الرسم الذي انتشر بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لفرنسا وهي تحضن بلجيكا وتبكيان، مؤثر، جميل، لكنه انتقائي، تماماً كانتقائية وسائل الإعلام. فبين تفجير باريس، وتفجير بروكسل.. تفجيرات في إسطنبول، وأنقرة. من حقّ الرسّام، ومن حق المغردين، ومن حق الناشطين على مواقع التواصل التضامن مع الدول التي يريدونها.. من حقهم اعتبار مأساة الفرنسيين والبلجيكيين واحدة، في تماهٍ تام مع ما قاله الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الذي أدان التفجيرات قائلاً: "إنه هجوم جبان. هجوم على قيمنا ومجتمعاتنا المفتوحة". هي مجتمعات واحدة، حضارة واحدة.. شعب واحد. هذا جميل، لكننا نحن خارج هذا المجتمع الواحد، خارج التعاطف الإنساني للإعلام، وخارج مشاهد المراسلين المنهارين بكاء على الضحايا... نحن الذين نموت خارج هذه العواصم، نموت على هامش نزاعات نحن سببها، نحن جزء منها، أو هكذا يتصوّرون.
هذه المرة بسرعة فائقة خرج الحديث عن التعاطف المزدوج مع ضحايا التفجيرات الإرهابية إلى الصفحات الأولى في الصحف الغربية. فازدواجية العواطف، وازدواجية المعايير مع الضحية الأوروبية، مقابل الضحية التركية أو العربية باتت فاقعة. "الإندبندنت" وفي أكثر مقالاتها قراءة ليوم أمس تساءلت: "أين كان هذا التعاطف بعد تفجير أنقرة؟". وفي متن المقال تساءلت الكاتبة ياسمين أحمد: "حجم الهجمات الإرهابية لا يجب أن يكون بعدد الضحايا... هناك أرواح كثيرة فقدت في تفجير تركيا، بينما أوروبا بقيت صامتة".
وبالفعل، في تفجير أنقرة الذي تبناه "حزب العمال الكردستاني" (العلماني) قبل أسابيع قليلة، لم نر (تقريباً) أي كلمة "إرهابي" في التغطية الغربية. هو "انفجار كبير"، "تفجير مأساوي" (الإندبندنت، والتيليغراف البريطانيتان) "تفجير عنيف"، "تفجير انتحاري" ("لو بوان"، و"لو فيغارو" الفرنسيتان). لم نسمع كلمة "إرهاب" علماً أن التفجير أدى إلى سقوط أكثر من 30 ضحية. فهل تختلف المعايير باختلاف الضحية، وباختلاف "الإرهابي"؟ أليس كل من يقتل مدنيين ابرياء إرهابيا؟
يبدو الكلام في غير وقته، خصوصا أن بروكسل لم تنته بعد من تعداد ضحايا التفجيرات الإرهابية، وبعض الجرحى لا يزالون معلقين بين الحياة الموت، بسبب إرهاب، وإرهابيين، قرروا أن كل هذه الأرواح لا تستحق الحياة. لكنها الدوامة نفسها، والمشهد نفسه، علماً أن بعض وسائل الإعلام قرّرت هذه المرة كسر نقاش دام لسنوات حول نشر صور القتلى والجرحى أو عدمه. فرأينا صور الجرحى بوجوههم المدمّاة على أغلب المواقع الإلكترونية، مثل "الإندبندنت" و"نيويورك تايمز".. هو ربما تأكيد على أن إرهاب الإرهابي، فتجهيل الفاعل لا ينفع في تفجيرات يتبناها "داعش"، أو ربما لم تعد صور الموت محرّمة، الصور التي تنتشر بالعشرات كل يوم لغرقى سقطوا من قوارب مطاطية برتقالية، أو لوجوه أطفال مشوّهة مسحتها البراميل المتساقطة من السماء..
اقرأ أيضاً: عنصرية ما بعد التفجير: "أوقفوا الإسلام"