نفذت عشر جرافات إسرائيلية، حتى ساعات الفجر الأولى من اليوم الثلاثاء، أوسع عملية هدم لمنازل المواطنين الفلسطينيين في قرية قلنديا البلد شمال القدس المحتلة، بموجب تعليمات صادرة عن وزارتي الداخلية والمالية الإسرائيليتين، وكذلك عن وزارة جيش الاحتلال.
في غضون ذلك، قالت وزارة الخارجية الفلسطينية اليوم الثلاثاء، إن "حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تواصل حربها على الوجود الفلسطيني في القدس ومحيطها، بهدف استكمال مخططات تهويدها من خلال محاولة اقتلاع أكبر عدد ممكن من المواطنين المقدسيين".
وكان وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، قد زار المنطقة قبل يومين، وتفقد المطار المتاخم لقرية قلنديا، ومنشآت عسكرية أخرى من بينها الكلية العسكرية، ومقاعد للصناعات الجوية، ومنشأة ضخمة لصيانة المروحيات المقاتلة، إضافة إلى منصة لصواريخ الباتريوت كان نصبها جيش الاحتلال في عدوانه الأخير على قطاع غزة في العام 2014.
المشهد في القرية، حين تجتاز منطقة الهدم بدا مروعاً، فأكوام هائلة من الباطون والإسمنت الذي كانت تتشكل منه تلك المنازل تحولت إلى ركام كبير، بينما لا تزال جنازير الجرافات ترتسم في تربة الأرض.
عملية الهدم هذه، كما يقول محمود عوض الله، شقيق اثنين من أصحاب المنازل المهدومة، والتي كانت على وشك الإنجاز، "انتهت عند ساعات الفجر الأولى من هذا اليوم، وطاولت أحد عشر منزلاً، عرف من أصحابها: سميح حسين، أولاد مدحت عوض الله، أولاد شريف عوض الله، هشام حسين، ابراهيم سلامة، نضال حمدان، طارق أبو شلبك، صلاح عجالين، تيسير حسين، ورفيق حسين، وغالبيتها قيد الإنشاء، وكان مقررا أن تؤوي أكثر من 120 نفراً".
ووصف عوض الله، ما قامت به جرافات الاحتلال على مدى ساعات، بأنه مجزرة حقيقية لمنازل المواطنين الذين هالهم ما رأوه، فتصدوا للجرافات، بيد أن قوات الاحتلال التي جلبت بأعداد كبيرة، أمطرتهم بالغاز الخانق السام، وغاز الفلفل، والضرب بالهراوات. وأضاف أنه، أصيب هو وعمه رئيس المجلس القروي لقلنديا يوسف عوض الله، إضافة إلى الاعتداء على والده، ونقل رئيس المجلس إلى المستشفى مصاباً برضوض مختلفة، ما فجر مواجهات عنيفة مع أهالي البلدة عموما الذين تنادوا عبر مكبرات للدفاع عن أراضيهم ومساكنهم.
عملية الهدم كما يقول عوض الله، تمت في منطقتين، تتبع الأولى لبلدية الاحتلال في القدس بعد أن صنفوها هكذا، أما المنطقة الثانية فتخضع لسلطة ما يسمى بـ"الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال، وكلا السلطتين، أي البلدية والإدارة المدنية لهما أنظمتهما الخاصة فيما يتعلق بالبناء.
لكن الهدم حين يتعلق بالفلسطينيين يوحدهما، يوضح المتحدث ذاته. ويوحد وزارات الاحتلال المختلفة التي أعلنت تارة مصادرة الأراضي، وتارة استملاكها، في حين معظم أراضي قلنديا البلد مملوكة لأصحابها بموجب الكواشين والطابو ومسجلة رسمياً.
يرى أهالي القرية، أن دوافع سياسية واستراتيجية تقف وراء عمليات الهدم لمنازل القرية، إذ لا يريدون لها أن تتوسع، أو أن تبنى منازل متاخمة للجدار، علماً أن الأخير هو الذي فرض بالقوة وشطر القرية إلى نصفين، كما صادر جزءا مهماً من أراضيها.
إلى ذلك، لم يلتفت ضابط الاحتلال، الذي أشرف على عملية الهدم، إلى المستندات الرسمية التي تمنعه من مواصلة العملية، ومنها وثائق من الإدارة المدنية. وقال هذا الضابط لأهالي القرية: "لا أعرف لا إدارة مدنية ولا غيرها، أنا معي أوامر أهدم...".
في هذا السياق، دانت وزارة الخارجية بأشد العبارات إقدام قوات الاحتلال على هدم خمسة عشر منزلاً ومنشأة في العيسوية وقلنديا بالقدس المحتلة، فجر اليوم، واعتبرته أنه يشكل استمراراً لسياسة الاحتلال الاستعمارية التهويدية الهادفة إلى تفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين، وترحيلهم عن المدينة المقدسة وإحلال المستوطنين مكانهم، وصولاً إلى إغلاق الباب أمام أية فرصة لتحقيق سلام عادل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وأشارت الخارجية الفلسطينية في بيان لها، إلى العديد من الإجراءات القمعية التي تتخذها إسرائيل بحق المقدسيين لاقتلاعهم من أرضهم مثل سحب الهويات، وهدم المنازل، والإبعادات وفرض الضرائب الباهظة عليهم، والاعتقالات والإعدامات الميدانية، والاقتحامات التنكيلية للأحياء الفلسطينية وغيرها.
للإشارة، يقطن في قلنديا البلد حالياً 1100 نسمة، فيما تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 5500 دونم، لم يتبق لأهالي القرية منها سوى 1000 دونم، صودرت وعزلت المساحات الأكبر منها من قبل سلطات الاحتلال.
وإذا كان نصيب قلنديا اليوم هو الأكبر في عدد المنازل المهدمة، فقد كان لبلدة العيسوية أيضا نصيب مما جرى من عمليات الهدم في القدس المحتلة اليوم، كانت بدأتها جرافات الاحتلال الساعة الرابعة فجرا، وانتهت قبل الظهر اليوم.