فطنت تونس إلى خطورة تواصل هروب الاستثمارات من البلاد، فدعت الشهر الماضي إلى مؤتمر استثماري رفيع لوقف هذا النزيف، وموازاة مع ذلك، تنتظر البلاد كسب رهان الحد من تنامي الدين العام لدعم الثقة، محلياً ودولياً، في مؤشرات الاقتصاد.
وتشير إحصاءات رسمية إلى أن تونس شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إغلاق أكثر من 150 مؤسسة اقتصادية كبرى لفروعها في البلاد.
وتم تبرير قرارات الإغلاق بارتفاع سقف المطالب الاجتماعية مقابل تراجع كبير في الإنتاجية، وهي مؤشرات سلبية أدت بالأساس إلى نفور المستثمرين، خاصة الأوروبيين من السوق التونسية، مع الإشارة إلى أن منطقة اليورو، وهي الشريك الاقتصادي الأول لتونس، تجتاز أزمة منذ ست سنوات تقريبا.
ويبدو أن الأزمة في أوروبا، خاصة في فرنسا، أرخت بظلالها على الاستثمارات الأجنبية في تونس.
وقد أفادت الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الأجنبي بتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في البلاد، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري بنسبة 24.6% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. ووصلت هذه الاستثمارات إلى 545 مليون دينار تونسي، ما يعادل 320.5 مليون دولار، بحسب الوكالة.
وتتوزع هذه الاستثمارات بين استثمارات في محافظ مالية وأخرى مباشرة، وتركزت في قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة والسياحة والعقارات.
ويعتبر قطاع الطاقة الأكثر استفادة من هذه الاستثمارات بحصة ناهزت 197 مليون دولار، وهو ما يعادل انخفاضا بنسبة %6.9 قياسا بالفترة سالفة الذكر.
كما تراجع حجم الاستثمارات في قطاعات الصناعة والخدمات والزراعة بنسب تراوحت ما بين 20% و100%، في حين سجلت الاستثمارات في قطاعي السياحة والعقارات تطورًا بنسبة 80%.
وفي ظل عدم اتضاح أفق انتهاء الركود الذي تعاني منه منطقة اليورو، نبه خبراء اقتصاديون تونسيون حكومة بلادهم إلى ضرورة العمل على تسويق الوجهة الاستثمارية التونسية في المنطقة العربية؛ لتعويض التراجع الكبير في الاستثمارات الأوروبية، غير أن الخبراء أكدوا أن كسب هذا التحدي رهن الاستقرار السياسي والأمني، وهو ما ستكشف عنه مرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية المتوقع إجراؤها أواخر الشهر الجاري.
كما دعا خبراء أيضا إلى الاهتمام بتطوير الاستثمارات المحلية عبر تقوية ثقة رجال الأعمال التونسيين في اقتصاد بلادهم. وفي هذا السياق، رأى الخبير الاقتصادي صالح الذهيبي أن "خوف الرأسمال التونسي من الاستثمار فى وطنه يوجه رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب، فإذا كان المستثمر التونسي لا يقدم على الاستثمار في بلاده، فلماذا ننتظر من المستثمر الأجنبي أن يقوم بذلك؟".
غير أن دعم هذه الثقة يتوقف على تحسن المؤشرات الرئيسية للاقتصاد التونسي، وفي مقدمتها الدين العام وعجز الميزانية، دون إغفال أهمية الاستقرار السياسي وضمان الأمن.
وأكد الذهيبي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن الدين العام التونسي يقارب 50% من إجمالي الناتج القومي، معتبرا أن هذه النسبة "معقولة إذا تم توظيف هذه القروض التي حصلت عليها تونس من عدّة بنوك دولية لخلق الثروة".
لكنه أشار إلى أن "هذه القروض يتم توجيهها أساسا لسداد الأجور، وتلبية المطالب الاجتماعية المتزايدة من قبل الاتحادات النقابية"، محذرا من "أزمة اقتصادية خانقة فى السنتين المقبلتين".
وقال إن أبرز مشاكل الاقتصاد التونسي يكمن في "عجز الميزان التجاري الذي قد يصل نهاية السنة إلى عشرة مليارات دولار، وهو عجز مرتفع".
وحث الذهيبي الحكومة المقبلة على العمل خلال أول سنتين من ولايتها على الحدّ من حجم الاستيراد، باتخاذ قرارات مماثلة لمنع توريد السيارات.