متطلبات النهوض والتنمية، فكان لابد من حصول انفجاراتٍ على شاكلة ما عرفته مجتمعاتنا في مطالع سنة 2011، انفجارات ملأت الميادين، ونقلت مجتمعاتنا من دوائر الإصلاح ومشاريعه إلى طريق الثورة، وذلك على الرغم من مخاطر هذا الطريق وصعوباته. بدأت الانفجارات سلمية، كما أصبحنا نعرف اليوم في كل من تونس ومصر، ثم شملت أغلب البلدان العربية بحكم تشابه أوضاعها وطموحاتها.
تتواصل اليوم معارك الفعل الثوري في السودان والجزائر وليبيا وسورية واليمن، وهي تتواصل بطرق في العمل مختلفة، بحكم أن الفاعلين يواجهون صعوباتٍ متعدِّدة ومتنوعة. صحيحٌ أنهم
يحاولون الاستفادة من تجارب مماثلة حصلت قبلهم، إلا أن مستجدّات ميادين حركتهم، والبنية العميقة لأنظمتهم ومقتضيات جغرافيتهم السياسية، ولَّدت وتُوَلِّد معطيات تقتضي منهم مواجهتها، ومحاولة التغلب عليها. ونفترض أن استمرار ممانعة الأنظمة السياسية التي نشأت الثورات لإطاحتها، أنتجت معطياتٍ جديدةً لم تكن متوقعة، كما أنتجت فاعلين آخرين، أي مختلف مظاهر الثورة المضادة وتجلياتها، وكلما تأخر الحسم في صور اندفاع الفعل الثوري برزت متغيرات جديدة، الأمر الذي يساهم في تعطيل المسار الثوري، فتغرق الثورة في مسلسلٍ من الأفعال والمواقف التي لا مفر من مواجهتها، وذلك بالحرص والاستماتة في مواصلة التشبث بمطلب إسقاط أنظمة الاستبداد والفساد، والاجتهاد في بناء ممكناتٍ أخرى في الفعل الثوري..
لا يختلف قدر الثوار، وهم الطلائع الحية المنخرطة في مواجهة أنظمة الاستبداد المهيمنة في مجتمعنا، لا يختلف عن قدر قادة الإصلاح ودعاة النهضة في مجتمعاتنا، وهم الطلائع المتنوِّرة التي ظلت ترفع مِشْعَل الإصلاح والتحديث عقوداً، ذلك أن الإصلاح ليس عملية سهلة، مثلما أن الثورة ليست مفتاحاً سحرياً، إنهما معاً من أفعال التاريخ المعقدة والمركَّبة التي تتطلب جهد ومناورة كثيريْن، لتتمكن الأجيال القادمة من معانقة دروب الحرية.
نتصوَّر أن تواصُل المعارك في صورة دعاوى ومشاريع للإصلاح، أو في شكل انفجاراتٍ وانتفاضاتٍ ميدانية، مقرونةٍ بلازمة إطاحة الأنظمة السياسية المستبدة، يُعبِّر في العمق، عن حاجةٍ تاريخيةٍ ملحة ومطلوبة، وذلك على الرغم من الخيبات والانتكاسات التي تحول دون تحقيق الأهداف المنشودة منها.. إلاَّ أنها تظل، في إطار الأوضاع السائدة في عالمنا، ضمن الأفعال الضرورية المطلوبة.
تعزَّزت حركية الأفق الثوري في المشهد السياسي العربي، على الرغم من كل أشكال المواجهة التي تروم محاصرته، والتقليل من آثاره في محيطنا السياسي والاجتماعي. صحيحٌ أنه يتجه اليوم إلى إكمال عقد من الزمن، وأنه وَلَّد آثاراً عديدة في أغلب المجتمعات العربية التي انخرطت في معارك الثورة والتغيير، كما ولَّد نتائج وآثارا في المجتمعات التي بادرت بتأسيس كوابح لوقف طوفانه، خوفاً من أن تحترق بلهيبه.
نتبيَّن مظاهر الأفق الثوري وتجلياته الحاصلة في بروز فاعلين جدد، ونشوء آلياتٍ جديدةٍ في
لنتذكّر جيداً أن تبلور الفكرة الإصلاحية وتطورها في ثقافتنا السياسية، داخل مشاريع النهوض العربي، تطلب عقوداً، وشاركت في بناء أسسها ومبادئها العامة أجيال من المصلحين والوطنيين طوال القرن العشرين. كما ساهم احتكاك مجتمعاتنا بالغرب والثقافة الغربية، سواء في لحظة الاستعمار أو فيما بعدها، في بناء ما يسمح بتجديد مبادئ ومقدمات الفكر الإصلاحي العربي وتطورها، في أثناء مواجهته مختلف التحولات الجارية في مجتمعنا. ويمكن الإشارة هنا إلى أن التوجه الإصلاحي الذي نَقْرِنُه عادة بالنخب السياسية والمثقفين تبنته، في الثلث الأخير من القرن الماضي، أغلب منظمات المجتمع المدني العربية، حيث أصبحت تعقد سنوياً منتديات للتفكير والتداول والتنسيق، في المسائل المرتبطة بالإصلاح في مختلف أبعاده.. الأمر الذي يفيد بأن مطلب الإصلاح السياسي الديمقراطي كان عليه إجماع، وقد أصبح الجميع يقرّ بذلك، الأنظمة السياسية ومنظمات المجتمع المدني، إلا أن هذا الإقرار لم يدفع أي نظام عربي إلى بناء سياسات فعلية في الإصلاح، تتيح لبعض البلدان العربية تجاوز سباتها التاريخي العميق، تجاوز قيود التاريخ، وتركيب ما يسمح بتكسيرها وبناء متطلبات النهوض والتنمية، فكان لابد من حصول انفجاراتٍ على شاكلة ما عرفته مجتمعاتنا في مطالع سنة 2011، انفجارات ملأت الميادين، ونقلت مجتمعاتنا من دوائر الإصلاح ومشاريعه إلى طريق الثورة، وذلك على الرغم من مخاطر هذا الطريق وصعوباته. بدأت الانفجارات سلمية، كما أصبحنا نعرف اليوم في كل من تونس ومصر، ثم شملت أغلب البلدان العربية بحكم تشابه أوضاعها وطموحاتها.
تتواصل اليوم معارك الفعل الثوري في السودان والجزائر وليبيا وسورية واليمن، وهي تتواصل بطرق في العمل مختلفة، بحكم أن الفاعلين يواجهون صعوباتٍ متعدِّدة ومتنوعة. صحيحٌ أنهم
لا يختلف قدر الثوار، وهم الطلائع الحية المنخرطة في مواجهة أنظمة الاستبداد المهيمنة في مجتمعنا، لا يختلف عن قدر قادة الإصلاح ودعاة النهضة في مجتمعاتنا، وهم الطلائع المتنوِّرة التي ظلت ترفع مِشْعَل الإصلاح والتحديث عقوداً، ذلك أن الإصلاح ليس عملية سهلة، مثلما أن الثورة ليست مفتاحاً سحرياً، إنهما معاً من أفعال التاريخ المعقدة والمركَّبة التي تتطلب جهد ومناورة كثيريْن، لتتمكن الأجيال القادمة من معانقة دروب الحرية.