بعد تمكين الولايات المتحدة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، من السيطرة على نحو ثلث مساحة سورية، ودعم روسيا للنظام حتى يستعيد الاستحواذ على أكثر من نصف أراضي البلاد، استغلت قوات "قسد" والنظام الظروف، فعمدتا في سبيل الكسب المادي إلى الاستثمار بضحايا الصراع المدنيين، الذين يعدون الأكثر تضرراً من الحروب التي قادتها هاتان القوتان.
أسرت قوات "قسد" عقب سيطرتها على آخر معاقل "داعش" في منطقة شرق الفرات عناصر التنظيم، لكنها احتجزت أيضاً كل المدنيين الذين فروا من مناطقه بعد أن كان يتخذ منهم دروعاً بشرية. تم جمع النساء والأطفال في مخيم الهول، الذي هو أشبه ما يكون بالمعتقل. وتوجب على الرجال انتظار انتهاء التحقيقات الأمنية معهم للتثبت من انتمائهم إلى "داعش" من عدمه.
تشكّلت على الفور شبكة منظمة من عناصر "قسد"، تساوم المدنيين على إخراجهم من المخيم مقابل مبالغ مالية تدفع بالدولار الأميركي، إذ تمّ تحديد سعر لكل فرد، ولكل وجهة. فالعائلة التي لا تنوي مغادرة مناطق "قسد" وتنوي البقاء في الرقة، يتم تقاضي 900 دولار منها على الشخص البالغ، وبين 50 و100 دولار على الطفل. أمّا من ينوي المغادرة إلى مناطق أخرى أو إلى خارج سورية، فتزيد تسعيرته، إذ يضاف إليها مبالغ تدفع للحواجز الحدودية مع مناطق سيطرة الجهات الأخرى.
أما النظام، الذي يبدو أنّه اضطر مرغماً للقبول بقرار روسيا القاضي بنقل من يرغب من سكان مخيّم الركبان إلى مناطق سيطرته، فلم تجد قواته وعناصر أمنه شيئاً تفعله حيال هذا القرار، سوى المتاجرة بسكان المخيّم المدنيين، الذين لا يمتلكون حتى أدنى مقومات الحياة، وأجبرتهم ظروف المخيم القاسية على التوجه لمناطق النظام. وفرض عليهم الأخير الحصول على موافقة أمنية قبل الخروج من المخيم، لا تعطى إلا بعد دفع مبالغ مالية كبيرة، وإلا فعلى مقدّم الطلب الانتظار حتى يتمكّن من الدفع. كما أنّ عملية النقل تتمّ بباصات مستأجرة، وبأسعار مرتفعة.
في كل الحروب يظهر أشخاص يستفيدون من ظروفها، إلا أنّ ما يميّز مستثمري الحرب في سورية أمران؛ الأول هو أنّ هؤلاء من قيادات أطراف الصراع وليسوا أشخاصاً عاديين استفادوا من الظرف، ما يجعلهم متحكمين بشكل أكبر باستثمارهم. الأمر الثاني هو قذارة الاستثمار الذي يستغلّ ظرف المواطنين الأكثر تضرراً ويقوم على ابتزازهم.