15 نوفمبر 2024
الإمارات.. الحليف المراوغ والغادر
يوماً بعد يوم، يتكشف الوجه الذرائعي والمتقلب لدولة الإمارات العربية، بقيادة ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد. وجه لا يخفي الغدر الذي يختزنه، كما أنه لا يخفي خبثه كذلك، حتى عندما يتعلق الأمر بمن يُفترض فيهم أنهم حلفاء، كالمملكة العربية السعودية. يوم الأربعاء الماضي، قام وفد عسكري إماراتي، برئاسة قائد قوات خفر السواحل، محمد علي مصلح الأحبابي، بزيارة رسمية إلى طهران، اجتمع خلالها مع قائد قوات حرس الحدود الإيراني، قاسم رضائي، حيث ناقشا ضرورة العمل على تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وضمان أمن مياه الخليج، خصوصا بحر عُمان ومضيق هرمز. ولم يتردّد، محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في القول إن أبو ظبي تحاول أن تأخذ موقفا متباينا مع الرياض بشأن اليمن، بما في ذلك إعادة نشر قواتها هناك.
اللافت هنا أن هذه الزيارة الإماراتية لطهران لم تكن الأولى، بل إنها الثانية في غضون أسبوعين، إذ سبقتها، حسب تقرير لموقع الجزيرة. نت، زيارة وفد أمني إماراتي، وبّخ خلالها المسؤولون الإيرانيون الإمارات، بذريعة أنها أصبحت مركزا ومقرّا لاستهداف الأمن القومي الإيراني، ومنها أن شبكة التجسس التي أعلنت طهران كشفها كانت تعمل من الإمارات، وأن الطائرة الأميركية المسيّرة التي أسقطتها إيران انطلقت هي الأخرى من الإمارات. المسألة الأبرز هنا هو السياق الذي يجيء ضمنه تفعيل قنوات التواصل مع طهران، إماراتياً، إذ إنها تأتي على خلفية التصعيد الأميركي/ البريطاني مع إيران في مضيق هرمز، والذي كانت أبو ظبي أحد أبرز المحرّضين بشأنه، كما أنها تأتي بعد أقل من ثلاثة أسابيع على كشف قيام الإمارات بعملية سحب لقواتها من اليمن ضمن خطة "إعادة انتشار" لأسباب "استراتيجية وتكتيكية"، وذلك على الرغم من تدخل مسؤولين في الديوان الملكي السعودي لثني الإماراتيين عن ذلك.
الأهم من كل ما سبق أن المواءمات وتعديل المقاربات التي تجريها أبو ظبي، فيما يتعلق
بالعلاقة مع إيران أو دورها في حرب اليمن، يبدو أنها لا تتم بتنسيق مباشر مع الحليف السعودي، حيث تبدو الرياض وحيدةً مع تل أبيب اليوم في قرع طبول الحرب الأميركية ضد إيران، في حين أن صاحب تلك الطبول، دونالد ترامب، لا يبدو معنيّا بتصعيد عسكري، على الأقل آنيا، وهو ما ولّد مرارة وحسرة سعودية – إماراتية - إسرائيلية مشتركة. ولكن إذا كانت السعودية أسيرة وزنها وحجمها الإقليمي ضمن المنافسة الجيوسياسية مع إيران، وإذا كانت إسرائيل دولة تملك قوة رادعة في وجه طهران، فإن الإمارات، والتي هي على مرمى حجر من إيران، دولة هشّة، لا تملك أسباب القوة الحقيقية من دون غطاء أميركي كامل. وحتى لو توفر للإمارات غطاء عسكري أميركي شامل، فإنها تدرك أنها لن تكون في منأىً عن ضربات إيرانية صاروخية مباشرة، وربما عمليات تخلّ بأمنها على أراضيها. وقد سبق لمسؤولين إيرانيين أن أصدروا تهديداتٍ مبطنة بهذا المعنى، في حين كان الوكلاء الإيرانيون، سواء في حزب الله اللبناني، كما فعل أمينه العام حسن نصر الله الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، أم الحوثيون في اليمن، أكثر وضوحا ومباشرة. وهناك معلومات تؤكد أن الحوثيين نجحوا، العام الماضي، في قصف منشآت في مطار أبو ظبي عبر طائرة مسيّرة. نفتح قوساً هنا، إذ قد يسأل سائل عن دور البحرين ومكانها في هذا الصراع، إلا أنه دور هامشي يدور في الفلك السعودي.
إذاً، تبدو أبو ظبي وكأنها قد استيقظت فجأة على حقيقة أن اقتصادها كله سيتدمر، بما في ذلك ناطحات السحاب في دبي، إذا قامت حرب إقليمية أو أميركية مع إيران، خصوصا وهي تتابع عن كثب تردّد ترامب في الرد على الاستفزازات الإيرانية، على الرغم من تهديد طهران الملاحة البحرية في مضيق هرمز، وإسقاطها طائرة تجسس أميركية مسيّرة الشهر الماضي، وقبل ذلك الهجمات التي نسبت إليها في شهر مايو/ أيار الماضي على أربع ناقلات نفط في المياه الإقليمية للإمارات.
أمام التحديات السابقة، لجأت الإمارات إلى مبدئها السياسي المفضل تحت قيادة محمد بن زايد، وهو الغدر والمراوغة، وطلب النجاة على حساب من تزعم أنهم حلفاؤها، وتحديدا السعودية. المفارقة هنا أن أبو ظبي لعبت دورا كبيرا في توريط المملكة في اليمن، وفي التصعيد مع إيران، بل إن رسائل البريد الإلكتروني المسرّب للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، عام 2017، تثبت إن أبو ظبي هي من عملت على تسويق ولي العهد السعودي الحالي، محمد بن سلمان، لدى إدارة ترامب، وهو ما مهّد في يونيو/ حزيران 2017 إلى انقلاب قصر على ولي العهد السابق، محمد بن نايف، وعزله لصالح بن سلمان. ولا تخفي الإمارات كراهيتها المملكة، حيث تشير إحدى الرسائل المسرّبة من بريد العتيبة الإلكتروني إلى أن أبو ظبي خاضت حروبا على مدى مائتي عام مع السعودية حول الوهابية، وبأن لدى الإمارات "تاريخا سيئا" مع السعودية أكثر من أي طرف آخر. وتلمح الرسائل نفسها إلى أن أبو ظبي كانت ترى في بن سلمان أقرب إلى رؤية ابن زايد، على الرغم من تفاوت مستوى الذكاء والخبرة بينهما لصالح الأخير، حسب العتيبة الذي لا يتردّد في القول، في إحدى رسائله، إن هذا هو الوقت الأنسب للإمارات "لتحقيق أفضل النتائج التي نستطيع أخذها من السعودية"، وذلك بعد أن ينتقص من محمد بن نايف الذي كان ابن زايد يخشى وصوله إلى العرش، إذ سبق له أن شبه أباه، الأمير نايف بن عبد العزيز، أمام مسؤول أميركي، عام 2003، بـ"القرد"، وذلك كما كشفت لاحقا تسريبات "ويكيليكس". وبهذا المعنى، يكون بن سلمان جزءا من صناعة إماراتية للسيطرة على المملكة، وتوجيهها كما يشاؤون عبره، وهو ما كان.
في عام 2014، وصف الجنرال الأميركي المتقاعد حينها، جيمس ماتيس (أصبح أول وزير
دفاع في إدارة ترامب قبل استقالته أواخر 2018)، الإمارات بـ"أسبرطة الصغيرة"، ومن ثم شاعت الإحالة إلى الإمارات، غربيا، بـ"أسبرطة الشرق الأوسط". وأسبرطة مدينة يونانية قديمة خلّدتها في المخيال الغربي أسطورة تحكي تصدي ثلاثمائة مقاتل منها، في عصور ما قبل الميلاد، لزحف جيش فارسي جرّار كان يريد غزو مدينة أثينا. وحسب الأسطورة، نجح مقاتلو أسبرطة في تعويق تقدم الجيش الفارسي، وتمكين الجيش الأثيني من الانسحاب إلى موقعٍ أكثر أمنا، وفي المحصلة هزيمة الفرس. بالنسبة للعسكريين الأميركيين، حينها، ما أهّل الإمارات لتلك المنزلة هو دورها الفعال في "الحرب على الإرهاب الإسلامي"، خصوصا ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق وسورية. المفارقة في هذ السياق أن تسريبات "ويكيليكس" كشفت أن المسؤولين الإماراتيين حاولوا تسويق بلدهم على أنها "أسبرطة الصغيرة"، بتقديم أنفسهم الحليف العربي الأوثق للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتهشيم صورة السعودية، وتأطيرها بلدا "متطرّفا". أما اليوم، فقد أثبتت الإمارات أنها لا تستحق إنزالها منزلة رفيعة في الحسابات الغربية، فهي دولة هشّة. وعلى عكس أسبرطة ها هي تنحني أمام إيران (الفارسية). أيضا، فإن سياسات الإمارات المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وحياكتها المؤامرات، كما ضد قطر وفي مصر والسودان وليبيا.. إلخ، ودورها في جرائم الحرب في اليمن وتمزيقه، كلها أسباب تدعو إلى عدم الثقة بهذه الدولة. بكلمة، الإمارات بقيادة ابن زايد دولة تستبطن الخبث بسياساتها، وهي لا تتورّع عن الغدر، حتى بمن تزعم أنهم حلفاؤها، والسعودية خير مثال على ذلك.
اللافت هنا أن هذه الزيارة الإماراتية لطهران لم تكن الأولى، بل إنها الثانية في غضون أسبوعين، إذ سبقتها، حسب تقرير لموقع الجزيرة. نت، زيارة وفد أمني إماراتي، وبّخ خلالها المسؤولون الإيرانيون الإمارات، بذريعة أنها أصبحت مركزا ومقرّا لاستهداف الأمن القومي الإيراني، ومنها أن شبكة التجسس التي أعلنت طهران كشفها كانت تعمل من الإمارات، وأن الطائرة الأميركية المسيّرة التي أسقطتها إيران انطلقت هي الأخرى من الإمارات. المسألة الأبرز هنا هو السياق الذي يجيء ضمنه تفعيل قنوات التواصل مع طهران، إماراتياً، إذ إنها تأتي على خلفية التصعيد الأميركي/ البريطاني مع إيران في مضيق هرمز، والذي كانت أبو ظبي أحد أبرز المحرّضين بشأنه، كما أنها تأتي بعد أقل من ثلاثة أسابيع على كشف قيام الإمارات بعملية سحب لقواتها من اليمن ضمن خطة "إعادة انتشار" لأسباب "استراتيجية وتكتيكية"، وذلك على الرغم من تدخل مسؤولين في الديوان الملكي السعودي لثني الإماراتيين عن ذلك.
الأهم من كل ما سبق أن المواءمات وتعديل المقاربات التي تجريها أبو ظبي، فيما يتعلق
إذاً، تبدو أبو ظبي وكأنها قد استيقظت فجأة على حقيقة أن اقتصادها كله سيتدمر، بما في ذلك ناطحات السحاب في دبي، إذا قامت حرب إقليمية أو أميركية مع إيران، خصوصا وهي تتابع عن كثب تردّد ترامب في الرد على الاستفزازات الإيرانية، على الرغم من تهديد طهران الملاحة البحرية في مضيق هرمز، وإسقاطها طائرة تجسس أميركية مسيّرة الشهر الماضي، وقبل ذلك الهجمات التي نسبت إليها في شهر مايو/ أيار الماضي على أربع ناقلات نفط في المياه الإقليمية للإمارات.
أمام التحديات السابقة، لجأت الإمارات إلى مبدئها السياسي المفضل تحت قيادة محمد بن زايد، وهو الغدر والمراوغة، وطلب النجاة على حساب من تزعم أنهم حلفاؤها، وتحديدا السعودية. المفارقة هنا أن أبو ظبي لعبت دورا كبيرا في توريط المملكة في اليمن، وفي التصعيد مع إيران، بل إن رسائل البريد الإلكتروني المسرّب للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، عام 2017، تثبت إن أبو ظبي هي من عملت على تسويق ولي العهد السعودي الحالي، محمد بن سلمان، لدى إدارة ترامب، وهو ما مهّد في يونيو/ حزيران 2017 إلى انقلاب قصر على ولي العهد السابق، محمد بن نايف، وعزله لصالح بن سلمان. ولا تخفي الإمارات كراهيتها المملكة، حيث تشير إحدى الرسائل المسرّبة من بريد العتيبة الإلكتروني إلى أن أبو ظبي خاضت حروبا على مدى مائتي عام مع السعودية حول الوهابية، وبأن لدى الإمارات "تاريخا سيئا" مع السعودية أكثر من أي طرف آخر. وتلمح الرسائل نفسها إلى أن أبو ظبي كانت ترى في بن سلمان أقرب إلى رؤية ابن زايد، على الرغم من تفاوت مستوى الذكاء والخبرة بينهما لصالح الأخير، حسب العتيبة الذي لا يتردّد في القول، في إحدى رسائله، إن هذا هو الوقت الأنسب للإمارات "لتحقيق أفضل النتائج التي نستطيع أخذها من السعودية"، وذلك بعد أن ينتقص من محمد بن نايف الذي كان ابن زايد يخشى وصوله إلى العرش، إذ سبق له أن شبه أباه، الأمير نايف بن عبد العزيز، أمام مسؤول أميركي، عام 2003، بـ"القرد"، وذلك كما كشفت لاحقا تسريبات "ويكيليكس". وبهذا المعنى، يكون بن سلمان جزءا من صناعة إماراتية للسيطرة على المملكة، وتوجيهها كما يشاؤون عبره، وهو ما كان.
في عام 2014، وصف الجنرال الأميركي المتقاعد حينها، جيمس ماتيس (أصبح أول وزير