تزيد روسيا يوماً بعد يوم من تعقيدات تطبيق القرار الدولي 2254، الذي أقرّه مجلس الأمن، في 18 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، حول خريطة الانتقال السياسي في سورية. وبعد سلسلة من المجازر التي ارتكبتها بحق المدنيين السوريين في عدد من المدن، قوّضت موسكو إلى حدّ كبير، من إجراءات بناء الثقة، التي شددّ عليها القرار الدولي للشروع في وقف إطلاق النار، عبر اغتيال قائد "جيش الإسلام" زهران علوش، الذي اعتُبر بمثابة صبّ الزيت على النار، وسط غياب الإدانات الأممية.
وكان لافتاً خروج المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا قبل أيام، للقول إنه "من المخطط إطلاق المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة في 25 يناير/ كانون الثاني بجنيف السويسرية". وجاء ذلك من دون علم "الهيئة العليا للتفاوض"، التي أقرّها مؤتمر الرياض مطلع الشهر الحالي، وبعد فترة وجيزة على اغتيال علوش بغارة يرجح أنها روسية في غوطة دمشق الشرقية.
من جهته، يؤكد الأمين العام لـ"الائتلاف السوري" المعارض محمد يحيى مكتبي، أنه "لم تُوجّه لنا دعوة بطريقة رسمية لحضور المفاوضات، لكن بطبيعة الحال، فإنه من ضمن ما جرى الاتفاق عليه في ورقة فيينا الثانية، فإن المفاوضات ستنطلق الشهر المقبل". ويتوقع أن "يكون هناك لقاء قريب بين الهيئة العليا للتفاوض، ودي ميستورا في الأيام العشرة المقبلة، أي مطلع العام الجديد".
ويوضح مكتبي، خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنه "من الجليّ جداً أن السياسة الروسية ـ الإيرانية ونظام الإجرام في دمشق، تصبّ في اتجاه تقويض وإطلاق رصاصة الرحمة على الحل السياسي. والمفصل الهام في هذه الطريقة في التعاطي، كانت في اغتيال الشهيد البطل زهران علوش، في عملية تدلّ على الغدر من خلال الغزو الروسي".
ويشير إلى أن "الجميع كان يعلم أن الإخوة في جيش الإسلام، كانوا مشاركين في مؤتمر الرياض، ووقّعوا على البيان الختامي، الذي تضمّن التأكيد على الحل السياسي وهدفه بإنشاء نظام سياسي جديد في سورية، قائم على التعددية ووفق آليات ديمقراطية والمساواة بين الشعب السوري. إن غارة الغوطة لا تُبشّر بالخير على الإطلاق".
اقرأ أيضاً سورية: "الهيئة العليا للتفاوض" تشكو جرائم روسيا للأمم المتحدة
وحول انسحاب "جيش الإسلام" من الهيئة العليا التفاوضية وتأثير ذلك على المفاوضات المقرر عقدها مع النظام، يقول مكتبي: "إننا على تنسيق تام مع الإخوة في الفصائل المسلحة، وهناك مشاورات، وسنتخذ مواقف مشتركة، وهذا الأمر ينعكس بطريقة إيجابية للهيئة العليا للتفاوض. بالتالي لن نذهب إلى طاولة المفاوضات بطريقة الإذعان، ولا بطريقة إرهاب الدولة الذي تمارسه روسيا وقبلها إيران ونظام بشار الأسد".
ويبيّن "أننا جادون كل الجد في العملية السياسية، وفي تخليص شعبنا من حمام الدم، لكن المسؤولية الكبرى تقع على بقية الأطراف الدولية، فهل ستبقى في موقف المتفرج ومواقف الإدانة؟ إن الذي يدفع الثمن باهظاً هو الشعب السوري، ويجب أن تكون أولويات الأمم المتحدة حماية المدنيين وحفظ حقوق الإنسان".
ويلفت الأمين العام إلى أن "الطرف الضحية، وهو الشعب السوري، عليه أن يقدم تنازلات وأن يُذبح، وأن يعتدي عليه كل المجرمين والإرهابيين في العالم والروس والإيرانيين ونظام بشار الأسد وداعش وحزب الله والمليشيات العراقية والأفغانية. يجب أن يتحمل كل هذا ويجلس على طاولة المفاوضات، ويُضغط عليه لتقديم التنازلات، بينما الطرف القاتل والسادي، نظام بشار الأسد، في راحة، ويريد تحقيق مكاسب".
وعلى الرغم من تفضيل "جيش الإسلام" الصمت على موعد بدء المفاوضات التي أعلن عنها دي ميستورا، إلا أن المتحدث الرسمي باسم "المجلس العسكري في دمشق وريفها" المكنّى بأبي الحكم، يرى بأن "المفاوضات القائمة هي بأمر من الدول العظمى، أي روسيا والولايات المتحدة". ويعتبر أن "هذه المفاوضات ستستمر ولا تأثير لأي حدث يقع على الأرض، لأنها بأوامر خارجية، ولا تأثير داخلي كبير عليها".
ويضيف أبو الحكم، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "نحن ننتظر قرار السعودية وموقفها من الاغتيال الآثم". وينبّه إلى أن "العمليات العسكرية الحالية على الأرض هي لتحسين شروط التفاوض، وخسارة الأخ زهران علوش هي في مصلحة النظام وموقفه التفاوضي، ولكن هذا الجيش منظّم وهناك كوادر قيادية تستطيع متابعة المسيرة".
وعلى رغم المحاولات الروسية المتكررة لإضعاف فصائل المعارضة السورية، خصوصاً في ريف دمشق لتأمين العاصمة للنظام وتقوية وضعه التفاوضي، إلا أن الاستهداف الأخير لزهران علوش لا يبدو أنه سيحقق النتائج التي تأملها موسكو، في ظل انتخاب قائد جديد لـ"جيش الإسلام".
وتقول مصادر مقرّبة من "جيش الإسلام" بريف دمشق، إن "الجيش سيزيد من عملياته باتجاه العاصمة دمشق، إن لم يتم التوصل لحل سياسي، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود جيش الإسلام بالحل السياسي كونه القوة الأكبر القريبة من دمشق". وتلفت المصادر إلى أن "الوضع العسكري بخير، والعملية الأخيرة في جوبر تحت قيادة أبو همام البويضاني أبرز مثال، والمعارك مستمرة في جبهة المرج بالغوطة الشرقية، وهناك يومياً عشرات القتلى لقوات النظام".
اقرأ أيضاً اغتيال علوش: محاولة روسية لتقوية النظام و"داعش" ونسف المفاوضات