الاتفاقية التونسية ــ الأميركية: سجال الداخل وانزعاج الجيران

30 مايو 2015
أوضح السبسي أنّ تونس لن تنتظر أكثر (فرنس برس)
+ الخط -
أثارت زيارة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، إلى الولايات المتحدة الأميركية واتفاقية الشراكة بين البلدين التي تجعل من تونس حليفاً أساسياً خارج حلف شمال الأطلسي، جدلاً سياسياً في تونس، وانزعاجاً من بعض الأطراف غير الرسمية في الجزائر. ومن المنتظر أن تعقد لجنة الأمن والدفاع في مجلس نواب الشعب، جلسة استماع لوزير الدفاع الوطني فرحات الحرشاني، فيما يخص اللجنة العسكرية التونسية ــ الأميركية في واشنطن، التي انعقدت خلال اليومين الماضيين، وما أحاط بالاتفاقية التي أثارت جملة من ردود الفعل الداخلية والإقليمية حول فحواها وانعكاساتها الممكنة.

واعتبر زعيم الجبهة الشعبية اليسارية حمة الهمامي في مؤتمر صحفي، أنّ "الحكومة مطالبة بكشف محتوى هذه المذكرة أمام الرأي العام"، مضيفاً أنّ "هذا التصنيف لا بدّ أن يعرض على المناقشة أمام نواب مجلس الشعب، لأنّه مسألة متعلّقة بسيادة البلد". وأكّد المهامي في السياق ذاته، رفض "الجبهة" لعقد تونس تحالفات أو الدخول في محاور أو شبه محاور مع أي طرف كان، سواء الولايات المتحدة أو الحلف الأطلسي أو غيرهما.

اقرأ ايضاً: ماذا وراء التحالف التونسي الأميركي؟
 
وشدّد على "أنه ينبغي على تونس أن تكون عامل سلم في المنطقة، وألّا تخطو خطوات من شأنها ضرب الاستقرار وتوتير الأوضاع في المنطقة، ما يفرض عدم مشاركتها في أي توجهات أو اتفاقيات قد تمس بسيادتها أو توتر علاقاتها بدول الجوار". 

غير أن هذا الانزعاج، لا يبدو داخلياً فقط، بل وصل إلى "الجارة"، الجزائر، التي تنظر إلى "الأطلسي" بعين الريبة، خصوصاً بعد تدخّله في الأزمة الليبية. وعلى الرغم من أنّه لم تصدر مواقف رسمية جزائرية حول هذا الموضوع، فإن بعض المواقع والخبراء الجزائريين عكسوا في تصريحات وتحليلات، منذ يومين، الانزعاج الجزائري، مستغربين عدم البحث المسبق في موضوع كهذا بين الطرفين، وخصوصاً أنّ الجزائر تعتبر حليفاً رئيسياً لتونس.

واعتبر الموقع الإلكتروني الجزائري "الأكسبرسيون" في تعليق له حول الموضوع، أنّ الطريقة الهادئة التي استقبلت بها الجزائر الخبر، تشير إلى أنّها لا ترى في المسألة "مصدر قلق خاص" بالنسبة لها، مشيراً إلى أنّ هذا التقارب التونسي الأميركي لا ينظر له بالضرورة على أنه إيجابي بالنسبة للمنطقة.

اقرأ ايضاً: صورة للسبسي في واشنطن تخلق الجدل بتونس

بدورهم، اعتبر محلّلون جزائريون، أنّ واشنطن لا يمكنها أن تكون "المخلّص" من أي مشاكل، ويكمن الدليل بما يحدث في العراق، وأن احتمال فرض أميركا إقامة قواعد عسكرية على الأراضي التونسية قائم، بدليل أنّها حقّقت غايتها هذه مع كل حلفائها خارج الحلف الأطلسي. وشبّه المحلّلون الاتفاقات من هذا النوع بـ"المسكّنات"، مؤكدين أنّ أميركا لن تحل مشكلة الإرهاب بل ستزيده تعقيداً، "ولا بدّ من حل المشكلة على المستوى المغاربي".

وسارع مستشار السبسي السياسي والأمين العام لحزب "نداء تونس"، محسن مرزوق، إلى الحدّ من هذه التخوفات الداخلية والخارجية في كل التصريحات الصحفية التي تلت زيارة الولايات المتحدة، نافياً إمكانية تأثير هذه المذكرة الموقّعة على سياسات تونس وعلاقاتها الإقليمية. وأكّد مرزوق أنّ "الجزائر هي بيت تونس، وتونس هي بيت الجزائر"، موضحاً أنّ الموقف التونسي من ليبيا يغلب مصلحة هذا البلد، وأنّ "تونس لن تغادر الخيمة العربية، وتحافظ أيضاً على أفضل العلاقات مع أوروبا وتريد الانفتاح أكثر على آسيا وأفريقيا وروسيا".

واعتبر مرزوق أنّ حصول تونس على صفة الحليف الرئيسي خارج حلف الأطلسي سيمكّن من مضاعفة الدعم العسكري الأميركي لتونس من أجل تطوير قدراتها الدفاعية والاستراتيجية.

اقرأ ايضاً: تونس... الاستثناء الواعد

وكان مرافقون للسبسي إلى واشنطن أكدوا لـ"العربي الجديد"، أنّه لم يجر الحديث أو حتى الإشارة مطلقاً إلى قاعدة عسكرية أو تسهيلات للجنود، وأن بعض المتابعين يخلطون بين عضو في الحلف الأطلسي وحليف من خارجه.

ويتيح الحصول على مرتبة الحليف الأميركي الاستراتيجي من خارج الأطلسي، تعزيز التعاون العسكري والرفع من جهوزية القوات على المستوى البشري واللوجيستي، والحصول على المخزون الاحتياطي الحربي من معدات وزارة الدفاع المحتفظ بها خارج القواعد العسكرية، بالإضافة إلى استعمال التمويل الأميركي لشراء أو استئجار معدات دفاعية. وتكون الأولوية عند تقديم الفائض من المعدات العسكرية، والمشاركة في مبادرات مكافحة الاٍرهاب، والتعاون مع وزارة الدفاع في مشاريع البحث والتطوير والحصول منها على قروض لذلك.

غير أن هذه التخوفات، تطرح جملة من الأسئلة الاستراتيجية الهامة على تونس، كان السبسي أجاب عن بعضها في مناسبات متفرقة، لكنها تعكس رؤيته لهذا التحول في الدبلوماسية التونسية وشراكاتها الجديدة. فالسبسي مقتنع بأنّ تونس تمر اليوم في لحظة تاريخية حاسمة تقرّبها أكثر من أي وقت مضى، من "اللحظة الديمقراطية الجديدة"، غير أنّ وضعها الأمني والاقتصادي يهددها وقد يمنعها من ذلك أو يؤجله لفترة طويلة. ويرى السبسي في الوقت عينه، أنّ تونس انتظرت طويلاً من أصدقائها وأشقائها دعماً حاسماً في هذا الاتجاه، لكنها لم تحصل إلّا على القليل في هذه المعادلة الصعبة. وبالتالي، فإن الرئيس مستعد "للتحالف مع الشيطان" لتجاوز هذه الصعوبات.

اقرأ ايضاً: أوباما يعلن نيته تصنيف تونس "حليفاً استراتيجياً" لبلاده

ويؤكد السبسي في لقاءات مغلقة، أن أكثر الداعمين لتونس، خصوصاً في الجانب الأمني، خلال السنوات الأخيرة، هو الطرف الأميركي، ويريد أن يحسم معركته مع الاٍرهاب من جانبها العسكري، بأقرب وقت ممكن، على الحدود الجنوبية والغربية. لكن السبسي لا يملك المعدات، لذلك تبدو الوجهة الاميركية هي المثلى، خصوصاً في ظلّ "البرودة" الأوروبية والفرنسية في هذا الشأن. وقد تكون زيارة واشنطن وما ترتب عليها، رسالة مضمونة الوصول إلى فرنسا ومن ورائها بقية الأصدقاء والأشقاء، بأنّ "تونس لن تنتظر أكثر".