كان لتحطم الطائرة الإيرانية، يوم الأحد، بالقرب من مطار مهرآباد، غربي العاصمة طهران، وقع مؤلم في نفوس الإيرانيين، فالطائرة وقعت بالقرب من منطقة سكنية مزدحمة، في حوالى الساعة التاسعة والنصف صباحاً بالتوقيت المحلي، حيث استيقظ السكان على صوت انفجار ضخم، أشعرهم بالرعب، خاصة وأن هذه الحادثة لم تكن الأولى من نوعها.
ويقول المعنيون إن التحقيقات لاتزال جارية للكشف عن أسباب تحطّم الطائرة، رغم التصريحات التي تشير إلى عطل في أحد محركاتها. وقد عثر على صندوقها الأسود في نفس مكان الحادث، بالقرب من مجمع "أزادي"، حيث وقعت هناك بعد تحليقها بدقائق، وانفجرت في منطقة عسكرية محاطة بالأشجار وملاصقة تماماً للمطار.
مصير ضحايا الحادثة
الأرقام الأخيرة التي نشرتها وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية تشير إلى مقتل 39 شخصاً وجرح تسعة آخرين، فقد كان على متن الطائرة 48 شخصاً، ثمانية منهم من طاقم القيادة والمضيفين. وقضى هؤلاء جميعاً في هذا الحادث، بحسب تقرير وكالة "فارس" التي نقلت، أيضاً، على لسان مدير شركات الطيران المحلية، محمد إيلخاني، إن الطائرة سقطت إثر تعطل أحد محركاتها، بعد إقلاعها مباشرة، وهو ما أدى إلى سقوطها في مكان قريب من المطار.
وقال مسؤول الطب الشرعي في العاصمة الإيرانية، بشير نازبرور، لوكالة "إرنا"، إن الفحوص اللازمة للضحايا جارية على قدم وساق، للتعرف على أصحاب الجثث وتسليمها إلى ذويها لدفنها. فقد احترق معظمها، بالكامل، إثر الانفجار الذي أدى إلى انفصال ذيل الطائرة عن جسمها فسقط على الطريق العام في مكان قريب من مكان التحطم.
وما زالت عائلات الضحايا تنتظر نتائج التحاليل، في مستشفى "الإمام الخميني"، ومستشفى "بيامبران"، حيث نقلت الأشلاء المنتشلة تباعاً، فضلاً عن استقبال هذين المشفيين للمصابين من الركاب، والذين قال عنهم المتحدث باسم "الهلال الأحمر الإيراني"، حسين درخشان، إن "معظمهم في حالة حرجة".
بين الحظر ومسؤولية شركة الطيران
الطائرة التي تحطمت تابعة لخطوط "سباهان" الإيرانية، وهي طائرة صغيرة بمحركين، بتقنية أوكرانية، يتم تجميع قطعها في إيران، وتعود لطراز "إيران 140"، وهي إحدى نسخ الطائرة "أنتونوف إيه إن 140".
هذا النوع من الطائرات مخصص لنقل عدد بسيط من الأفراد، ويتراوح عدد مقاعدها ما بين 35 و 100 مقعد، وتنقل عادة المسافرين لمسافات قصيرة، وأسعار تذاكرها تعد منخفضة مقارنةً بغيرها من شركات الطيران في إيران. ويستخدم هذا النوع من الطائرات في إيران عادة لأغراض عسكرية، حيث تقوم بنقل الأفراد التابعين للجيش أو للحرس الثوري من منطقة إلى أخرى.
هذا الأمر جعل البعض في إيران يتوقعون أن يكون المسافرون المتواجدون على متنها تابعين للمؤسسة العسكرية، لكن مسؤول العلاقات العامة في الحرس الثوري الإيراني، رمضان شريف، نفى لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" هذا الأمر، ومؤكداً أن جميع ركابها من المدنيين.
من جهة ثانية، وجه النائب في البرلمان الإيراني، مهرداد لاهوتي، انتقاده العلني لشركة الطيران، قائلاً إنه "لم يكن على شركة سباهان استخدام هذا النوع من الطائرات، ولاسيما أن واحدة منها كانت قد تحطمت سابقاً، بعد تجريبها في منطقة بالقرب من مدينة أصفهان".
وأشار إلى أن النواب في "لجنة الإعمار" كانوا قد تفقدوا هذا النوع من الطائرات مرتين، وأعربوا عن قلقهم من طريقة تجميع قطعها، مشيراً حسب "إرنا"، إنه كان من المفترض أن تهتم مؤسسة الطيران المحلية بهذا الأمر، وألا تسمح بتحليق هذا النوع من الطائرات، ولكن شركة سباهان لم تعلق على هذا الأمر حتى اللحظة.
وفي هذا السياق، قام الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بإصدار قرار يمنع استخدام الطائرات من طراز "إيران 140"، معتبراً أنها ستهدد حياة المسافرين، كونها لا تراعي شروط السلامة.
تجدر الإشارة إلى أن الأسطول الإيراني يعد من أقدم الأساطيل في العالم، وهذا يعود للحظر الأميركي المفروض على قطاع الطيران المدني منذ سنوات طويلة. فقد تم تشديد الحظر الأميركي على هذا القطاع، إذ منعت طهران من شراء طائرات أو قطع غيار لطائراتها، وحتى من الحصول على استشارات فنية تتعلق بالصيانة، فأصبحت البلاد خلال السنوات الماضية تعتمد على طائرات قديمة، معظمها من طراز "بوينج"، تم شراءها قبل أكثر من ثلاثة عقود من عمر الثورة الإسلامية الإيرانية التي تسببت بقطع علاقات إيران مع الولايات المتحدة والكثير من الدول الغربية.
حوادث مكررة
وتكررت خلال الأعوام الأخيرة حوادث الطيران، في إيران، الناجمة عن أعطال في المحركات أو التي تسبب بها خلل في أعمال الصيانة، وفق تقارير إيرانية منشورة سابقاً.
لكن حادثة يوم الأحد بالذات أعادت إلى أذهان الإيرانيين ذكرى أليمة عن تحطم طائرة (سي -130) عام 2005، والتي كان على متنها عدد كبير من الصحافيين، وسقطت هذه الطائرة فوق مبان سكنية قريبة للغاية من مكان تحطم طائرة (إيران-140) اليوم، فكان الضحايا من الركاب و من ساكني تلك البيوت على حد سواء، حيث قتل 128 شخصاً وجرح 132 آخرون.
وقال عدد من الشهود المتواجدين في موقع تحطم الطائرة إن المدنيين الإيرانيين يدفعون ثمناً باهظاً لهذا الحظر، يجعلهم يفقدون أرواحهم، وهذا بسبب حاجة البلاد إلى قطع غيار للطائرات، فضلاً عن خدمات الصيانة، ومنهم من طالب الغرب بالنظر إلى هذه المسائل بإنسانية، وبعيداً عن تعقيدات السياسة.
ورغم تكرار الحوادث إلا أن هذا لن يؤثر كثيراً على الشركات، وهذا ما تم ملاحظته عملياً خلال السنوات الماضية، فلا توجد خيارات أخرى أمام المواطنين الإيرانيين المضطرين إلى السفر من مكان إلى آخر. فبعد المسافات على امتداد البلاد، وعدم وجود وسائل تنقلهم إلى بعض الأماكن البعيدة، كالقطارات أو السيارات، يجبرهم على ركوب الطائرات الداخلية.
وتؤثر هذه الحوادث على الحكومة وعلى المعنيين في دائرة صناعة القرار أكثر، إذ ستضغط عليهم للتوصل إلى اتفاق مع الغرب بشأن برنامج البلاد النووي، وهو الأمر الذي سيساعد على تحسين أسطول الطيران المدني الإيراني، ويريح الإيرانيين الذين يتخوفون من ركوب طائراتهم.