كثيرة هي أوجه التباين بين انتفاضة الحجارة الفلسطينية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وانتفاضة الأقصى في عام 2000، غير أن أبرز ما يميز الانتفاضة الراهنة عن الانتفاضتين السابقتين هو تسلح المقاومين بوسائل الإعلام الاجتماعي.
كانت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى توجه جمهور المنتفضين بالبيانات المطبوعة على ماكينات "الستانسل" والتي توزع باليد في الشوارع والجامعات والساحات العامة أو تتلى خلال التظاهرات وعلى منابر المساجد. وكانت الجدران تستخدم كوسيلة لكتابة شعارات الانتفاضة والإعلان عن فعالياتها، كما كانت ملصقات نعي الشهداء تلصق على جدران المباني وواجهات المحال. أما صور الانتفاضة وأخبارها فكانت تصل إلى العالم الخارجي عن طريق وكالات الأنباء "رويترز" و"فرانس برس"، وبعض المراسلين المحليين ذوي الإمكانات المحدودة. أما في الانتفاضة الثانية، فكانت جماهير الانتفاضة تعتمد على الهواتف الجوالة لتبادل الرسائل النصية، رغم ارتفاع تكلفتها، أو على رسائل البريد الإلكتروني الذي كان استخدامه ينتشر ببطء مع صعوبات تقنية ومادية لم تجعله متاحًا للكثير من الناس. كما كانت محطات التلفزة والراديو المحلية تلعب دورًا في التوجيه والتوعية وأحيانا التحشيد. وكان مراسلو القنوات الفضائية وشاشاتها الوسيلة الأمثل لنقل صور الانتفاضة ووقائعها للرأي العام حول العالم.
أما الانتفاضة الحالية، فقد تزامنت مع ثورة تقنية غير مسبوقة في قطاعي الاتصالات والإعلام، بحيث تعددت وسائل الاتصال وصارت متاحة للأغلبية الساحقة من الناس، كما انتشرت مواقع التواصل الاجتماعي وباتت مصدرًا رئيسيًا لبث الأخبار والصور وإعادة نقلها لملايين المتلقين في وقت قياسي. في الانتفاضة الفلسطينية "نسخة 2015"، باتت فعاليات الانتفاضة تُنقل مباشرة من القدس ونابلس والخليل وغزة وسخنين عبر "تويتر" و"فيسبوك" الى ملايين المتلقين في داخل فلسطين وخارجها على امتداد القارات الخمس.
وظّف الفلسطينيّون وسائط الإعلام مثل الهاتف الجوال لتسجيل ونقل صور المواجهات في الميدان، ليتناولها جمهور عريض ويعاود بثها فيما يشبه كرة الثلج التي لا يعرف أحد نطاق توسعها أو مدى انتشارها. كما ساعدت وسائل الإعلام الجديد على توثيق جرائم الاحتلال ونقلها الى العالم، بعد أن كانت تجري سابقًا في الظلام وبعيدًا عن عيون الرأي العام الخارجي.
في المقابل، حررت وسائل ومنصات الإعلام الاجتماعي الجديد "المتلقي"، لاسيما في الغرب، من هيمنة وسيطرة وسائل الإعلام التقليدية، التي طالما هيمنت عليها وتديرها رؤوس الأموال الموالية لإسرائيل. فقد دأبت وسائل الإعلام الغربية التقليدية على غسل أدمغة الرأي العام بـ "الرواية الإسرائيلية" بكلّ ما فيها من دعاية سوداء وأكاذيب وتضليل، دون الاكتراث بـ "الرواية الفلسطينية" بكل ما فيها من تشريد واحتلال وظلم وضحايا. أما اليوم، فقد تحرر المتلقي الغربي من هيمنة واحتكار الشبكات الإعلامية الكبرى، مثل "بي بي سي" و"فوكس نيوز" و"سكاي" و"سي إن إن" وغيرها، وبات يستقبل الأخبار والصور مباشرة على أجهزة الكمبيوتر والهاتف النقال ومن مواقع التواصل الاجتماعي دون قص أو تشويه. كما أن أفراد الجيل الجديد من مستخدمي مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"تويتر"، باتوا أكثر قدرة على التعبير عن آرائهم ومواقفهم، ونشرها بالصوت والصورة والكلمة إلى قاعدة عريضة من المتلقين عبر العالم دون الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية، وبالتالي انتقلوا من موقع "المتلقي" السلبي إلى موقع "المصدر" الفاعل والمتفاعل.
اقرأ أيضاً: "فيسبوك" يغلق صفحات تابعة ومقربة من حماس
وقد كشف استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة "إبسوس موري" ونشرت نتائجه في مارس/آذار 2015، أن سبعة من كل عشرة بريطانيين (71 في المئة) يشعرون بأن منصات وسائل الإعلام الاجتماعي تعطي صوتاً للناس الذين لا يشاركون عادة في النقاش السياسي. وكانت نسبة الشباب من بين أصحاب هذا الرأي 88 بالمئة من 18-34 سنة، مقارنة مع 56 بالمئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 55 وأكثر.
وفي زمن الإعلام الإلكتروني انكشف زيف الدعاية الصهيونية وخطاباتها ومزاعمها الدينية والعاطفية التقليدية القائمة على إبراز "الاضطهاد والظلم الذي لحق باليهود على مر العصور". وقد فشلت الدعاية الصهيونية في التأثير على الجيل الغربي من الشباب، فهذا الجيل الجديد يبدو أقل تأثراً بالخطاب الديني، وأكثر ميلاً إلى العلمانية الليبرالية مقارنة بالأجيال الأوروبية السابقة. كما أن هذا الجيل يبدو أكثر تحرراً من الابتزاز بـ "عقدة الذنب" أو "عقدة الهولوكوست" كما كانت حال الأجيال الأوروبية السابقة، التي وصفها باحثون يهود بـ"الأجيال الصامتة".
كما أن الجيل الغربي الشاب لا يشعر بالمسؤولية المباشرة عن أحداث - مثل المجازر النازية أو المحرقة - وقعت قبل مائة عام تقريباً. وبالمقابل، يبدو هذا الجيل أقرب إلى التفاعل مع الأحداث الآنية، التي يتابعها على الهواء مباشرة، ويرى فيها آلة الحرب الإسرائيلية المحرّمة دولياً تُوغل في الدم الفلسطيني في مواجهة غير متكافئة. وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "يو غوف" ونشرت نتائجه في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أن الشباب البريطاني أقل تأييداً لإسرائيل مقارنة بالفئات العمرية المتقدمة في السن، (10 في المائة فقط من الشباب في الفئة العمرية 18-24 يؤيدون إسرائيل، مقابل 21 في المائة ممن هم في الستينات من العمر).
كما أظهرت استطلاعات الرأي، التي أجريت خلال السنوات الأخيرة، في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وغيرهما من الدول الأوروبية، أن الشباب هم النسبة الأعلى في الأوساط المؤيدة للفلسطينيين. وهذا تماماً ما عبّر عنه الكاتب، ديفيد باليمبو-لاي (David Palumbo-liu) عام 2014، عندما قال في مقالة تحت عنوان "جيل الألفية يرفض دعم واشنطن لإسرائيل": "إن إسرائيل تخسر الدعم العالمي لأن رواية المحرقة لم تعد قادرة على الصمود أمام الرواية الثانية... الحقيقة أن المزيد والمزيد من الشباب الأميركيين يشككون في جدوى دعم الجهود العسكرية الإسرائيلية على المدى الطويل".
وسائل الإعلام الغربية التقليدية، التي احتكرت تغطية أحداث الانتفاضتين الأولى والثانية، مثل "بي سي سي" و"سكاي نيوز" وغيرهما، أبرزت دور الإعلام الجديد في انتفاضة 2015، حتى أن موقع "بي بي سي" الإلكتروني تساءل إذا ما كان العنف المتبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو "انتفاضة فيسبوك" أم انتفاضة فلسطينية ثالثة بالفعل. أما صحيفة "يو إس آي تودي" الأميركية فحسمت في عنوان عريض أن الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة هي "انتفاضة فيسبوك" يُؤججها شبان غير منتمين لأي فصائل سياسية، ولكنهم يتقنون استخدام "تويتر" و"فيسبوك" لنقل الأحداث وتوزيع الأخبار والصور وتعبئة أقرانهم ضد الاحتلال.
اقرأ أيضاً: الإعلام الإسرائيلي وخطاب العنصريّة
كانت القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى توجه جمهور المنتفضين بالبيانات المطبوعة على ماكينات "الستانسل" والتي توزع باليد في الشوارع والجامعات والساحات العامة أو تتلى خلال التظاهرات وعلى منابر المساجد. وكانت الجدران تستخدم كوسيلة لكتابة شعارات الانتفاضة والإعلان عن فعالياتها، كما كانت ملصقات نعي الشهداء تلصق على جدران المباني وواجهات المحال. أما صور الانتفاضة وأخبارها فكانت تصل إلى العالم الخارجي عن طريق وكالات الأنباء "رويترز" و"فرانس برس"، وبعض المراسلين المحليين ذوي الإمكانات المحدودة. أما في الانتفاضة الثانية، فكانت جماهير الانتفاضة تعتمد على الهواتف الجوالة لتبادل الرسائل النصية، رغم ارتفاع تكلفتها، أو على رسائل البريد الإلكتروني الذي كان استخدامه ينتشر ببطء مع صعوبات تقنية ومادية لم تجعله متاحًا للكثير من الناس. كما كانت محطات التلفزة والراديو المحلية تلعب دورًا في التوجيه والتوعية وأحيانا التحشيد. وكان مراسلو القنوات الفضائية وشاشاتها الوسيلة الأمثل لنقل صور الانتفاضة ووقائعها للرأي العام حول العالم.
أما الانتفاضة الحالية، فقد تزامنت مع ثورة تقنية غير مسبوقة في قطاعي الاتصالات والإعلام، بحيث تعددت وسائل الاتصال وصارت متاحة للأغلبية الساحقة من الناس، كما انتشرت مواقع التواصل الاجتماعي وباتت مصدرًا رئيسيًا لبث الأخبار والصور وإعادة نقلها لملايين المتلقين في وقت قياسي. في الانتفاضة الفلسطينية "نسخة 2015"، باتت فعاليات الانتفاضة تُنقل مباشرة من القدس ونابلس والخليل وغزة وسخنين عبر "تويتر" و"فيسبوك" الى ملايين المتلقين في داخل فلسطين وخارجها على امتداد القارات الخمس.
وظّف الفلسطينيّون وسائط الإعلام مثل الهاتف الجوال لتسجيل ونقل صور المواجهات في الميدان، ليتناولها جمهور عريض ويعاود بثها فيما يشبه كرة الثلج التي لا يعرف أحد نطاق توسعها أو مدى انتشارها. كما ساعدت وسائل الإعلام الجديد على توثيق جرائم الاحتلال ونقلها الى العالم، بعد أن كانت تجري سابقًا في الظلام وبعيدًا عن عيون الرأي العام الخارجي.
في المقابل، حررت وسائل ومنصات الإعلام الاجتماعي الجديد "المتلقي"، لاسيما في الغرب، من هيمنة وسيطرة وسائل الإعلام التقليدية، التي طالما هيمنت عليها وتديرها رؤوس الأموال الموالية لإسرائيل. فقد دأبت وسائل الإعلام الغربية التقليدية على غسل أدمغة الرأي العام بـ "الرواية الإسرائيلية" بكلّ ما فيها من دعاية سوداء وأكاذيب وتضليل، دون الاكتراث بـ "الرواية الفلسطينية" بكل ما فيها من تشريد واحتلال وظلم وضحايا. أما اليوم، فقد تحرر المتلقي الغربي من هيمنة واحتكار الشبكات الإعلامية الكبرى، مثل "بي بي سي" و"فوكس نيوز" و"سكاي" و"سي إن إن" وغيرها، وبات يستقبل الأخبار والصور مباشرة على أجهزة الكمبيوتر والهاتف النقال ومن مواقع التواصل الاجتماعي دون قص أو تشويه. كما أن أفراد الجيل الجديد من مستخدمي مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"تويتر"، باتوا أكثر قدرة على التعبير عن آرائهم ومواقفهم، ونشرها بالصوت والصورة والكلمة إلى قاعدة عريضة من المتلقين عبر العالم دون الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية، وبالتالي انتقلوا من موقع "المتلقي" السلبي إلى موقع "المصدر" الفاعل والمتفاعل.
اقرأ أيضاً: "فيسبوك" يغلق صفحات تابعة ومقربة من حماس
وقد كشف استطلاع للرأي، أجرته مؤسسة "إبسوس موري" ونشرت نتائجه في مارس/آذار 2015، أن سبعة من كل عشرة بريطانيين (71 في المئة) يشعرون بأن منصات وسائل الإعلام الاجتماعي تعطي صوتاً للناس الذين لا يشاركون عادة في النقاش السياسي. وكانت نسبة الشباب من بين أصحاب هذا الرأي 88 بالمئة من 18-34 سنة، مقارنة مع 56 بالمئة من الذين تتراوح أعمارهم بين 55 وأكثر.
وفي زمن الإعلام الإلكتروني انكشف زيف الدعاية الصهيونية وخطاباتها ومزاعمها الدينية والعاطفية التقليدية القائمة على إبراز "الاضطهاد والظلم الذي لحق باليهود على مر العصور". وقد فشلت الدعاية الصهيونية في التأثير على الجيل الغربي من الشباب، فهذا الجيل الجديد يبدو أقل تأثراً بالخطاب الديني، وأكثر ميلاً إلى العلمانية الليبرالية مقارنة بالأجيال الأوروبية السابقة. كما أن هذا الجيل يبدو أكثر تحرراً من الابتزاز بـ "عقدة الذنب" أو "عقدة الهولوكوست" كما كانت حال الأجيال الأوروبية السابقة، التي وصفها باحثون يهود بـ"الأجيال الصامتة".
كما أن الجيل الغربي الشاب لا يشعر بالمسؤولية المباشرة عن أحداث - مثل المجازر النازية أو المحرقة - وقعت قبل مائة عام تقريباً. وبالمقابل، يبدو هذا الجيل أقرب إلى التفاعل مع الأحداث الآنية، التي يتابعها على الهواء مباشرة، ويرى فيها آلة الحرب الإسرائيلية المحرّمة دولياً تُوغل في الدم الفلسطيني في مواجهة غير متكافئة. وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "يو غوف" ونشرت نتائجه في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أن الشباب البريطاني أقل تأييداً لإسرائيل مقارنة بالفئات العمرية المتقدمة في السن، (10 في المائة فقط من الشباب في الفئة العمرية 18-24 يؤيدون إسرائيل، مقابل 21 في المائة ممن هم في الستينات من العمر).
كما أظهرت استطلاعات الرأي، التي أجريت خلال السنوات الأخيرة، في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وغيرهما من الدول الأوروبية، أن الشباب هم النسبة الأعلى في الأوساط المؤيدة للفلسطينيين. وهذا تماماً ما عبّر عنه الكاتب، ديفيد باليمبو-لاي (David Palumbo-liu) عام 2014، عندما قال في مقالة تحت عنوان "جيل الألفية يرفض دعم واشنطن لإسرائيل": "إن إسرائيل تخسر الدعم العالمي لأن رواية المحرقة لم تعد قادرة على الصمود أمام الرواية الثانية... الحقيقة أن المزيد والمزيد من الشباب الأميركيين يشككون في جدوى دعم الجهود العسكرية الإسرائيلية على المدى الطويل".
وسائل الإعلام الغربية التقليدية، التي احتكرت تغطية أحداث الانتفاضتين الأولى والثانية، مثل "بي سي سي" و"سكاي نيوز" وغيرهما، أبرزت دور الإعلام الجديد في انتفاضة 2015، حتى أن موقع "بي بي سي" الإلكتروني تساءل إذا ما كان العنف المتبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو "انتفاضة فيسبوك" أم انتفاضة فلسطينية ثالثة بالفعل. أما صحيفة "يو إس آي تودي" الأميركية فحسمت في عنوان عريض أن الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة هي "انتفاضة فيسبوك" يُؤججها شبان غير منتمين لأي فصائل سياسية، ولكنهم يتقنون استخدام "تويتر" و"فيسبوك" لنقل الأحداث وتوزيع الأخبار والصور وتعبئة أقرانهم ضد الاحتلال.
اقرأ أيضاً: الإعلام الإسرائيلي وخطاب العنصريّة