04 يناير 2021
الاتفاق النووي الإيراني والتخبط العربي
انتهت المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، بإدماج إيران من جديد في المنظومة السياسية/الاقتصادية الدولية، بعد 35 عاماً من الحصار. وهي نتيجة كانت متوقعة منذ بدء عمل مجموعة 5+1 الدولية للتفاوض مع إيران، قبل تسعة أعوام. والتي ما كان لها بالأساس أن تتشكل، لولا القبول المبدئي الغربي بالتعامل مع النظام الإيراني كما هو، والتراجع عن مطلب تغييره شرطاً مسبقاً لرفع الحصار عنه، وإن كان السعي الغربي إلى إحداث تغيير في بنية النظام في إيران سيستمر، بطرق ووسائل مختلفة، مباشرة وغير مباشرة، وفي الوقت نفسه، قبول إيران قواعد اللعبة الدولية، بحيث تحافظ على مصالحها، وتعمل على توسيعها، من دون تجاوز فج للخطوط الحمراء لمصالح الدول الكبرى في المنطقة.
منذ البدء؛ لم يكن المشروع النووي الإيراني جوهر القضية، فإيران تستطيع أن تعيش وتزدهر من دون مشروع نووي، مثل معظم الدول متوسطة الدخل في العالم. وكان في وسعها أن تتعاقد على شراء مفاعلات نووية جاهزة، إن كانت القضية متعلقة بتوفير بدائل للطاقة، كما كان بإمكان الغرب أن يعتمد على آليات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي كافية، إن كان الموضوع فعلاً متعلقاً بالخشية من امتلاك إيران سلاحاً نووياً. لم يكن الملف النووي الإيراني، في واقع الأمر، إلا ساحة اشتباك، ارتضتها الأطراف ذات العلاقة، لإبرام تسوية شاملة حول كل الملفات، وهو ما تم.
كان الوصول إلى اتفاق مجرد مسألة وقت منذ بداية المباحثات، وهو ما عبر عنه الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية، محمد البرادعي، للرئيس المصري السابق، حسني مبارك، في فيينا، عشية انطلاق المباحثات، حين قال بحسب ما نُقل عنه؛ إن الاتفاق قادم، مهما طال الوقت، ومن الأفضل للعرب أن يكونوا حاضرين على الطاولة، كي لا يتم الاتفاق في غيابهم، وربما على حسابهم. وعلى الرغم من ذلك؛ جاءت ردود أفعال عدد من الدول العربية مُرْبَكة، وبدت دبلوماسيتها تتخبط، وكأنها تفاجأت بما حصل.
وبالارتباك نفسه؛ جاءت التعليقات والتحليلات حول الاتفاق في وسائل الإعلام العربية الدائرة في فلك تلك الدول، التي هجته بشدة، واتهمت الغرب بالتضحية بمصالح العرب على طاولة المفاوضات، وكأنها تُقرّ، بشكل غير مباشر، بوصاية الغرب على دولها. وقللت، من جهة أخرى، من الإنجاز الذي حققته إيران، مظهرة النظام الإيراني كمن باع مواقفه وشعاراته بثمن بخس، في تناقض غريب يظهر مدى الإرباك والتخبط.
وعلى الرغم من محاولة الإدارة الأميركية طمأنة حلفائها، والتهدئة من روعهم، إلا أنها، وهي تفعل ذلك، لم تُخْفِ تعاليها عليهم واستهانتها بهم. خصوصاً حين خاطب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الخليج، بلغة المُعَلِّم، منبهاً دوله إلى أن الخطر عليها من داخلها، لا من إيران. كما ذكّر جون كيري، في لقاء صحافي أُجري معه أخيراً، دول الخليج، بأنها تنفق مجتمعة حوالي 130 مليار دولار سنوياً على التسلح، فيما لا تتجاوز ميزانية إيران العسكرية 15 مليار دولار فقط، متسائلاً بخبث عن سبب عدم انعكاس هذا الفرق في الإنفاق على التسلح في موازين القوى على أرض الواقع؟
وكما أن مفاجأة بعض الدول العربية بالاتفاق مُستغرَبة؛ فإن الدهشة الأميركية من قلق تلك الدول وخوفها مُستغرَبة بالقدر نفسه. فالأميركان يعلمون، أكثر من غيرهم، طبيعة تلك الدول، ومدى هشاشة بنيانها، ويدركون، أكثر من غيرهم، أن صفقات التسلح الهائلة التي أبرموها معها ليست أكثر من إعادة تدوير لفوائضها المالية، لتصب في اقتصادهم، مثل الاستثمارات الخليجية الكبيرة في قطاع العقارات في الغرب، والودائع المالية الضخمة في بنوكه. هي ليست أكثر من "أتاوات" نظير الحماية، حماية الأنظمة لا الدول، من الأخطار الداخلية والخارجية، لا أكثر ولا أقل، وهي، بالتأكيد، لا تبني جيوشاً قوية، ولا دولاً قادرة.
الآن، وبعد الاتفاق النووي الإيراني، تعالت أصوات مسؤولين، حاليين وسابقين في بعض الأنظمة العربية، بالدعوة إلى اصطفاف عربي في مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، كما أفردت وسائل الإعلام الدائرة في فلك تلك الأنظمة مساحات واسعة لمناقشة الخطر الذي تمثله إيران، ومشروعها السياسي التوسعي، بالنسبة للعرب.
الدعوة لمواجهة المشروع التوسعي الإيراني مفهومة، ولها ما يبررها، فهو ساهم ويساهم في تفتيت، لا الدول العربية وحسب، بل حتى المجتمعات العربية، بإذكاء الشعور الطائفي لدى العرب الشيعة. لكن، في الوقت نفسه؛ المشروع الذي طرحته تلك الأنظمة، طوال السنوات الماضية، وما زالت متمسكة به، مشروع مذهبي، ساهم ويساهم، بالقدر نفسه، في تفكيك مجتمعاتنا.
والمطلوب بكل وضوح؛ مشروع عربي لا مذهبي، لمواجهة التوسعية الإيرانية، وسواها من مشاريع الهيمنة التي تستبيح منطقتنا، وفي مقدمتها الهيمنة الغربية التي ما زال وصف "الاستعمار الحديث" يعبر عنها بحق. مشروع عربي موجه إلى السنّة والشيعة، المسلمين والمسيحيين، وباقي الأقليّات الدينية وحتى العرقية. يحيي الشعور القومي بين أبناء الأمة الواحدة، ويطمئن الأقليات إلى أن حقوقها الثقافية وحرية عقيدتها مصانة في إطار الثقافة العربية والإسلامية الجامعة والسائدة في المنطقة. مشروع عربي لكل العرب، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومللهم وأديانهم. أما المطروح اليوم في مواجهة المشروع الإيراني، مشروع مذهبي، لا يمثل أي إنسان عربي، يطمح للاستقلال الوطني، وبناء مجتمعات عربية حديثة.
منذ البدء؛ لم يكن المشروع النووي الإيراني جوهر القضية، فإيران تستطيع أن تعيش وتزدهر من دون مشروع نووي، مثل معظم الدول متوسطة الدخل في العالم. وكان في وسعها أن تتعاقد على شراء مفاعلات نووية جاهزة، إن كانت القضية متعلقة بتوفير بدائل للطاقة، كما كان بإمكان الغرب أن يعتمد على آليات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي كافية، إن كان الموضوع فعلاً متعلقاً بالخشية من امتلاك إيران سلاحاً نووياً. لم يكن الملف النووي الإيراني، في واقع الأمر، إلا ساحة اشتباك، ارتضتها الأطراف ذات العلاقة، لإبرام تسوية شاملة حول كل الملفات، وهو ما تم.
كان الوصول إلى اتفاق مجرد مسألة وقت منذ بداية المباحثات، وهو ما عبر عنه الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية، محمد البرادعي، للرئيس المصري السابق، حسني مبارك، في فيينا، عشية انطلاق المباحثات، حين قال بحسب ما نُقل عنه؛ إن الاتفاق قادم، مهما طال الوقت، ومن الأفضل للعرب أن يكونوا حاضرين على الطاولة، كي لا يتم الاتفاق في غيابهم، وربما على حسابهم. وعلى الرغم من ذلك؛ جاءت ردود أفعال عدد من الدول العربية مُرْبَكة، وبدت دبلوماسيتها تتخبط، وكأنها تفاجأت بما حصل.
وبالارتباك نفسه؛ جاءت التعليقات والتحليلات حول الاتفاق في وسائل الإعلام العربية الدائرة في فلك تلك الدول، التي هجته بشدة، واتهمت الغرب بالتضحية بمصالح العرب على طاولة المفاوضات، وكأنها تُقرّ، بشكل غير مباشر، بوصاية الغرب على دولها. وقللت، من جهة أخرى، من الإنجاز الذي حققته إيران، مظهرة النظام الإيراني كمن باع مواقفه وشعاراته بثمن بخس، في تناقض غريب يظهر مدى الإرباك والتخبط.
وعلى الرغم من محاولة الإدارة الأميركية طمأنة حلفائها، والتهدئة من روعهم، إلا أنها، وهي تفعل ذلك، لم تُخْفِ تعاليها عليهم واستهانتها بهم. خصوصاً حين خاطب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الخليج، بلغة المُعَلِّم، منبهاً دوله إلى أن الخطر عليها من داخلها، لا من إيران. كما ذكّر جون كيري، في لقاء صحافي أُجري معه أخيراً، دول الخليج، بأنها تنفق مجتمعة حوالي 130 مليار دولار سنوياً على التسلح، فيما لا تتجاوز ميزانية إيران العسكرية 15 مليار دولار فقط، متسائلاً بخبث عن سبب عدم انعكاس هذا الفرق في الإنفاق على التسلح في موازين القوى على أرض الواقع؟
وكما أن مفاجأة بعض الدول العربية بالاتفاق مُستغرَبة؛ فإن الدهشة الأميركية من قلق تلك الدول وخوفها مُستغرَبة بالقدر نفسه. فالأميركان يعلمون، أكثر من غيرهم، طبيعة تلك الدول، ومدى هشاشة بنيانها، ويدركون، أكثر من غيرهم، أن صفقات التسلح الهائلة التي أبرموها معها ليست أكثر من إعادة تدوير لفوائضها المالية، لتصب في اقتصادهم، مثل الاستثمارات الخليجية الكبيرة في قطاع العقارات في الغرب، والودائع المالية الضخمة في بنوكه. هي ليست أكثر من "أتاوات" نظير الحماية، حماية الأنظمة لا الدول، من الأخطار الداخلية والخارجية، لا أكثر ولا أقل، وهي، بالتأكيد، لا تبني جيوشاً قوية، ولا دولاً قادرة.
الآن، وبعد الاتفاق النووي الإيراني، تعالت أصوات مسؤولين، حاليين وسابقين في بعض الأنظمة العربية، بالدعوة إلى اصطفاف عربي في مواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، كما أفردت وسائل الإعلام الدائرة في فلك تلك الأنظمة مساحات واسعة لمناقشة الخطر الذي تمثله إيران، ومشروعها السياسي التوسعي، بالنسبة للعرب.
الدعوة لمواجهة المشروع التوسعي الإيراني مفهومة، ولها ما يبررها، فهو ساهم ويساهم في تفتيت، لا الدول العربية وحسب، بل حتى المجتمعات العربية، بإذكاء الشعور الطائفي لدى العرب الشيعة. لكن، في الوقت نفسه؛ المشروع الذي طرحته تلك الأنظمة، طوال السنوات الماضية، وما زالت متمسكة به، مشروع مذهبي، ساهم ويساهم، بالقدر نفسه، في تفكيك مجتمعاتنا.
والمطلوب بكل وضوح؛ مشروع عربي لا مذهبي، لمواجهة التوسعية الإيرانية، وسواها من مشاريع الهيمنة التي تستبيح منطقتنا، وفي مقدمتها الهيمنة الغربية التي ما زال وصف "الاستعمار الحديث" يعبر عنها بحق. مشروع عربي موجه إلى السنّة والشيعة، المسلمين والمسيحيين، وباقي الأقليّات الدينية وحتى العرقية. يحيي الشعور القومي بين أبناء الأمة الواحدة، ويطمئن الأقليات إلى أن حقوقها الثقافية وحرية عقيدتها مصانة في إطار الثقافة العربية والإسلامية الجامعة والسائدة في المنطقة. مشروع عربي لكل العرب، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومللهم وأديانهم. أما المطروح اليوم في مواجهة المشروع الإيراني، مشروع مذهبي، لا يمثل أي إنسان عربي، يطمح للاستقلال الوطني، وبناء مجتمعات عربية حديثة.