دخلت سورية منعرجاً يعدّه مراقبون الأخطر منذ ظهورها دولة بحدودها الراهنة في العام 1920، إذ بدأت دعوات تقسيم البلاد تتلمّس طريقها تحت مسميات مختلفة كـ"الحكم الذاتي"، والفيدرالية، والحكم اللامركزي، وحذّر سوريون من أن هذه الدعوات تفتح شهية أطراف أخرى لتفتيت المفتت، وتقسيم المقسم. ولم يكد ينتهي اجتماع دُعي إليه على عجل من قبل ثلاثين حزباً وحركة ومنظمة كردية، وحركات أخرى سريانية وآشورية، ودعا لتشكيل لجنة تأسيسية تعمل على إعداد رؤية قانونية وسياسية لنظام اتحادي فيدرالي في المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، حتى هبّت عاصفة انتقادات قطعت الطريق أمام "أحلام" البعض باستغلال الفوضى الدامية في سورية لاقتطاع أجزاء منها لإنشاء كيانات على أساس عرقي أو طائفي.
لكن عدداً من الكتاب والمثقفين الأكراد في سورية رحبوا بهذه الخطوة، ومنهم الكاتب جوان محمد، الذي يرى في حديث لـ"العربي الجديد" أن الفيدرالية "تخدم عملية الحل السياسي في سورية، وهي السبيل الوحيد لوقف نزيف الدم"، مضيفاً: "يجب إيجاد آلية، ونظام للتكيف مع المرحلة إلى أن نجد حلاً سياسياً نهائياً شاملاً لسورية". إلاً أن أصواتاً كردية أخرى كان لها رأي مخالف فهي تتخوّف من الإقدام على خطوة "غير محسوبة النتائج" قد تؤدي إلى تعقيد المشهد في شمال سورية.
من جهته، يؤكد الصحافي آلان حسن، الذي واكب اجتماعات الرميلان، أن الفيدرالية لم تُعلن بعد بشكل رسمي، إنما جرى تشكيل مجلس تأسيسي للنظام الاتحادي، مهمته إعداد عقد اجتماعي ورؤية قانونية سياسية شاملة لهذا النظام، وأن على اللجنة أن تنهي عملها في مدة لا تتجاوز ستة أشهر، مشيراً إلى أن إقرار الفيدرالية "منوط بالتطورات السياسية والعسكرية، وكذلك موقف المجتمع الدولي منها". ويشير حسن إلى "وجود انقسام داخل المجتمع السوري الكردي حيال هذه الخطوة، مرده ليس للفيدرالية نفسها، بل للجهات التي قامت بهذه الخطوة، وغياب بعض التنظيمات السياسية الكردية عنها، بالإضافة إلى مدى واقعية هذا الطرح في ظل الظروف التي تمر بها سورية، خصوصاً أن الإعلان هو من جانب واحد، وقبل أن تتضح معالم النظام المركزي الجديد في العاصمة دمشق".
أما الكاتب السوري الكردي أحمدي موسي، فيؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، رفضه لأي مشروع تقسيمي في سورية، مضيفاً: "لا يوجد كردي سوري طموحه الانفصال عن الوطن ولا يعمل على تقسيمه، ولكن على الجانب الآخر لن تلتقي بكردي يريد أن تبقى سورية مركزية كالسابق يحكمها نظام استبدادي قاتل كنظام بشار الأسد الذي يقتل شعبه لمجرد أنه طالب باستنشاق الحرية". ويعلن موسى "أننا مع أي نوع يفك سلاسل الاستبداد في سورية الجديدة، ومع أي نظام ديمقراطي يعترف بالحقوق السياسية للأقليات"، مشيراً إلى أن "النظام الفيدرالي لسورية الجديدة يجب أن يكون بقبول الأطراف جميعاً بها، أما خارج هذا التوافق فهو تغريد لأجندات لا تخدم مستقبل وطننا ولا حتى تخدم القضية الكردية مستقبلاً، بل ستزيد من احتقان الشارع السوري".
اقرأ أيضاً: ثروات الشمال السوري تُغري الأكراد للانفصال بثلاثية النفط-القمح-القطن
في السياق، يرى البعض أن استثناء حركات وأحزاب كردية كحزب "الاتحاد الديمقراطي" والذي شكّل مع أطراف أخرى في شمال سورية ما يُعرف بـ "الإدارة الذاتية"، من محادثات جنيف كان له دور كبير في الدفع باتجاه اتخاذ خطوات من طرف واحد. ويشير رئيس المجلس السوري السريالي بسام اسحق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن إبعاد مكوّنات ما أسماها "الإدارة الذاتية" عن محادثات جنيف، كان هو المحرض الأساسي لخطوة إعلان فيدرالية في شمال سورية، مضيفاً: "مكوّنات الإدارة أرادت أن تقول إن لنا رؤية، ورأياً، وإننا غير ممثلين في محادثات جنيف، وتابع بالقول: "الإقصاء هو الداء"، مضيفاً: "نحن ندافع عن رؤية، وحق".
وعن شرعية إعلان فيدرالية من طرف واحد من دون شرعية دستورية، يلفت اسحق إلى "أننا في ثورة، والشرعية اليوم يتصارع عليها تنظيم داعش، والنصرة، والنظام، والهيئة العليا للتفاوض، والإدارة الذاتية التي شكّلتها عشرات الأحزاب وتمثّل مكونات منطقة وجاءت لتملأ فراغاً، وهي مبنية على عقد اجتماعي"، وفق اسحق.
وأثار إعلان أحزاب كردية نيتها الانفصال عن سورية ردود فعل كبرى، إذ أصدرت فصائل في الجيش السوري الحر بياناً شددت فيه على رفضها لهذه الخطوة، معتبرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي "منظمة إرهابية" لا تمثّل أكراد سورية، وذهبت الفصائل إلى وضع الحزب مع تنظيم "داعش" في ميزان واحد لأن هدفهما "تقسيم سورية، وتمرير مشاريع خاصة دخيلة على الشعب السوري"، متعهّدة بمقاومة ما سمي الفيدرالية، مؤكدة وحدة سورية أرضاً وشعباً، مشيرة إلى أن أي مشروع للتقسيم "هو خط أحمر، ودونه الدماء والأرواح"، وفق بيان صدر عن هذه الفصائل. ووقّع على البيان سبعون فصيلاً تابعاً للمعارضة السورية المسلحة، أبرزها جيش الإسلام، فيلق الشام، حركة نور الدين الزنكي، جيش النصر، جيش التحرير، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، الفرقة الوسطى، اللواء العاشر في الساحل، فرقة عمود حوران، جيش الشام، الفرقة الثانية الساحلية، وسواها من الفصائل. وخرجت تظاهرات عارمة في عدة مدن سورية في ذكرى بدء الثورة السورية انطلاقا من درعا، رافضة للتقسيم، ومحذرة من تبعات أي خطوات في هذا الاتجاه على مستقبل سورية بعد خمس سنوات من الثورة.
وكان الائتلاف السوري المعارض أصدر بياناً حذر فيه من "أية محاولة لتشكيل كيانات أو مناطق أو إدارات تصادر إرادة الشعب السوري" مشيراً إلى أن "تحديد شكل الدولة السورية، سواءً أكانت مركزية أو فيدرالية، ليس من اختصاص فصيل بمفرده، أو جزء من الشعب، أو حزب أو فئة أو تيار، وإنما سيتقرر ذلك بعد وصول المفاوضات إلى مرحلة عقد المؤتمر التأسيسي السوري الذي سيتولى وضع دستور جديد للبلاد، ثم من خلال الاستفتاء الشعبي". وشدد البيان على أن "الائتلاف لن يقبل بأي مشروع يقع خارج هذا السياق، ويصر على وحدة سورية أرضاً وشعباً".
كما ندد الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سورية برئاسة عبد الحميد حج درويش، بإعلان أحزاب كردية فيدرالية في شمال سورية، وقال في بيان: "ما نريد أن نؤكد عليه أن قراراً كهذا ليس فقط يتعلق بمصير الشعب الكردي في سورية وإنما بمستقبل عموم الشعب السوري، ولا يمكن أن يؤخذ هكذا قرار بشكل انفرادي من دون استشارة أو إشراك بقية الأطراف في الحركة الكردية، ومن دون توافق وطني مع المكونات السورية الأخرى، خصوصاً العربية منها التي يربطنا معها مصير مشترك".
كما تبرأ هيثم مناع، وهو الرئيس المشترك لمجلس "سورية الديمقراطية" الذي يضم حزب "الاتحاد الديمقراطي"، من هذه الخطوة، متمنياً "على التنظيمات المشاركة إعادة النظر في قراراتها، حرصاً على وحدة مكونات مجلس سورية الديمقراطية السياسية والمدنية والقومية، ونجاح مشروعنا المشترك من أجل سورية ديمقراطية".
من جهتها، أعلنت قيادة الجبهة الشرقية والمجلس الأعلى للعشائر والقبائل السورية "رفضها مشروع الفيدرالية وإحداث كانتون انفصالي في المنطقة الشمالية الشرقية لأن مثل هذا الطرح يمس سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، ويؤجج النزاعات القومية والطائفية بين أبناء الشعب السوري"، وفق بيان صدر عنها.
اقرأ أيضاً: الفيدرالية الكردية السورية... خطوة للتوسّع والانفصال حيث فشل بتركيا