وبدا واضحاً مجدداً أن التغطية التلفزيونية أبعد ما تكون عن الإنسانية، وفي حال أُقحمت الأخيرة في النصوص والمقدمات، فتظهر هشة وزائفة وخارجة عن السياق. واستغلت قناة "الجديد" حادثة الاعتداء، لتجديد هجومها على الثورة السورية ومؤيديها وداعميها، مختصرةً الحادث كله بعبارة رخيصة "انقلاب السحر على الساحر".
وتابعت "الجديد" تجاهل الأصول الإعلامية المهنية، فعرضت صوراً "حصرية" لجثث الضحايا، وانتقلت خلال نشرتها الإخبارية إلى بيوت عائلات الضحايا، ففرضت نفسها وسط معاناتهم، وحرصت على عدم تفويت أي دمعة أو صرخة للأهالي. عملت القناة على قاعدة "أي انهيار على الشاشة يعدّ سبقاً صحافياً، لا تفوتوا أي انهيار إنساني".
طبعاً، اعتمدت قناة "إم تي في" الأسلوب نفسه، فدارت بين بيوت الضحايا، وبثت أوجاعهم ودموعهم، في لحظة يفترض أن تكون حميمية وخاصة. وفرضت نفسها على الأهالي، فتجاهلت الدموع، لتصر على الحصول على أجوبة عن أسئلة نمطية لامبالية مثل "ما هي ميزات الفقيد؟"، كأنها تمارس استفزازاً عاطفياً على العائلة المفجوعة، لتجبرها، في حال تماسكها، على الانهيار.
ولم تتوقف أخطاء "إم تي في" عند هذا الحدّ، إذ أثناء سعيها نحو السبق الصحافي، بحثت سريعاً على موقع "فيسبوك" عن اسم ريتا الشامي، إحدى ضحايا اعتداء اسطنبول، ووجدت حساباً بهذا الاسم، ونشرت على موقعها خبراً بعنوان "بالفيديو ريتا نقلت احتفال الملهى الليلي في تركيا قبل ثوان من الهجوم"، لتوضح صاحبة الحساب لاحقاً أن هناك تشابه في الأسماء، فحذفت القناة الخبر من دون أي توضيح للقراء.
وكان لافتاً لعب "إم تي في" أيضاً على الوتر الطائفي، إذ نشرت خبراً على موقعها الإلكتروني، بعنوان "لبناني يشتم الضحايا اللبنانيّين في تركيا: لعنهم الله"، مسلطة الضوء على إحدى التغريدات غير الأخلاقية لمستخدم عادي، ونشرت مقالاً آخر بعنوان "عن ريتا والياس وهيكل الذين قتلهم الله!" حاول كاتبه التلميح إلى أن الاعتداء استهدف أشخاصاً من الطائفة المسيحية حصراً، والإشارة إلى شماتة أبناء الطوائف الأخرى بهم.
مجدداً، بدت قناة "أو تي في" كأنها في عالم آخر، إذ استغلت في مقدمة نشرتها المسائية الاعتداء الإرهابي، فسلطت الضوء على "إنجازات العهد الجديد"، بعد تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية اللبنانية، مستعرضة "تباشير العام الجديد الواعدة محلياً على أكثر من مستوى: رئاسياً وحكومياً"، وأسفت على عدم قدرتها على "بثّ تقارير الأخبار الحلوة، عشية الجلسة الأولى لمجلس الوزراء الجديد بعد نيل الثقة، التي يتوقع أن تُقبِلَ الأربعاء المقبل على إنتاجية غير معهودة"، قبل أن تختم المقدمة بالتطرق إلى ضحايا الاعتداء، ليبدو إسقاطاً خارجاً عن السياق، واستخفافاً بحجم الحادث. ولم تفوت، كباقي القنوات، فرصة اقتحام منازل الضحايا، وعرض مشاهد انهيار الأهالي.
أمّا قناة "إل بي سي آي" التي استهلت نشرتها الإخبارية بمقدمة متوازنة، سارعت لاحقاً إلى عرض مشاهد مستفزة من منزل إحدى عائلات الضحايا، مركزة كاميراتها على الشقيقات المفجوعات بأخيهن، إلياس ورديني، لتظهر إحداهن غائبة عن الوعي، وأخرى فاقدة السيطرة تماماً على نفسها، بينما كاميرا "إل بي سي آي" تزاحم عناصر من "الصليب الأحمر اللبناني"، للحصول على "الكادر" الأمثل.