وكانت المحادثات السابقة، التي جرت قبل عشرة أيام، قد فشلت، في مسعاها، بسبب صراع وتنافس شديد بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. لكنها أثمرت بنجاح ماكرون في إقصاء مرشح ميركل، الألماني مانفرد فيبر، الذي لا يتمتع بأي خبرة وزارية، في اللقاء الأخير ببروكسل، لتتخلى عنه المستشارة صاغرة.
وقد حاول الرئيس الفرنسي الخروج من الأزمة، ومن خلال التنسيق مع ألمانيا وإسبانيا وهولندا، عبر فرض المرشح الاجتماعي الديمقراطي، الهولندي الأصل، فرنس تيمرمانس، على رأس المفوضية، لكن الاتفاق فشل بسبب اعتراض رؤساء الدول والحكومات التي يحكمها اليمين الأوروبي، والتي ترى أن هذا المنصب يعود، تقليدياً، وبفضل توفرها على الأغلبية، إلى "الحزب الشعبي الأوروبي".
وإضافة إلى الهولندي تيمرمانس، تمّ استعراض أسماء أخرى تنتمي للحزب الشعبي الأوروبي، يمكن أن تجد توافقاً بين دول الاتحاد الـ28، ومنها البلغارية كريستالينا جيورجييفا، الرئيس التنفيذي للبنك الأوروبي، أو الفرنسي ميشال بارنييه، الذي، وإن اعترف بتأييده سياسات ماكرون، إلا أنه أكد بقاءه عضواً في حزب "الجمهوريون" الفرنسي اليميني، العضو في "الشعبي الأوروبي". وليس خافياً أن الرئيس الفرنسي سيكون سعيداً بانتخاب هذا المفاوض الفرنسي المرموق، لهذا المنصب الأوروبي السامي.
وفي محاولة لشرح ما جرى، عزا ماكرون في ندوة صحافية، عقدها اليوم الاثنين، الفشلَ إلى سببين اثنين، هما الانقسام السياسي داخل "الحزب الشعبي الأوروبي"، أكبر مكونات البرلمان الأوروبي، والخلافات الجغرافية أو الحرص على التوازنات الجغرافية، وهو ما تطالب به دول شمال وشرق أوروبا.
ورأى الرئيس الفرنسي أن الحاضرين يحتاجون إلى بعض الراحة والهدوء، من أجل مواصلة المحادثات، للوصول إلى حل عاجل لهذا الإشكال، مؤكداً أن باريس عملت بحرص على حل المشكلة، ولم تشدد على مرشَّح ثابت، بل حرصت على منح الأهمية للمعايير التي يجب أن يتوفر عليها المرشح.
وعاب ماكرون وجود خلافات وطموحات شخصية، لا ينبغي أن تكون حاضرة على طاولة المحادثات، معرباً عن امتعاضه مما جرى، وعن الأمل في الاستفادة مستقبلاً من هذه الاختلافات التي تقدم صورة سيئة "غير جدية" عن الاتحاد الأوروبي. وأعلن اعتراضه على أي توسيع جديد للاتحاد الأوروبي قبل "إصلاح عميق لمؤسسات الاتحاد".
كذلك انتقد الرئيس الفرنسي وجود مرشَّحين "يغيب عن أذهانهم الدفاع عن المصالح العامة للاتحاد الأوروبي".
وفي انتقاد لهيمنة "الحزب الشعبي الأوروبي"، الذي اعتبر خلافاته الداخلية سبباً في الفشل الحالي، اعتبر الرئيس الفرنسي أنه "لن يتمَّ الاستفادة من التحول الجديد في البرلمان الأوروبي"، في إشارة إلى ظهور كُتل سياسية جديدة، لها قوة التأثير والفيتو، مشيراً إلى أن فترة تحكُّم الحزب الشعبي (يمين الوسط)، والاجتماعي الديمقراطي (يسار الوسط)، قد ولَّت، بسبب قدرة الليبراليين، الذين تنتمي إليهم حركته، ثم الخضر الإيكولوجيين، على شلّ البرلمان والقرارات الأوروبية.
إلى ذلك، قال دبلوماسيان لوكالة "رويترز"، اليوم الاثنين، إن زعماء الاتحاد الأوروبي اقتربوا من اختيار تيمرمانس لقيادة المفوضية، وكريستالينا جيورجييفا لرئاسة المجلس الأوروبي، فيما يبرز إسم تشارلز ميشال، رئيس الوزراء البلجيكي، كمرشح قوي لمنصب وزير الخارجية الأوروبي، خلفاً لفيديريكا موغيريني.
ورغم أن المحادثات ستتواصل صباح غد الثلاثاء، لكن لا شيء يؤكد أن الحل قريبٌ، علماً أن ماكرون لا يزال يُشهرُ تفاؤله المعتاد، ورغبته في قبول تفاهمات وحلول وسطى، تعزّز استعادة الاتحاد الأوروبي لحيويته.