الإعلام المصري: وزارة بلا اختصاصات... وقمع

25 ديسمبر 2019
(فريديريك سلطان/Corbis)
+ الخط -
استعاد التعديل الوزاري الأخير في مصر وزارة الإعلام مجددًا، بعد سنوات من إلغائها، لكنها عادت تحت مسمّى "وزارة الدولة للإعلام" لا وزارة الإعلام، وهو فارق جوهري كبير، إذ إن وزير الدولة بلا صلاحيات واختصاصات، وهو أشبه بموظف تابع لمجلس الوزراء. 

وألغيت وزارة الإعلام عام 2014 بعد نص دستوري ينص على تشكيل مجلس أعلى لتنظيم الإعلام وهيئتين وطنيتين، إحداهما للصحافة والأخرى للإعلام، لتولي مهام تنظيم المشهد الإعلامي بالكامل. وكانت آخر وزيرة لها درية شرف الدين، وتولت المنصب في الفترة منذ 16 يوليو/ تموز 2013 عقب الانقلاب العسكري، حتى 17 يونيو/ حزيران 2014. وكان الدستور المصري لعام 2014 قد استبدل بوزارة الإعلام والمجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتلفزيون، المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، وحدد مهامها في تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية، وأوكل إليها مسؤولية ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، تنفيذا للإلزام الدستوري.

وقد شكّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المجلس الأعلى للإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، في 12 إبريل/ نيسان 2018، من شخصيات تُعرف بتأييدها وقربها الشديد منه ومن حكومته، لتمارس المؤسسات الثلاث عملها خلال الأشهر الخمسة السابقة دون قانون لتنظيم المهنة. أما الهيئة العامة للاستعلامات فقد آلت تبعيتها لمجلس الوزراء، بعدما كانت تتبع وزارة الإعلام التي ألغيت بصدور قرار إنشاء المجلس الأعلى للإعلام وهيئتي الصحافة والإعلام. وبالفعل صدر قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، رقم 180 لسنة 2018، في الجريدة الرسمية بتاريخ 27 أغسطس/ آب 2018. كما صدر قانون الهيئة الوطنية للصحافة، رقم 179 لسنة 2018، في الجريدة الرسمية بتاريخ 27 أغسطس 2018، وبالتاريخ نفسه أيضاً، صدر قانون الهيئة الوطنية للإعلام رقم 178 لسنة 2018.

إثر ذلك، جاء قرار استعادة وزارة الإعلام مفاجئًا وينمّ عن تخبط شديد في المشهد السياسي لا المشهد الإعلامي، وقد يتطور الأمر للإطاحة برموز وشخصيات اجتهدت طوال سنوات لتقديم فروض الولاء والطاعة للنظام بكل ما أوتيت من قوة. ويأتي على رأسهم رئيس المجلس الأعلى للإعلام مكرم محمد أحمد، الذي قال في أول تصريح صحافي عقب عودة وزارة الإعلام، إن "وزير الإعلام الذي عُيّن اليوم هو وزير بلا وزارة، وإن القرار لم يوضح اختصاصات أسامة هيكل، لكن الدستور أكد وضْع المجلس الأعلى والهيئتين"، متسائلاً: "نريد أن نفهم طبيعة العلاقات والاختصاصات والتشابكات بين وزير الدولة للإعلام والمجلس والهيئتين حتى تسير الأمور بسلاسة".

إلا أنّ تصريح مكرم يحمل جانباً من الصواب، إذ إن اختصاصات وزير الإعلام تقع في قبضة المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للإعلام، وهما مجلسان محصنان دستورياً. وعليه لا يمكن فهْم تعيين أسامة هيكل وزيراً للإعلام إلا "باعتباره مقدمة لتعيينه رئيساً للمجلس الأعلى للإعلام، أو باعتباره منسقاً بين الجهات الأمنية المالكة للقنوات الإعلامية"، حسب مراقبين.

لكن وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، صرح عقب أدائه اليمين القانونية أمام الرئيس المصري، بأن الدستور لم يمنع وجود وزارة للإعلام، وأن هذه رؤية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، مضيفاً أنه في الماضي كان من الممكن أن يتولى الوزير تنظيم الإعلام، لكن في الوقت الحالي سيأتي وزير إعلام بمفهوم جديد خاصة مع وجود الهيئات الإعلامية. ويشار إلى أن أسامة هيكل تولى منصب وزير الإعلام في الفترة من 24 يوليو/ تموز عام 2011 حتى 6 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه إبان حكم المجلس العسكري عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

من جانبه، رأى عضو مجلس نقابة الصحافيين المصرية جمال عبد الرحيم، أيضًا، أن وزارة الإعلام دون اختصاصات. وقال "لا شك أن وزارة الإعلام بعد عودتها لن تكون لها أي اختصاصات طبقا للنصوص الدستورية أرقام 211- 212 - 213 ومن بعدها القوانين المنظمة للصحافة والإعلام 178 - 179 - 180 لسنة 2018، إذ إن الهيئات الإعلامية والصحافية هي المختصة بكافة أمور الصحافة والإعلام، علاوة على أنها هيئات مستقلة طبقا للدستور، وبالتالي فليس من حق الوزير التدخل في عملها".



وتنص المادة (211) من الدستور المصري على أن "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري، وموازنتها مستقلة. ويختص المجلس بتنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي، وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها. ويكون المجلس مسؤولاً عن ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها وتنوعها، ومنْع الممارسات الاحتكارية، ومراقبة سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحافية والإعلامية، ووضْع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي، وذلك على الوجه المبين في القانون. يحدد القانون تشكيل المجلس، ونظام عمله، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيه. ويُؤخذ رأي المجلس في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عمله". فيما تنص المادة (212) من الدستور على أنّ "الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهني وإداري واقتصادي رشيد. ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويُؤخذ رأي الهيئة في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها".

وكذلك تنص المادة (213) من الدستور على أن "الهيئة الوطنية للإعلام هيئة مستقلة، تقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان استقلالها وحيادها، والتزامها بأداء مهني، وإداري، واقتصادي رشيد. ويحدد القانون تشكيل الهيئة، ونظام عملها، والأوضاع الوظيفية للعاملين فيها. ويُؤخذ رأي الهيئة في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها".

ووسط كل هذا التخبط والارتباك السياسي والإعلامي الشديدين، فإن نظرة صغيرة على الواقع تكشف غياب مفهوم الصحافة والإعلام في ظل كل هذه الهيئات والوزارات والمؤسسات. فوفقًا لآخر حصر للمرصد العربي لحرية الإعلام "اكشف"، وصل عدد الصحافيين والإعلاميين السجناء حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، إلى 80 صحافياً وصحافية، بينما وثقت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وجود 54 صحافيًا مقيدًا في كشوف النقابة في السجون المصرية. أما الصحافيون الصادرة ضدهم أحكام قضائية، فقد وصل عددهم إلى 29 صحافيًا وإعلاميًا، وفقًا لآخر حصر للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

ووصل عدد المواقع المحجوبة في مصر إلى 546 موقعًا على الأقل، بعد الهجمة التي صاحبت مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي، من بينها 103 مواقع صحافية، وفقًا لحصر "مؤسسة حرية الفكر والتعبير". وقد أظهر التصنيف العالمي لحرية الصحافة لمنظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2019، تراجُع مصر إلى المرتبة 163 عالميا، بتراجع مركزين عن العام الماضي من أصل 180 بلدًا. ووفقًا للأرقام الصادرة عن "لجنة حماية الصحافيين"، تحتل مصر المرتبة الثالثة كأسوأ بلد من حيث سجْن الصحافيين.

وتصدرت الصين وتركيا والسعودية ومصر وإيران قائمة البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين في العالم، وفق تقرير للجنة حماية الصحافيين الدولية، نُشر في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري. لكنّ مصر تعدّ أكثر دولة تستخدم تهمة نشر "أخبار كاذبة" لاعتقال الصحافيين، وفق تقرير للجنة حماية الصحافيين الدولية.