حتى الساعة ترتفع حظوظ رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري في التكليف مجدداً، من دون أن يقابله ارتفاع مماثل في القدرة على التأليف، الذي عادة ما يتأخر أشهراً طويلة بسبب المحاصصة وشكل الحكومة وبيانها الوزاري. لكن هذه المرة تُضاف إلى كل ما ذكر، مطالب الشارع الذي رسم سقفاً جديداً، عنوانه حكومة مستقلة رئيساً وأعضاء. وبالتالي حسم الجدل حول إمكانية قبول الشارع باسم الحريري لرئاسة حكومة اختصاصيين، والذي حاول تيار "المستقبل" الترويج له بوصفه المخرج من الأزمة السياسية والاقتصادية. وجاء الموقف الشعبي في الوقت الذي كان المنتفضون يواصلون التعرض لـ"الغزوات" المتكررة لأنصار "حزب الله" وحركة "أمل"، والتي أضيف لها العنف المفرط وغير المسبوق من قبل القوى الأمنية، قبيل الاستشارات، على غرار ما جرى منذ مساء السبت الماضي واستمر حتى الساعات الأولى من فجر أمس الأحد. ولم تجد وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن، التي أبدت "حزناً" و"ذهولاً" مما جرى، حرجاً في تبرير هذا العنف وربطته بـ"دخول عناصر مندسة"، في الوقت الذي تُثار العديد من علامات الاستفهام حول الدور الذي تؤديه الأخيرة في تغطية اعتداءات العناصر الحزبية والأمنية على المحتجين بشكل مستمر.
عموماً لا شيء محسوماً حول ما سيجري اليوم. في الأروقة السياسية يتحدث الجميع، من مختلف التيارات والأحزاب، عن حالة العجز والغموض التي تطبع الحركة السياسية في البلاد، والتي ستكون حاضرة اليوم في استشارات ستفتح الباب واسعاً أمام نقاش دستوري، وسيناريوهات المرحلة المقبلة، انطلاقاً أولاً من عدد الأصوات التي سينالها الحريري. فإن كان عددها أقل من النصف زائداً واحداً (أي 63 نائباً من أصل 128)، فإن ذلك قد يدخل البلاد في مأزق دستوري، خصوصاً أن الدستور لا يوضح عدد الأصوات المطلوبة لتكليف رئيس الحكومة، فيما بعض الاجتهادات تشير إلى ضرورة تأمين النصف زائد واحد (65 نائباً).
وقد تسمي بعض التكتلات أو النواب المحسوبين على قوى "8 آذار" ("حزب الله" وحلفاؤه والتي تمتلك الأغلبية النيابية) الحريري للخروج من هذا المأزق، على الرغم من أن هذا الخيار ليس محسوماً بعد، وبالتالي قد يكون رئيس الجمهورية ميشال عون أمام مأزق دستوري، متعلق إما بقبول تكليف رئيس حكومة لم ينل الأكثرية المطلقة، أو إعادة الاستشارات.
ويتحدث أكثر من مصدر سياسي من مختلف القوى السياسية عن أن تأليف الحكومة، وقبله التكليف، غير واضح دستورياً، لا في المهل التي تحدد موعد إجراء الاستشارات، ولا العدد المطلوب من أصوات النواب لتكليف رئيس حكومة (وإن كان هناك اجتهادات تتحدث عن الأكثرية المطلقة أي النصف زائد واحد). كما أن هذا الغموض يمتد ليشمل مهلة التأليف والمخارج المحتملة في حال انسداد أفق التكليف أو التأليف كما كل الأنظمة البرلمانية التي يحدد دستورها خيار إجراء انتخابات نيابية مبكرة في مثل هذه الحالات.
وفي حال تم تكليف الحريري اليوم، بغض النظر عن الشكل، بأكثرية مطلقة أو أقل بموافقة عون، إلا أن رحلة التأليف التي في العادة تستغرق أشهراً طويلة (الحكومة السابقة 9 أشهر)، ينتظر أن تطول هذه المرة أيضاً على وقع الانهيار الاقتصادي، ومحاولات السلطة الرد على استمرار زخم الشارع بالعنف، مثل ما حصل في عين التينة قبل أيام، وجل الديب أول من أمس في بيروت. الحريري يريد وفق ما بات معلوماً حكومة اختصاصيين من خارج الأحزاب، وفي ذلك مرونة يبديها في توزير أسماء محسوبة على الأحزاب والقوى السياسية، لكن شرط أن تكون اختصاصية وليست حزبية، وهو ما يرضي "حزب الله"، على اعتبار أنه لم يطالب بمقاعد وزارية لشخصيات حزبية، بل على نسق وزير الصحة الحالي جميل جبق (وهو الطبيب الخاص لحسن نصر الله لكنه غير حزبي رسمياً).
وكان موقف حزب الله الذي أوضحه نصرالله يوم الجمعة الماضي، استُكمل بتصريحات أوضحت الشروط التي يضعها بشأن الحكومة، بما في ذلك قول رئيس تكتله النيابي محمد رعد، إن الحزب لم يعد يعنيه من يأتي رئيساً للحكومة ولا إن كانت سياسية أو تكنوقراط، بل بمدى استجابتها للمطالب الأميركية. كما قال النائب عن حزب الله حسن فضل الله إنه لا نجاح لأي حكومة لا يتمثل فيها كل الأطراف الأساسيين. بكلام آخر يقول الحزب إنه فعلياً لا يمانع أن يتمثل والحلفاء بحزبيين أو اختصاصيين محسوبين على الأحزاب، لكن ما يعنيه تحديداً هو القرار السياسي والاقتصادي في الحكومة، بمعنى امتلاك، وإن مواربة، قدرة التعطيل، أو ما يعرف بالثلث المعطل، في حال طرح أي قرار يتعارض مع مصالح الحزب، وأن تكون الحصة الممنوحة له ولحلفائه تطمينية، وهو ما يفسر تمسك الحزب بالتيار الوطني الحر وبحصته.
وتبقى العقبة الأساسية لدى حلفاء الحزب، وتحديداً "التيار الوطني الحر"، الذي يرفض مبدأ حكومة يترأسها الحريري بوصفه حزبياً، من دون مشاركة الأحزاب الأخرى، ويرى في ذلك استهدافاً لوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، صهر الرئيس، جبران باسيل. وهو ما دفع التيار إلى إعلان رفضه المشاركة في أي حكومة يرأسها الحريري. كما أن حركة "أمل" التي يترأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري لا تزال متمسكة، بوزير المالية في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل مرشحاً حزبياً للحكومة المقبلة.