الاتحاد الأوروبي أمنياً... قصة فشل موثَّق

19 ديسمبر 2015
التفتيش بعد الاشتباه بوجود قنبلة في بروكسل(درسن أيديمير/الأناضول)
+ الخط -
مع تزايد التهديدات الإرهابية وتمدّد عمليات التنظيمات الدموية، تقف أوروبا عند مفترق طرق بين تضييق الرقابة على الحريات والديمقراطية والتشديد الأمني لمواجهة الإرهاب مع حدود مفتوحة عملاً باتفاقية شينغن. ويبقى السؤال الأهم، عمن يحمي أوروبا مع ظهور بيئة حاضنة للجماعات المتشددة بين دولها، وبعد كشف هجمات باريس ضعف منظومة الأمن الأوروبية، وأصبح الخطر يهدّد كل دول الاتحاد من دون استثناء، بحسب ما أعلن عدد من المسؤولين الأوروبيين، وفي مقدمتهم كل من بروكسل، ولندن، وبرلين.

أمام هذا الواقع، ومع تطور عمل الخلايا الإرهابية وتوسّع أنشطتها، فرض موضوع التنسيق الاستخباراتي نفسه على أجندة السلطات السياسية والأمنية الأوروبية لتفعيل ودعم فرق مكافحة التجسّس والإرهاب، بهدف سدّ الثغرات التي تعاني منها أجهزتها ونتيجة التراخي وعدم الثقة في ما بينها، حتى بات الحديث عن إعادة هيكلة بعض الأجهزة، بعدما فشلت في مجاراة هذه المرحلة الأمنية الحساسة، فضلاً عن زيادة التقديمات المادية لها، بعدما اعتمدت سياسة تقشف طاولت العديد منها، وسط الأزمة المالية التي تعاني منها أوروبا، وهذا ما عرّضها لانتقادات من أجهزة المخابرات الأميركية.

يقول مراقبون، إن التقارير المنتقدة جاءت لتضع علامات استفهام حول قدرة المنظومة الأمنية الأوروبية، بعدما خيّم الهاجس الأمني على المزاج الأوروبي. وظهرت الانتقادات إلى العلن، ومنها، أنّ ثلاثة من منفذّي هجمات باريس الأخيرة، بينهم المتهم الرئيسي عبدالحميد أبا عود، كانت أسماؤهم مدرجة على لوائح السلطات الأمنية في أوروبا، إضافة إلى تجاهلها التحذيرات من أجهزة مخابراتية من دول أخرى مثل تركيا، ما جعل البعض يصفها بـ"الفاشلة والهشّة". كما أكّدت المعلومات أنّه كان بإمكان الإرهابيين العمل ضمن شبكات مشفّرة، وليس التنقل ضمن أوروبا فقط، إنّما بالذهاب إلى سورية والعودة منها أكثر من مرّة بكل سهولة، إضافة إلى نقلهم الأسلحة بطريقة غير مشروعة من دول البلقان إلى دول الاتحاد، والتي بيّنت التحقيقات أيضاً أنّه تم استخدام قطع منها في أحداث 13 نوفمبر/تشرين الثاني الباريسية.

ويشير خبراء أمنيون إلى وجود أسباب عدّة أدّت إلى الاختراقات الأمنية، أبرزها؛ عدم وجود قوائم مشتركة لعناصر يشتبه بتخطيطهم للقيام بعمليات إرهابية في أوروبا بين أيدي أجهزة الاستخبارات، وهذا ما يسهل أي تحرك أو تحضير لأي عمل تخريبي، فضلاً عن غياب التنسيق المُسبق والبطء في عملية تبادل المعلومات، وهو ما يسمح أيضاً بمرونة حركة هذه الجماعات المتشددة في فضاء شينغن، في ظل غياب معلومات شاملة وموحّدة عن الأشخاص المشتبه بهم والمصنّفين بالخطرين أو من يهددون الأمن القومي بشكل جدّي، علماً أنّ هناك أكثر من 7 آلاف شخص على مستوى أوروبا، بينهم ألف شخص تقريباً في فرنسا، و150 في ألمانيا.

وبرزت أخيراً مطالب في فرنسا تقضي بوضعهم تحت الإقامة الجبرية أو إلباسهم ما يُعرف بـ"السوار الإلكتروني" لتعقب تحركاتهم، خصوصاً أن مراقبة كل شخص من هؤلاء تتطلب تفرُّغ أكثر من 20 شخصاً تقريباً لهذه المهمة، وهذا غير وارد، بحسب بعض المعنيّين.

كما أنّ هناك العقبات القانونية التي ساهمت في هذه الاختراقات، ومنها؛ أن أجهزة الأمن البلجيكية كانت على علم بأنّ أبا عود ومجموعته كانوا على خطى "التطرف" ولم يتم إبلاغ السلطات الفرنسية، باعتبار أنّه وبحسب القانون، فإن هؤلاء الأشخاص لم يرتكبوا جرائم. بالتالي، وفي ظلّ تداخل الحريات الشخصية والديمقراطية بالأمن، يطرح مراقبون سؤالاً عن ماهية الأسس التي يجب اتباعها للتحذير ونقل المعلومة إلى أجهزة استخبارية أخرى، ناهيك عن فقدان الثقة بين الأجهزة والتنافس في ما بينها، لا بل وأكثر من ذلك، هناك اتهامات بتجسس بعضها على الآخر.

اقرأ أيضاً: دخول اللاجئين إلى الدنمارك بات أكثر صعوبة

وبهدف القضاء على الإرهاب، هناك توجه لتعزيز التعاون الاستخباراتي مع دول شمال أفريقيا، وربما أيضاً الاستعانة بعدد من عناصرها على الأراضي الأوروبية، لوجود أكبر جالية من تلك الدول في عدد من البلدان الأوروبية، وهذا ما بادرت إليه كل من فرنسا وبلجيكا، بعد المعلومات التي قدّمتها المغرب إلى فرنسا، وأفضت إلى المداهمة والقضاء على العقل المدبّر لهجمات باريس. وعلى المستوى الديني، ثمة تعاون قائم بين المغرب وفرنسا لضبط الخطاب في المساجد، عبر تدريب أئمة يعملون بتوجهات علماء معتدلين.

ويعتبر مراقبون، أنّه بعدما سيطر الخوف على المجتمعات الأوروبية، أصبح العمل وفق استراتيجية وخطة أمنية مشتركة ضرورة ملحّة، وهو الأمر الذي بات محور مباحثات بين وزراء داخلية الاتحاد لدرس مستقبل فضاء شينغن، علماً أنّ هناك اتفاقاً قد أُنجز، قبل فترة وجيزة، في بروكسل وسمح بإقرار "سجل أوروبي لبيانات الركّاب"، بهدف تحليل وكشف المعلومات الشاملة عن المسافرين على الرحلات الجوية بين الدول الأوروبية ومنها الشارتر، وعلى البرلمان الأوروبي البتّ فيه مطلع العام 2016.

وكانت برلين وباريس طالبتا بتشديد المراقبة على حدود دول شينغن، وفق ما جاء في وثيقة تقدّم بها كل من وزير داخلية ألمانيا، توماس دي ميزيير، ونظيره الفرنسي، برنار كازنوف إلى المفوضية والتي طالبت بتفتيش ومراقبة مواطني الاتحاد الأوروبي عند حدودها الخارجية، وحذّرت من تسلل إرهابيين ضمن تدفق اللاجئين الذين يعبرون المتوسط إلى أوروبا.

ويرى بعض المطلعين أنه يجب تفعيل الدور المنوط بمسؤول شؤون الإرهاب في المفوضية الأوروبية كون دوره الحالي ليس إلا استشارياً ومحدوداً إلى حد ما. لذلك يجب أن يعمل على إعادة النظر بالوضع القائم وتصحيح المسار، مخافة من أن يصبح كل مواطن من أصول أجنبية عرضة للاتهامات، فضلاً عن مقاربة الملف الأمني ببعده الاستراتيجي البعيد عن الأنانية عبر المشاركة في المعلومة، كما والقدرة على التوفيق بين الأمن والدفاع عن مصالح الدول الخاصة، والتي أثبتت أنها إحدى أهم العوائق في كشف الإرهابيين، عدا عن تنشيط العمل الاستخباري والخطط الأمنية لكشف المخططين ونواياهم، لتحقيق النتائج المرجوّة في الحفاظ على الأمن القومي.
وكشف الاتحاد الأوروبي الثلاثاء الماضي، عن خطته الهادفة لاستعادة السيطرة على حدوده الخارجية في مواجهة أزمة الهجرة، والتي تتضمن تشكيل قوة أوروبية من حرس الحدود وخفر السواحل، يكون بوسع المفوضية الأوروبية نشرها وصولاً إلى فرضها على دول متمنعة. وقال مفوض الهجرة ديمتريس افراماوبولوس، أمام البرلمان الأوروبي، إن القوة الجديدة التي تقترحها المفوضية الأوروبية ستتيح "تحسين أمن" الحدود الخارجية للاتحاد، مشيراً إلى أن هذه القوة تضم عديداً دائماً من حوالي ألف شخص.

وكانت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية، ذكرت أخيراً أنّ المفوضية الأوروبية تضع تصوّراً عاماً، قد ينتهي العمل عليه منتصف هذا الشهر، ويقضي بأن تأخذ "فرونتكس" (وكالة الحدود الأوروبية) المبادرة والتدخل السريع على مسؤوليتها الخاصة في حال الخطر، من دون الطلب من إحدى دول الاتحاد، كما أن هناك توجهاً للسماح للوكالة بالوصول إلى قواعد البيانات التابعة للدول الأعضاء، ومنحها حق جمع بصمات الرعايا القادمين إلى أوروبا.

وعن إمكانية إنشاء جهاز استخباراتي أوروبي مشترك، يقرّ بعض المتابعين، أنّ هذا الأمر يتطلب الكثير من الجهود وليس سهلاً العمل على هذه الهيئة، خصوصاً خلال المهمات، لأن العلاقات بين الأجهزة المخابراتية الخارجية تختلف بين دولة وأخرى، ولكل منها كيانها، ومقاربتها، وأولوياتها، وأهدافها المختلفة، لكن يبقى هناك حد أدنى من التدابير المطلوبة، ويجب أن تعمل بها كل الدول الأوروبية وليس دولة دون أخرى للوصول إلى نتائج مجدية.

اقرأ أيضاً الوصفة الفرنسية لمحاربة التطرف: "مناصحة" على الطريقة الغربية